فرنسا تواجه جرح الضواحي: محاكمة المتسبّبين بانتفاضة 2005

17 مارس 2015
من آثار مواجهات 2005 في ضواحي باريس (فرانس برس)
+ الخط -
لا أحد في فرنسا وخارجها ينسى الانتفاضة الطويلة للأحياء الشعبية في فرنسا سنة 2005، والتي دامت ثلاثة أسابيع، والتي كشفت فشلاً شاملاً لكل السياسات في مجال تحقيق العدالة الاجتماعية، واستيعاب مواطنيها من أبناء الهجرات المتعددة إليها و"دمجهم".

سياسات، وصفها رئيس الوزراء الفرنسي الحالي مانويل فالس نفسه بـ "الأبرتهايد على الطريقة الفرنسية"، وَوَعد، كما فعل الرئيس فرانسوا هولاند حين كان مرشحاً رئاسياً، بإيجاد حلول لها. لكن الذي ينساه كثيرون، هو أن القشّة التي قصمت ظهر البعير وفجرت اشتباكات العام 2005، كانت هي المطاردة البوليسية لشباب عائدين من ملعب كرة قدم، من أبناء الضاحية الباريسية "كليشي سو- بوا"، اتُّهِموا بتخريب ورشة بناء، أدت إلى مقتل شابين، صعقاً بالكهرباء، أحدهما من أصول عربية ويُدعى زياد بينّا (17 سنة) وآخر من أصول أفريقية هو بونا تراوري (15 سنة)، وإصابة ثالث، محي الدين، بجراح بالغة، إثر التجائهم للاحتماء في محوّل كهربائيّ، خلال ثلاثين دقيقة.

حدث هذا يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 2005، ولم تتحرك العدالة إلا يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2005. وتَوالَى رفضُ القضاء الفرنسي استقبال شكاوى عائلتي القتيلين، طيلة خمس سنوات، حتى قررت محكمة بوبيني بالضاحية الباريسية في أكتوبر/تشرين الأول 2010، تقديم الشرطين بتهمة "عدم إغاثة شخص في حالة خطر"، أحدهما صرح أثناء المطاردة أن "الشباب المُطارَدين إذا ما دخلوا في المحوّل الكهربائي فإنهم لن يخرجوا منه سالمين"، في مؤشر إلى قرار لديه بتركهما يموتان. وفي 27 أبريل/نيسان 2011 برأت المحكمة الشرطيين. قرار كسرته محكمة النقض، أعلى محكمة في النظام القضائي الفرنسي، وهو ما أفسح المجال لمحاكمة بدأت أمس، يَمثُل فيها الشرطيان اللذان طارَدا القتيلَين، بتهمة "عدم تقديم العون لأشخاص مهددين بخطر الموت".

اقرأ أيضاً: الانتخابات الفرنسية 2015: اليمين يهدد فالس في عقر داره

عشر سنوات كاملة كانت فترة طويلة جداً، في نظر محامي عائلتي القتيلين جان - بيير مينيارد، في "مجتمعاتنا التي تتمتع بالحق الديمقراطي، حيث بإمكان أي كان أن يحظى بلقاء قاض في زمن معقول". كلام قانوني تتبناه أيضاً منظمة العفو الدولية التي تنتقد، باستمرار، بُطء القضاء الفرنسي. هذا النوع من المطاردات البوليسية على أساس لون البشرة في فرنسا، لا تزال سائدة، وقد تقدم أخيراً 13 مواطنا فرنسيا بشكوى ضد الدولة الفرنسية بتهمة تعرضهم للتفتيش والمراقبة بسبب لون بشرتهم.

وإذا كان المحامي مينيارد قد أعرب عن نوع من الأمل المحدود بسبب الاقتراب من حل نهائي، يسمح للعائلات بإغلاق الملف وتنظيم الحداد النهائي لابنيهما، إلا أنه يعود ويذكّر بأن القضية تنتظر مسلسلاً طويلاً من الإجراءات القضائية. ويقول المحامي مينيارد، إن "المؤلم حقا هو أن فكرة تقديم الإغاثة لشباب من الأحياء الشعبية المعرَّضين لخطر الموت لم تخطر على بال رجال الشرطة".

القضاة الفرنسيون المكلفون بهذه القضية الحسّاسة، التي جسدت أكبر تحدّ عاشته فرنسا الرسمية مع مواطنيها المنحدرين من الهجرة، لهم آراء متضاربة، بين من يبرئ رجال الشرطة، ومَن يلومهم لعزوفهم عن تقديم يد العون الضرورية لمن هو بحاجة ماسة إليها. المؤلم أيضاً بالنسبة لذوي الضحيتين، أن المفتشية العامة لأجهزة الشرطة الفرنسية التي حققت في الأمر لاحظت "نوعا من الطيش ومن الالتهاء يثير الذهول" عند أفراد الشرطة المتهمين، ولكنها لم تُصدِرْ أي أحكام عقابية بحقهم.

وتكتسي هذه المحاكمة العلنية، التي تستمر خلال الأسبوع الحالي، أهميةً كبيرة، ليس لعائلتي الشابين القتيلين فحسب، ولكن أيضا لسكان الأحياء والضواحي الذين فجّروا انتفاضتهم ولم يحققوا إنجازاً كبيراً في تحركاتهم الغاضبة في 2005، رغم كل الوعود السياسية التي أُغدقَت عليهم. في حال تمت إدانة أفراد الشرطة في نهاية الماراثون القضائي الذي بدأ أمس، بتهمة "عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر"، فقد يتعرضون للسجن لخمس سنوات و75 ألف يورو غرامة.

اقرأ أيضاً: فرنسا: تمرير قانون ماكرون وسط احتجاجات كبيرة
المساهمون