تفجير كمين الجيزة: تساؤلات أمنية وتحذيرات من استغلال سياسي

10 ديسمبر 2016
أسفر التفجير عن مقتل ستة من عناصر الشرطة(العربي الجديد)
+ الخط -


يعيد استهداف كمين أمني مصري، في محافظة الجيزة أمس الجمعة، الحديث عن الفشل الأمني في مواجهة العمليات المسلحة التي تنفذها مجموعات مسلحة مجهولة. وأسفر التفجير الذي استهدف كميناً أمنياً في منطقة الطالبية في الجيزة، عن مقتل ستة من أفراد الشرطة، بينهم ضابطان، فضلاً عن إصابة أربعة مجندين آخرين ومدنيَين اثنين. فيما سيطرت حالة من الذعر بين قاطني المنطقة بعد ارتفاع ألسنة اللهب من موقع الانفجار وإصابة عدد من المنازل نتيجة قوة الانفجار. وأغلقت قوات الشرطة الشارع في كل الاتجاهات عقب الانفجار.
وبعد ساعات قليلة من التفجير، تداولت وسائل إعلام مصرية وأجنبية بياناً منسوباً لحركة تُدعى "حسم"، أعلنت فيه تبنّيها استهداف الكمين الأمني. بيان الحركة أعلن أن استهداف الكمين جرى عبر استخدام عبوة ناسفة فقط، وذلك ما خالف رواية وزارة الداخلية حول استخدام عبوتين ناسفتين، ولكنه جاء متطابقاً لجهة عدد القتلى والجرحى مع رواية المصادر الأمنية.
وتحدث خبراء أمنيون عن أن تنفيذ انفجار أمس يتشابه مع عمليات مماثلة سقط على إثرها قتلى وجرحى من قوات الشرطة، مشككين في أساليب واستراتيجية أجهزة الأمن المصرية لمواجهة المجموعات المسلحة "المجهولة" التي تظهر ثم تختفي لفترة، في ظل عدم قدرة حقيقية على الكشف عن خيوط هذه الجماعات وتفكيكها وتقديم متهمين حقيقيين متورطين في مثل هذه العمليات المسلحة.
واعتمدت عملية التفجير الأخيرة على انفجار عبوة ناسفة في منطقة بعيدة عن الكمين الأمني أو قوات الشرطة، حتى تتجمّع تلك القوات لتنفجر عبوة أخرى في محيط التمركزات الأمنية، لإصابة أكبر عدد ممكن من أفراد الأمن، ومع ذلك لم تلتفت أجهزة الأمن إلى هذا التكتيك المتكرر.
وقال مراقبون سياسيون إن النظام الحالي يستغلّ أحداث العنف والتفجيرات، لخدمة أهدافه الخاصة، والترويج إلى أنه يواجه أعمالاً إرهابية، وهي رسائل يوجهها إلى الداخل والخارج على حدّ سواء. وأشاروا إلى أن استغلال نظام عبد الفتاح السيسي أحداث العنف لم يعد مؤثراً بشكل كبير خلال الفترة الماضية، إذ إن الفشل الأمني يكون له تأثير سلبي سياسياً على النظام الحالي، فهي سلاح ذو حدين.
ورأى خبير سياسي في مركز الأهرام للدراسات أن النظام الحالي، عبر أذرعه الإعلامية، يستغلّ كل حادث عنف وتفجير، للترويج لنفسه باعتبار إذا حدث أي خلل واضطرابات ستزداد العمليات الإرهابية. وأضاف الخبير السياسي، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن هذه الرسائل لم تعد تُجدي نفعاً الآن، مشيراً إلى أن الاستغلال السياسي لهذه الحوادث سلاح ذو حدين، إذ يمكن أن يقنع قطاعاً ليس بالقليل من الشعب، ولكن سرعان ما سيؤدّي إلى غضبه على السيسي نفسه، لأنه يفشل في تحقيق الأمن.
ولفت إلى أن الترويج للعنف، يصاحبه ضغط دولي وإقليمي لتسوية الأوضاع في مصر مع مؤيّدي الرئيس المعزول محمد مرسي، ضماناً لعدم خروج مصر إلى جحيم الاقتتال والإرهاب الفعلي، وعدم وصولها إلى مصير دول محيطة، معتبراً أن الأزمة تتعلق بعدم قدرة الجهاز الأمني على العمل بشكل مهني، لجهة اتّباع أنظمة البحث والتحرّي المعروفة في العالم لملاحقة العناصر المتورطة في أعمال عنف.


من جهته، قال الخبير الأمني العميد محمود قطري، إن أخطاء جهاز الشرطة في مصر يدفع ثمنها الضباط الصغار والجنود، من دون أي ذنب، محمّلاً هذه الدماء للقيادات الكبرى ومؤسسات الدولة. واعتبر قطري أن "لا أحد في الأجهزة الأمنية يستمع للنصائح التي توجّه إليهم، خصوصاً أنه لا بد من تعديل الخطط والتكتيكات لمواجهة المجموعات المسلحة"، مشيراً إلى أن "عناصر أغلب هذه المجموعات الناشئة لا يمتلكون سجلاً إجرامياً ولم يقوموا بأعمال مسلحة من قبل، وهي مجموعات محدودة القدرات ولكنها تستغل الفشل الأمني في تنفيذ عمليات وتفجيرات".
ورأى قطري أن "الفشل الأمني والأخطاء تتكرر كل مرة، ولا يوجد توجيه جيد لقوات الشرطة العاملة على أرض الواقع، وبالتالي لا بد من إجراء تعديل عاجل في قيادات الوزارة الحالية"، متخوّفاً من أن تكون العملية الأخيرة أمس مقدّمة "لسلسلة جديدة من العمليات المسلحة والتفجيرات في قلب القاهرة الكبرى، خصوصاً مع نوع من التراجع الاختياري على ما يبدو لتلك الجماعات". وطالب بضرورة الاعتماد على خبرات دولية في تدريب العناصر الأمنية لمواجهة مثل هذه المجموعات المسلحة، قبل أن تكتسب خبرات وتصعب معها سبل المواجهة.
في السياق، قال خبير أمني مصري إن مقتل ستة من أفراد الشرطة دليل على التراخي الأمني الكبير. ولفت الخبير، والذي رفض الكشف عن اسمه، إلى أنه لا توجد أي ركائز أمنية منتشرة أخرى في الشارع، وهو ما ساعد على فرار الجناة من مكان الحادث بهذه السرعة، مضيفاً أن عمليات التفتيش التي تقوم بها القوات عقب كل عملية أصبحت حيلاً فاشلة من جانب القوات، لأن تلك العمليات تكون مرصودة بدقة قبل إتمامها.
وفي سياق متصل، قال رئيس حزب "مصر القوية"، عبد المنعم أبو الفتوح، إن النظام المصري الحالي يُتاجر بشعار الإرهاب والعنف، ويظل يردد في قنواته وأبواقه بوجود الإرهاب. وأضاف، خلال المؤتمر العام الثاني للحزب، أمس الجمعة، أن النظام يتاجر بشعار الإرهاب وهو صناعته أصلاً، متسائلاً: "كيف يروّج النظام للعنف وكأن مصر مليئة بالإرهاب، ثم نأتي ونقول أين المستثمرون والسياحة؟".
وشدّد على أنه يرفض أي استخدام غير سلمي للتعبير، لأن العنف يهدم الدولة، متابعاً: "نحن خدم للدولة ولسنا خدماً للنظام الذي يخربها". وأبدى رفضه اعتماد النظام الحالي على دغدغة العواطف، مؤكداً أن الدول لا تدار بالخديعة والعبث.
وحول مبادرة وزير الأوقاف المصري مختار جمعة، لتشكيل لجان لتدريب الشباب على نبذ العنف، أكّد أن الشباب المصري غير عنيف، وضرب المثل في "التحضر والرقي بعد ثورة يناير، حين خرج الملايين ولم يعتد مسلم على مسيحي ولا إسلامي على يساري والعكس". وشدّد على أن الشباب المصري ذهب إلى حماية المؤسسات والمنازل من البلطجية ورجال حبيب العادلي والمؤسسات السيادية.