ضمانات بوتفيلقة الانتخابية لا تبدد شكوك المعارضة الجزائرية

18 أكتوبر 2016
المعارضة الجزائرية تخشى تزوير الانتخابات المقبلة(فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -
تبدي الأحزاب السياسية الجزائرية المعارضة شكوكاً في إمكانية ضمان السلطات لنزاهة وشفافية الانتخابات البرلمانية المقررة شهر أبريل/نيسان المقبل، على الرغم من إعلان الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، أخيراً، عزمه تكليف قيادي سابق في حركة "النهضة" الإسلامية، الخبير القانوني، عبد الوهاب دربال، على رأس الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات.
وعكست تصريحات أغلب قادة الأحزاب السياسية المعارضة، في الأيام الماضية، مدى انعدام الثقة بين المعارضة والسلطة بشأن نزاهة الاستحقاق الانتخابي المقبل، مما دفع ببعض القوى السياسية إلى إعلان مقاطعتها المسبقة لانتخابات أبريل 2017. 
وشكك المرشح الرئاسي السابق، رئيس حزب طلائع الحريات، علي بن فليس، في الضمانات التي تطرحها السلطات الجزائرية بشأن نزاهة الانتخابات البرلمانية المقبلة. وقال بن فليس، الذي كان رئيساً للحكومة بين 2001 و2003، في رده على رسالة رئاسية بشأن تشكيل الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات، إن هذه الهيئة "لم يتم تصورها وتشكيلها لتكون أداة فاعلة في الوقاية من التزوير الانتخابي وردعه"، مضيفاً أن الغاية منها تتمثل بـ"تمديد عمر التزوير الانتخابي تحت غطاء قانوني ومؤسساتي جديد لا يضمن إطلاقاً عملية الاقتراع المقبلة ما تتطلبه من نزاهة وصدق ومصداقية وشفافية". واستغرب رفض الجزائر "الاستلهام من تجارب أمم العالم الأخرى - بما فيها دول الجوار - وتزويد البلاد مؤسساتياً بهيئة سيدة وحيادية في تحضير وتنظيم ومراقبة كافة أطوار المسارات الانتخابية".

وأضاف بن فليس أن "التزوير الانتخابي ألحق الأضرار تلو الأضرار بالمنظومة السياسية الوطنية"، مشيراً إلى أن "الشرعية والتمثيل والثقة هي كلها ميزات تكتسب ولا تفرض في المجتمعات الديمقراطية الحقة وفي دول القانون الأصيلة". وتابع "التزوير الانتخابي يمثل علامة من علامات المنظومات السياسية المختلة ومن الجلي أن قانون الانتخابات وقانون تشكيل هيئة مراقبة الانتخابات لم يخففا من قبضة الجهاز السياسي الإداري على مجرى المسارات الانتخابية بل أثقلها"، بحسب تعبيره. وأوضح أن هذين القانونين لم يقللا من هيمنة هذا الجهاز "على مرحلتي تحضير وتنظيم الانتخابات وكل ما ينتج عنها، بل زادا من وطأة هذه الهيمنة المطلقة"، على حد وصفه. كما شكك في نزاهة الجهاز الإداري، السلطة في الجزائر، قائلاً إن "الجهاز هو من جهته لا يؤمن بقضية المنافسة السياسية الشريفة والنزيهة والنبيلة ويصر على تحديد شروطها وإملاء قواعدها وكذلك على التحديد المسبق لنتائجها"، لافتاً إلى أن التعبير الذي بات يُتعارف عليه لوصف تدخل الجهاز الإداري والسياسي في العملية الانتخابية هو "المحاصصة الانتخابية المكافئة للبعض والمعاقبة للبعض الآخر".
في المقابل، رأى بن فليس أن "الظرف المقلق للغاية الذي تمر به البلد يتطلب أكثر من (الذي تقوم به السلطة) بكثير ولا يصح أن يختزل في الانشغال بهيئة لمراقبة الانتخابات ورئاستها".

وحذر بن فليس من المساس بنزاهة الانتخابات المقبلة. وقال "في ظرف بالغ الدقة والحساسية يبدو لي أنه لا يصح حمل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة على محمل الروتينية لأن مقاربة كهذه ستقود البلد من جديد إلى تفويت الفرصة وتضييعها على نفسه بتجاهله لما هو جوهري". وفي هذا الصدد، أوضح أن الأمر "الجوهري في هذه الحالة هو الانسداد السياسي الذي لا يمكن التمادي في تجاهله، وتصاعد التوترات الاجتماعية، إضافةً إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي لا يمكن أن تلقى الرد المؤات لها دون جهود وتضحيات وشجاعة". وعبّر عن يأس سياسي من إمكانية أن تحدث الانتخابات المقبلة تغييراً في الأفق السياسي للبلاد. واعتبر أنه "ما يزيد من الحسرة والأسف في هذا الظرف بالذات هو قناعة الجميع بأن مصير الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة مرشح ليكون كمصير سابقاتها، إذ لا يمكن أن تأتي بالرد الحاسم على المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحقيقية التي يعاني منها البلد"، وفق تعبيره.


في السياق نفسه، تبدي حركة مجتمع السلم، كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر، تذمراً مماثلاً. ولا تخفي يأسها السياسي إزاء الانتخابات المقبلة على الرغم من توجه الحركة نحو المشاركة فيها بحكم مجموعة من المؤشرات، أبرزها تزايد الضغوط الداخلية على قيادة الحركة من تيار ما يعرف بالمشاركة. ويرغب هذا التيار في إعادة نسج التحالف مع السلطة لمرحلة أخرى.
وفي السياق ذاته، اعتبر المتحدث باسم الحركة، ناصر الدين حمدادوش، أن وجود هيئة عليا لمراقبة الانتخابات، لا يمثل أي ضمانة لنزاهة عملية الاقتراع. وقال إن "هذه الهيئة ستكون منزوعة الصلاحيات الحقيقية في ضمان نزاهة الانتخابات، وستكون عاجزة عن مواجهة آلة التزوير، وسيكون تعيين رئيسها - مهما كانت نزاهته وكفاءته - عملية عبثية، لأنه لن يقدم ولن يؤخر شيئاً في الانتقال الديمقراطي". وأشار إلى أن "تشكيلة اللجنة التي يتكون نصفها من قضاة، لا يملكون الاستقلالية والسيادة الكاملة في أعمالهم، والنصف الآخر من كفاءات المجتمع المدني، لا علاقة لهم بالحياة الحزبية والعملية الانتخابية، في مقابل إقصاء ممثلي الأحزاب السياسية منها، لن يضمن نزاهة الانتخابات التي تتحكم فيها الاستخبارات والأجهزة الغرف المظلمة"، ما يعني أن هذه الهيئة ستكون، في نظره، "شاهد زور على عملية لا تتحكم في مفاصلها الحقيقية".

ويتوافق موقف حزب جبهة العدالة والتنمية مع المواقف والقراءات السابقة بشأن التشكيك في إمكانية التزام السلطات بسلامة وشفافية العملية الانتخابية المقبلة. وأعرب القيادي في الجبهة، لخضر بن خلاف، عن اعتقاده بأنه طالما أن السلطة تلتف على مطلب المعارضة المتعلق بإنشاء هيئة مستقلة تشرف وتتولى عملية تنظيم ومراقبة الانتخابات بشكل كامل، فإن أي هيئة أخرى أو تعيين أية شخصية لإدارة هيئة رقابية تعينها السلطة، لن تنجح في ضمان نزاهة الانتخابات. وأضاف أن "السلطة قررت تنصيب لجنة في شكل هيئة تراقب فقط عملية الاقتراع وكل أعضائها معينون. وهو التفاف واضح على مطلب المعارضة وعلى المكتسبات البسيطة السابقة المتعلقة بضمانات نزاهة الانتخابات والتي تم التراجع عنها، لا سيما أنه تم إقصاء تام للأحزاب السياسية من مراقبة الانتخابات"، مشيراً إلى أن "الهيئة بالشكل الذي تقترحه السلطة لن تقدم أي إضافة للعملية الانتخابية".

واندفعت بعض الأحزاب السياسية المعارضة إلى إعلان مسبق لمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقررة في أبريل/نيسان المقبل، على غرار حزب "جيل جديد"، بقيادة جيلالي سفيان، والذي أعلن عدم مشاركته فيها. ودعا قوى المعارضة إلى عدم الاشتراك في ما يصفه بمسرحية سياسية. على الرغم من ذلك، فإن أغلب أحزاب المعارضة ستعقد اجتماعات لمؤسساتها المركزية نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي من أجل اتخاذ قرار حاسم بشأن المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها، اذ ستحدد حركة مجتمع السلم وجبهة العدالة والتنمية في 22 أكتوبر موقفها النهائي من الانتخابات المقبلة.

واعتبرت الأطراف السياسية، أن اقتراح بوتفليقة بتعيين دربال يشكل استدراجاً سياسياً لأحزاب المعارضة لدفعها نحو المشاركة في الانتخابات، لا سيما أن الظرف الداخلي والأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد، زادت من مخاوف السلطة من حدوث مشكلات سياسية داخلية.
المساهمون