حكومة الحبيب الصيد أمام البرلمان: ثقة ضعيفة أساسها "النهضة"

11 يناير 2016
خسر الصيد تأييداً حزبياً ونقابياً في تشكيلته الجديدة(ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -
يخوض رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد، اليوم الاثنين، استحقاقاً لن يكون سهلاً، عندما يعرض تشكيلة حكومته الثانية أمام مجلس النواب، في ظل ردود متباينة حول التعديل الوزاري الذي أجراه في السادس من يناير/كانون الثاني الحالي. نيل الحكومة شبه محسوم بنسبة حوالي 140 صوتاً من أصل 217 نائباً، بأقل من نحو 25 صوتاً أيدوا التشكيلة السابقة لفريق الصيد. استحقاق اليوم سيعكس انقسامات حزب نداء تونس، في مقابل تأييد كامل من "النهضة" لحكومة يعارضها بشدة اتحاد الشغل.

من البديهي أن ترفض المعارضة التركيبة الجديدة، لكن لم يكن بديهياً أبداً أن يعلن قادة في الحزب القائد للتحالف الحاكم "نداء تونس" عن عدم رضاهم عن التعديل مطالبين بمراجعته، وهو ما رأى فيه بعضهم إشارة إلى ضعف مناعة الحاضن السياسي الرئيسي للحكومة.

ومنذ الإعلان عن التغيير الوزاري، وجهت انتقادات عدة لخطوة رئيس الحكومة، وصلت إلى حد اتهامه بخرق الدستور لناحية أن التعديل جاء جذرياً، بينما تنص المادة 92 من الدستور التونسي على أن رئيس الحكومة له الحق في اجراء تغييرات جزئية ويتوجب عليه عرضها على مجلس الوزراء، وهو ما لم يقم به الصيد الذي تشاور فقط مع ثلاثة أحزاب من الائتلاف الحكومي. وأبرز المنتقدين لهذا السلوك كان حزب "آفاق تونس"، المشارك الرابع في الائتلاف الحاكم، والجبهة الشعبية المعارضة، وبعض المختصين في القانون الدستوري.

كما أثار تململ الحكومة حول الحضور لنيل الثقة من البرلمان، حفيظة المعارضة التي تمسكت بهذا الإجراء وطالبت بأن يعرض الوزراء الجدد مباشرة وعلى الهواء برامجهم وتصوراتهم لحقائبهم. ومهما يكن برنامج أو استراتيجية الوزراء الجدد، فإن الجبهة الشعبية (أبرز مكونات المعارضة مع 15 مقعداً) قد أعلنت عن رأيها مسبقاً لرفض منح الثقة لهذه الحكومة.

ويقول رئيس كتلة الجبهة الشعبية في البرلمان أحمد الصديق لـ"العربي الجديد" إن "الإشكال ليس في كفاءة الوزراء الجدد أو في سيرهم الذاتية وما راكموه من شهادات علمية، إنما في غياب التصور الذي انطلق مع حكومة الصيد الأولى". ويضيف الصديق أن هذه الحكومة "ليست إلا حكومة تصريف أعمال رديء، وكان من المفروض أن يكون التعديل الحكومي في اتجاه تلبية الحد الأدنى من طموحات التونسيين، إلا أنه لم يتعد إعادة ترتيب البيت الداخلي لائتلاف حاكم عاجز وفاشل كما توقعنا ذلك منذ تأسيسه".

أما الكتلة المعارضة الثانية، "الكتلة الديمقراطية الاجتماعية"، التي ترأس لجنة المالية في البرلمان (وهي لجنة يقتضي الدستور أن تترأسها المعارضة)، فرغم اختلاف المواقف داخلها بين مؤيد ورافض للتعديل الحكومي، فتبدو مجبرة على التصويت برفض الوزراء الجدد حتى تحافظ على موقعها ككتلة معارضة وترأس لجنة المالية. ويلتقي موقف "حراك الإرادة" (المؤتمر من أجل الجمهورية سابقاً مع 4 مقاعد) ونواب التيار الديمقراطي (3 مقاعد) مع موقف الجبهة الشعبية الرافض لمنح الثقة.

اقرأ أيضاً حكومة الصيد وضرورات التغيير: خلافات حكومية وضغوط للمعارضة

وفي حديث لـ"العربي الجديد"، أشار غازي الشواشي، النائب عن التيار الديمقراطي، إلى أن هذه الحكومة "هي حكومة رئيس الدولة، برزت فيها بصمة الباجي القائد السبسي في حين غابت بصمة الحبيب الصيد، وهي حكومة تصريف أعمال". وأضاف الشواشي أن هناك أسماء في هذه الحكومة "لا يمكن قبولها، في مقدمتها وزير الخارجية المكلف حديثاً خميس الجهيناوي، الذي سبق أن شغل منصب مدير رعاية مصالح تونس في تل أبيب".

في السياق نفسه، يجزم الأمين العام لحركة الشعب (3 مقاعد) زهير المغزاوي بأن نواب الحركة لن تزكي هذا التعديل الحكومي الوزاري لعدة أسباب، أولها يتعلق بوزير الخارجية الجديد المتهم بالتطبيع مع إسرائيل في عهد المخلوع زين العابدين بن علي، ثم لأن التعديل الوزاري "جاء فقط لترضية مكونات الرباعي الحاكم وإعادة توزيع المقاعد فيما بينهم". كذلك يمتنع حزب تيار المحبة (مقعدان) عن منح الثقة، وهو الموقف الذي تؤيده أحزاب المعارضة غير البرلمانية، من بينها الحزب الجمهوري والتحالف الديمقراطي. ويبقى موقف الاتحاد العام التونسي للشغل الأكثر حدة، بعدما استنكر، في بيان، عدم إشراكه في المشاورات التي انتهت إلى التغيير الوزاري الجذري، متهماً الحبيب الصيد بـ"معاقبة بعض الوزراء الذين عبروا عن نفس إصلاحي حقيقي" من خلال استبدالهم.

أما نواب "نداء تونس"، فقد طاولهم الاستهجان والتحفظ، فقد اعترض بعضهم على إعفاء وزير الداخلية محمد الناجم الغرسلي وآخرين، بينما ينبع اعتراض نواب آخرين من الحزب من أن الحبيب الصيد "لم يتشاور مع النداء عند وضع القائمة من الوزراء". أما النواب المستقيلون من "النداء"، والموالون لتيار محسن مزروق، فلم ينظروا بعد في مسألة التصويت للوزراء الجدد أو حجب الثقة عنهم، إذ أكد النائب المستقيل من الحزب، مصطفى بن أحمد لـ"العربي الجديد" أن المجموعة الجديدة منشغلة بترتيب بيتها الداخلي والاستقالات قد تبلغ العشرين، صبيحة التصويت على الحكومة (اليوم الاثنين)، ولم تحدد بعد موقفها منها.

لكن الواضح والجلي أن "الكتلة" الجديدة المؤلفة من المستقيلين لن تمنح ثقتها لعدد من الوزراء خاصة الندائيين، وعلى رأسهم خالد شوكات. تبقى حركة النهضة وحزب الاتحاد الوطني الحر، المدافعان الأساسيان على التركيبة المعدلة، وبمساندة غير مشروطة. ويقرأ بعضهم هذا الدعم من زاوية نيل الحزبين وزارات إضافية من جهة، واستشارتهما خلال إجراء التعديل من جهة ثانية.

وبعملية حسابية تقريبية، فإن الثابت أن الوزراء الجدد سينالون ما قد لا يتجاوز 140 صوتاً مؤيداً (حركة النهضة، أغلبية نواب كتلة نداء تونس مع تحفظ بعضهم، 16 الاتحاد الوطني الحر، 10 كتلة آفاق، نواب حزب المبادرة وبعض المؤيدين من المجموعة المستقيلة للنداء)، في حين تحتاج لـ109 أصوات، بينما نالت الحكومة الأولى للصيد 166 صوتاً، وساندها في حينها اتحاد الشغل. في المقابل، يرجح أن يحجب الثقة عن الحكومة الجديدة ما يناهز 40 نائباً وأن يتحفظ البقية، وهي نسبة غير مستقرة، لأن نسبة الأصوات ستختلف بين وزير وآخر.

اقرأ أيضاً محسن مرزوق: أعيننا على الفوز بالانتخابات البلدية في تونس
المساهمون