تظهر نتائج التصويت في الانتخابات الإسرائيلية، وثيقة دامغة للمد الذي حققه التطرف القومي والديني المصحوب بالعنصرية الفاشية ضد الفلسطينيين في الداخل. وتشير النتائج إلى أن بنيامين نتنياهو تمكّن في غضون أقل من أربعة أيام، وبدعاية فاشية ديماغوجية دموية، من قلب موازين الانتخابات، ليس بينه وبين "المعسكر الصهيوني"، بقيادة يتسحاق هرتسوغ فحسب، إنما أيضاً داخل معسكر اليمين نفسه، ليثبت مجدداً قدراته الدعائية الديماغوجية، وأثر هذه الدعاية في حالات تراجع النمو الاقتصادي وغلاء المعيشة في حشد التأييد على أساس قومي وعنصري وفاشي أساساً.
وتشكل النتائج التي رفعت حصة نتنياهو من 21 مقعداً، حسب استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي نهاية الأسبوع الماضي، مقابل 24 و25 مقعداً لصالح المعسكر الصهيوني، مؤشراً خطيراً لحالة المد الصهيوني الذي تشهده دولة الاحتلال، حتى بعدما تبيّن كذب دعاية نتنياهو نهار الانتخابات، عن أن الفلسطينيين يتوجهون بجموعهم الغفيرة للتصويت بحافلات موّلتها الجمعيات المختلفة والقائمة العربية، تتويجاً لحملة وجهد دوليين لإسقاط اليمين من الحكم.
وكان حلفاء نتنياهو داخل معسكر اليمين نفسه أول ضحايا هذه الدعاية القاتلة، فتراجع حزب البيت اليهودي بقيادة نفتالي بينت إلى 8 مقاعد، بعد أن كان عنده 12 مقعداً، كما سقط حزب "ياحد"، المنشق عن حزب شاس، وأهدر 4 مقاعد كان سيحصل عليها لو لم ينقصه نحو 11 ألف صوت. وانعكس ذلك على خسارة حركة شاس نفسها لعدة مقاعد وتراجعها لستة مقاعد، فيما خسر حزب يسرائيل بيتنا، بقيادة أفيغدور ليبرمان، ستة مقاعد. ومع أن الحركة الأساسية للمقاعد ظلت داخل معسكر اليمين، حيث انتقلت 10 مقاعد في اليمين من الأحزاب المذكورة لصالح حزب "كولانو"، بقيادة موشيه كاحلون، إلا أن الليكود خسر في المجمل نحو 3 مقاعد لن تمنع خسارتها نتنياهو من تشكيل حكومة قومية متطرفة تتمتع بتأييد 67 مقعداً بدلاً من 70 مقعداً.
اقرأ أيضاً: "حل الدولتين" رد الرئاسة الفلسطينية على نتائج انتخابات الكنيست
في المقابل، ظل معسكر اليسار مهزوزاً، إذ حصل على 24 مقعداً للمعسكر الصهيوني، و4 مقاعد لميرتس، و14 مقعداً للقائمة المشتركة للأحزاب الفاعلة في صفوف الفلسطينيين (يتوقع أن تخسر مقعداً لترسو على 13 بعد فرز أصوات الجنود)، أي 42 مقعداً تضاف إليها 13 مقعداً لحزب الوسط، ييش عتيد، بقيادة يئير لبيد.
الشرقيون عماد اليمين
يتفق المحللون في إسرائيل على أن فوز نتنياهو هذا تأتّى له بفعل الدعاية الصهيونية والعنصرية التي شنها في الأيام الثلاثة الأخيرة التي سبقت الانتخابات، وشنه ما وصفته وسائل الإعلام العبرية بـ"قصف إعلامي" متواصل من خلال لقاءات ومقابلات مع وسائل الإعلام، التي كان نتنياهو تهرّب خلال ولايته الأخيرة من إجراء مقابلات معها، مفضّلاً المقابلات مع وسائل الإعلام الأجنبية، وشبكة فوكس أو وكالة بلومبيرغ الأميركيتين.
وفي محاولة الصحف الإسرائيلية رسم ملامح وأنماط التصويت في إسرائيل، تبيّن بشكل لافت أن الليكود وباقي أحزاب اليمين حصّلوا التأييد الأكبر في مدينة القدس المحتلة، وفي مدن جنوب إسرائيل (التي يقطنها بشكل أساسي اليهود القادمون من الدول العربية إلى جانب أعداد كبيرة من المهاجرين الروس)، فيما ظلت تل أبيب وحيفا المعقل الأساسي للمعسكر الصهيوني وأحزاب اليسار، بينما منحت البلدات والقرى الفلسطينية في الداخل أكثر من 90% من أصواتها للقائمة المشتركة للأحزاب، وإن كانت القائمة لم تحقق نسبة التصويت التي كانت تتمناها والمتمثلة بـ70% من مجمل أصوات الفلسطينيين في الداخل المحتل.
حكومة يمين بتشريعات فاشية
وتمنح نتائج الانتخابات نتنياهو فرصة لتشكيل الحكومة التي يرغب بها، مع شركائه "الطبيعيين"، كما سماهم خلال المعركة الانتخابية، في إشارة لأحزاب الحريديم والبيت اليهودي بعيداً عن "ييش عتيد" وحزب المعسكر الصهيوني، حتى لو كرر الرئيس الإسرائيلي، رؤبان ريفلين، دعواته وتصريحاته المؤيدة لحكومة وحدة وطنية.
ووفقاً لما هو معمول به في إسرائيل، من المقرر أن يبدأ الرئيس الإسرائيلي رؤبان ريفلين، مطلع الأسبوع المقبل، مشاورات مع رؤساء الكتل التي اجتازت نسبة الحسم، ليسمع منها ترشيحاتها لهوية رئيس الحزب الذي يتعيّن تكليفه لتشكيل الحكومة العتيدة. وبعد الانتهاء من المشاورات التي قد لا تطول هذه المرة بفعل نتائج الانتخابات، سيمنح نتنياهو، بعد تكليفه من ريفلين، 21 يوماً كمهلة أولى لتشكيل ائتلاف حكومي وعرض ائتلافه على الكنيست للمصادقة عليه ومنحه الثقة.
ووفقاً لكافة المؤشرات، فإن نتنياهو سيحصل على التكليف الرسمي من رئيس الدولة بتشكيل الحكومة التي تبدو، وفقاً لتصريحات نتنياهو نفسه بعد الفوز، حكومة يمين متطرف تعتمد على أصوات حزب المستوطنين، "البيت اليهودي"، وحزب يسرائيل بيتينو وأحزاب الحريديم إلى جانب حزب اليمين الجديد "كولانو"، بقيادة موشيه كاحلون، وستتمتع هذه الحكومة عند تشكيلها بتأييد 67 مقعداً.
ولم تخف الصحافة الإسرائيلية ولا نتنياهو نفسه الخطوط العريضة المتوقعة للحكومة المقبلة، فقد أعلن نتنياهو عشية الانتخابات أن حكومته لن تقدم أي تنازلات جديدة للفلسطينيين ولن تنفذ أية انسحابات جديدة من الأراضي المحتلة، معتبراً أن خطاب "بار إيلان حول إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل لم يعد ذي صلة لعدم وجود شريك فلسطيني، من جهة، وبفعل حالة عدم الاستقرار الإقليمية وخطر الإسلام المتطرف من جهة ثانية".
أما على الصعيد الداخلي، فإن الائتلاف المتشكّل يشي بمواصلة عمليات التشريع العنصرية ضد الفلسطينيين في الداخل، خاصة في حال مشاركة حزب ليبرمان في الحكومة، علماً أن هناك حوالي 40 قانوناً عنصرياً تنتظر في الكنيست بالقراءة الأولى. ومن المتوقع أن يسعى نتنياهو إلى إحياء قانون "القومية اليهودية" الذي يعرّف إسرائيل بأنها الوطن القومي لليهود وحدهم. أما ليبرمان، فقد يشترط مجدداً، هو الآخر، سن قوانين إضافية، مثل قانون "الولاء للدولة" باعتبارها دولة الشعب اليهودي، وقانون فرض عقوبة الإعدام على عناصر المقاومة الفلسطينية، ومنع تحرير أسرى فلسطينيين أو إبرام صفقات لتبادل الأسرى، ناهيك عن العودة مرة أخرى إلى سن قانون يلغي مكانة اللغة العربية كلغة رسمية.
قوة ثالثة بلا تأثير
وتعني نتائج الانتخابات الإسرائيلية أن قيادة المعارضة ستذهب إلى رئيس المعسكر الصهيوني، يتسحاق هرتسوغ، فيما ستكون القائمة العربية المشتركة القوة الثالثة بـ13 أو 14 مقعداً، وفي كلتا الحالتين فإن النتيجة غير مسبوقة في تاريخ المشاركة السياسية لفلسطينيي 48 في الحياة السياسية، ما سيساعدها على الحصول على تمثيل أكبر في لجان الكنيست البرلمانية، من دون أن يضمن ذلك بالضرورة تأثيراً فعلياً للقائمة في العمل البرلماني أو في تحصيل أو تعديل السياسات الحكومية تجاه الفلسطينيين في إسرائيل ولا حتى في القضايا اليومية، لأن اللجان البرلمانية، باستثناء لجنة المالية، لا تملك عملياً أي صلاحيات فعلية، وأقصى ما يمكن لها أن تقوم به هو تقديم توصيات للكنيست في هيئتها العامة (في حال عرض مشاريع قوانين عليها) أو مطالبة السلطة التنفيذية (الحكومة) بانتهاج سياسة ما في قضايا عينية من دون أن تكون قادرة على إلزامها بذلك.
اقرأ أيضاً: انتخابات الكنيست بين نتنياهو وهرتسوغ: يمين الصهيونية ويسارها