العفو الرئاسي والمصالحة: مناورة السيسي لكسب دعم صندوق النقد

29 نوفمبر 2016
اعتصام للمطالبة بتحسين ظروف معتقلي سجن العقرب (فايد الجزيري/Getty)
+ الخط -
توصل مؤتمر شرم الشيخ للشباب المصري، الذي عُقد مطلع الشهر الجاري، لنتائج عديدة، أبرزها يتمثل بتشكيل لجنة للعفو الرئاسي عن الشباب المصري في السجون، من غير المتورطين في أعمال عنف. وقد استغل النظام المصري هذه الخطوة لتلميع صورته، وإظهار نفسه وكأنه منفتح على الشباب. لكن مصادر مصرية مطلعة تؤكد أن إطلاق لجنة كهذه كان أمراً متفقاً عليه داخل مؤسسة الرئاسة المصرية، منذ شهر مايو/أيار الماضي، ولم يأت استجابة لمطالب شباب المؤتمر كما روّج الإعلام المحسوب على النظام. وأوضحت المصادر أن "الإفراج عن دفعات من الشباب والنشطاء في السجون وإحداث حالة من الانفراج السياسي، كان شرطاً أساسياً من جانب صندوق النقد الدولي لتمرير القرض الذي طلبته مصر بقيمة 12 مليار دولار وتمت الموافقة عليه أخيراً". وتابعت أنه "وقتها وافق المفاوضون المصريون المكلفون بالتواصل مع صندوق النقد، على الشروط التي وضعها الأخير، وبناءً عليه، تم تكليف جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، بإيجاد حل" للمسألة. وأضافت المصادر أن هذا الجهاز "قام وقتها ببحث ملفات السجناء من الشباب، وتم اختيار الشباب الذين أوشكت مدة سجنهم على الانتهاء"، مشيرةً إلى أنه تم "الجلوس معهم في جلسات مطولة لمراجعة أفكارهم، ومناقشتهم في تصوراتهم بعد الخروج من السجن". كما نظمت محاضرات دينية لهؤلاء الشباب في السجن، مستمدة من نصوص لأساتذة جامعة الأزهر، في مقدمتهم أسامة الأزهري، المستشار الديني لرئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي.

وأوضحت المصادر أن ترويج الحديث عن المصالحات مع المجموعات السياسية وفي مقدمتها جماعة "الإخوان المسلمين" ربما يكون قد لاقى تغطية إعلامية واسعة من جانب الإعلام المصري والغربي أخيراً، مع بداية الحديث عن بدء القاهرة تنفيذ دفعة جديدة من شروط الصندوق المتفق عليها، ومنها الإصلاحات السياسية. ولفتت النظر إلى أن النظام المصري يراوغ بمثل هذه الأنباء، مؤكدةً أنه ليست لديه النية ولا الإرادة لإنجاز أية مصالحة حقيقية مع "الإخوان المسلمين". وأشارت إلى أن "النظام المصري سيركز عبر الإعلام الموالي له، لترويج فكرة المصالحة، بدون أن يعلن هو موقفه بوضوح، المتمثل بالرفض، حتى يستغل ذلك في إشاعة مناخ إيجابي تجاهه، أمام الرأي العام الأوروبي".

في هذا السياق، أعلنت مصادر إعلامية مصرية لـ"العربي الجديد" أن هناك توجيهات صدرت لوسائل الإعلام التابعة للنظام، بطرح موضوع "المصالحة مع الإخوان" حتى ولو بالهجوم على الفكرة، وحتى لو أراد بعض الإعلاميين انتقاد مؤسسة الرئاسة، والسيسي نفسه، لأن من شأن كل ذلك أن يتيح الترويج لفكرة، هي في الواقع غير حقيقية، ومفادها أن هناك سعياً من قبل الرئاسة "لإيجاد مناخ تصالحي". وأضافت أنه "تمت اتصالات مع شخصيات قريبة من الإخوان، وجرت معها أحاديث عابرة، وتعمدت مؤسسة الرئاسة تسريب أنباء تلك الاتصالات، لوسائل إعلام، لكي يبدو الأمر كما لو كان جاداً".


من جانب آخر، أكدت المصادر "أن النظام سيبدأ تنفيذ الدفعة الجديدة من الإجراءات الاقتصادية القاسية مع بداية العام الجديد، والتي سيكون في مقدمتها رفع الدعم بالكامل عن المنتجات النفطية"، متوقعة أن يحدث هذا القرار هزة كبيرة في الشارع المصري. ولذلك، يسعى النظام، بحسب المصادر، لتغليف إجراءاته بالحديث عن إصلاحات سياسية. وأشارت إلى أن من بين القرارات التقشفية التي ستبدأ الحكومة في الأخذ بها مع بداية عام 2017، "تقليص عدد المستفيدين من البطاقات التموينية، واستبعاد عدد كبير من المستحقين للدعم الذي توفره، في محاولة لتوفير نحو 4 مليارات جنيه".

الخصخصة
وكانت وزيرة التعاون الدولي، سحر نصر، قد كشفت في مقال نشرته بصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، عن أن الحكومة المصرية تنوي تطبيق سياسة الخصخصة. وقالت إنها تسعى للخروج جزئياً من شركات وبنوك مملوكة للدولة، مشيرة إلى أنه للمرة الأولى على الإطلاق، سوف يشمل الطرح شركات للمرافق العامة، والتي كانت مستثناة تاريخياً من البيع باعتباره قطاعاً استراتيجياً. وأضافت أن الحكومة لا تتهرب من حقيقة الاقتصاد الحالية، إذ وصل معدل الفقر إلى 27 بالمائة، والبطالة إلى 12.5 بالمائة، أما الدين العام فبلغ 100 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي، فضلاً عن زيادة الفوارق في معدلات المعيشة. وأكدت أن مصر أجرت إصلاحات اقتصادية مهمة في الفترة الماضية، تمثلت في خفض دعم المواد النفطية، وتعويم الجنيه، وتوسيع القاعدة الضريبية. وكانت مصر قد أعلنت في الثالث من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تحرير سعر الصرف، قبل أن تقرر في اليوم التالي مباشرة رفع أسعار المواد البترولية.