السلطة اللبنانية ترتّب بيتها لمواجهة الحراك بـ"حكومة" زعماء طوائف

01 سبتمبر 2015
تنتهي اليوم المهلة التي حددها المتظاهرون للحكومة (حسين بيضون)
+ الخط -
تحاول السلطة في لبنان استيعاب الحراك الشعبي في الشارع، ولكن عبر أساليب يبدو أنها قديمة العهد. وجه رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوة إلى طاولة حوار تطاول ملف رئاسة الجمهورية، وعمل مجلس النواب، وعمل مجلس الوزراء، وقانون الانتخابات النيابية، وقانون استعادة الجنسية، واللامركزية الإدارية ودعم الجيش والقوى الأمنية. سارع الرئيس سعد الحريري إلى قبول دعوة بري، حتى قبل التنسيق مع حلفائه وصدور موقف واحد عن فريق 14 آذار. لكن موافقة الحريري هذه مؤشر إلى موافقة معظم القوى السياسيّة على المشاركة في هذا الحوار.

وقد نقلت مصادر سياسيّة مختلفة لـ "العربي الجديد" أن طاولة الحوار المزعومة، ستتحوّل إلى بديل عن الحكومة التي لا يبدو أن هناك أفقاً لخروجها من أزمتها، وخصوصاً ان التسوية مع رئيس التيار الوطني الحرّ النائب ميشال عون، لم تنضج بعد. فبحسب هذه المصادر، هناك توافق على الوصول إلى تسوية تؤجّل إحالة العميد شامل روكز (صهر عون) إلى التقاعد، لكن لم يتم الاتفاق على شكل هذا الأمر، وخصوصاً أن طرح استحداث منصب عماد أول في الجيش اللبناني، لا يبدو أن جميع القوى قد وافقت عليه، وبالتالي يجري البحث عن مخارج أخرى. وبحسب مصدر في أحد الأحزاب المشاركة في الحكومة، فإن معظم الحلول المطروحة تستوجب العودة إلى مجلس النواب، وهو ما ليس مقدوراً عليه حالياً، إذ لا تزال الأحزاب المسيحيّة عند موقفها الرافض لأي مشاركة في جلسات مجلس النواب إلا لانتخاب رئيس للجمهوريّة، أو في حال وجود جدول أعمال على رأسه إقرار قانون جديد للانتخابات النيابيّة تليه القوانين التي يُمكن وضعها تحت إطار "تشريع الضرورة".

كما أن التسوية مع عون باتت ضرورية بالنسبة لهذه القوى، بعدما أبلغ حزب الله مختلف القوى ضرورة القيام بذلك، مهدداً بالنزول إلى الشارع في وجه الجميع في حال لم تُلب مطالب عون. وهو ما رأت فيه مصادر سياسيّة تهديداً بانقلاب سياسي وتمهيداً لإجراء تغيير في النظام السياسي.

أما في ما يتعلق بموضوع انتخابات رئاسة الجمهوريّة، فهناك الحديث المتجدد عن وجود رغبات في إجراء انتخابات سريعة، ووصل الأمر ببعض المتفائلين إلى القول إن الولايات المتحدة الأميركيّة ستستفيد من الضغط الموجود في الشارع بهدف إجراء الانتخابات. إلا أن المعلومات المتقاطعة تُشير إلى عدم وجود نية جديّة في هذا السياق، وأن الأمر لا يزال بعيداً في المرحلة الحالية. 

هكذا، تتحوّل طاولة الحوار المفترضة إلى حكومة "أقطاب" تجمع ممثلي الطوائف، بهدف الوصول إلى تسويات في بعض الملفات الاجتماعية والمطلبية، لاستيعاب الحراك المتصاعد في الشارع اللبناني، وخصوصاً أن مختلف القوى اللبنانيّة، تيقّنت يوم السبت الماضي أن الحراك تجاوز مبدأ التنفيس عن الغضب. وبحسب مصادر في عدة أحزاب مشاركة في السلطة، فإن كل فريق يخشى أن يستغل الفريق الآخر هذا الحراك بهدف تحقيق مكاسب. وقد نشطت ماكينات هذه الأحزاب في الأيام الأخيرة لاستيعاب هذا الحراك، والتواصل مع القيمين عليه لفهم سقفهم السياسي، والسعي للتأثير عليه.

اقرأ أيضاً: حراك بيروت يوحّد أطراف السلطة:استحداث رتب عسكرية لإرضاء عون

وقد انشغلت ماكينات هذه الأحزاب في عمليّة تشويه منظمة لعدد من الشبان القيمين على الحراك. فاتهم بعض بالعمالة للسفارات الأميركيّة والغربية، فيما اتهم آخرون بأنهم يحتقرون الأديان، وخصوصاً الدين المسيحي، فيما صوّر آخرون وكأنهم يُنفذون أجندات فريق 8 آذار وخصوصاً حزب الله. وهو ما يدل على حالة الارتباك التي يعيشها فريق السلطة. وقد تُرجم هذا الارتباك، بإعلان وزير البيئة محمد المشنوق، أنه انسحب من اللجنة الوزارية الخاصة بملف النفايات ومن أمانة سرّ هذه اللجنة، وقد أبلغ المشنوق هذا القرار لرئيس الحكومة تمام سلام. وفي بيان صادر عنه، أشار المشنوق إلى أنّ انسحابه يأتي:"إيماناً مني بضرورة التقدم بحلول تحدث خرقاً في الواقع المتردي نتيجة إغلاق مطمر الناعمة، وعدم إتمام ملف المناقصات وعجز القوى السياسية عن إيجاد المطامر الصحية". ولفت المشنوق إلى أنه تمنى على سلام "تكليف من يراه مناسباً بدلاً مني لمتابعة ملف النفايات، مع وضع جميع إمكانات وزارة البيئة لمساعدته، واستعدادي الدائم للقيام بواجبي حيث تدعو الحاجة". وبهذا يكون المشنوق قد امتنع عن القيام بواجبه، لكنه رفض تلبية مطالب المتظاهرين بتقديم استقالته.

وينضم هذا الأمر إلى سلسلة من المكاسب التي حققها الحراك، من إلغاء المناقصات في ملف النفايات إلى إزالة الجدار الذي رُفع مقابل السرايا الحكومية، ووقف العمل بفحوصات البول للمتظاهرين الذين يتم توقيفهم والقبول بالعودة إلى البلديات في ملف إدارة النفايات، رغم أن القبول لا يزال ملتبساً.

وقد انضمت القمة الروحية المسيحيّة إلى قطار المدافعين عن السلطة، إذ جاء في البيان الختامي للقمة أن المجتمعين رغم تأكيدهم على حرية التعبير فإنهم يرون "أن في اللجوء الى الشارع خطورة، وبخاصة عندما تكون النفوس مشحونة والنيران تحيط بلبنان وتهدده وتؤثر سلباً على الاستقرار فيه، ولا بد من قراءة سليمة للأولويات، ووضع سلم للخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة الأحداث والحاجات الحياتية والمعيشية والأمنية". وأكّد المجتمعون على وجوب "استمرارية الحكومة الحالية في عملها فلا تسقط أو تستقيل طالما هناك فراغ في سدة الرئاسة الأولى". دعت القمة الروحية التي انعقدت في بكركي الأطياف السياسية كافة إلى الإسراع في "اعتماد خارطة طريق تبدأ بانتخاب فوري لرئيس للجمهورية وفقا للأصول الدستورية"، ورأت أن انتخاب الرئيس "أمر أولوي وأساسي يعني كل لبنان وكل اللبنانيين بكل طوائفهم".

أمّا على صعيد الحراك الشعبي، فيُفترض أن تنتهي اليوم الثلاثاء، المهلة التي حددها القيمون على الحراك للسلطة لتنفيذ شروطهم، وأهمها استقالة وزير البيئة محمد المشنوق وإعادة ملف النفايات للبلديات مع الأموال الموجودة في الصندوق البلدي المستقل، ومحاسبة المعتدين على المتظاهرين ومن أعطى القرار بذلك ومن لم يمنع الاعتداءات وكان في مقدوره ذلك. ويُناقش القيّمون على الحراك عدداً من الأفكار حول شكل تصعيدهم في وجه السلطة. ومن الأفكار المطروحة فتح المزيد من الملفات المطلبية خصوصاً ملفات الفساد، إضافةً إلى الدعوة لإعادة العمل بالحياة السياسية والعمليّة الديمقراطية، المعطلة بسبب تمديد ولاية مجلس النواب وعدم انتخاب رئيس للجمهوريّة. وبحسب المعلومات، فإن عدد المتطوعين ارتفع بشكل كبير وهو ما يسمح للمجموعات المنظمة للحراك، بأن تقوم بتحركات مفاجئة في عدد من المناطق اللبنانية وليس في العاصمة بيروت حصراً. لكن يبقى التحدي الأساسي أمام المنظمين، هو كيفية بلورة خطاب سياسي جديد في لبنان مع الحفاظ على أولويّة المطالب الاجتماعية.

اقرأ أيضاً: دروس تظاهرات بيروت: إدارة الاحتجاجات حاجة ملحّة