دروس العام الرابع للثورة السورية... وملامح السنة الخامسة

15 مارس 2015
النظام دمر جزءاً كبيراً من سورية كدولة (الأناضول)
+ الخط -
يبدو أن شعار "الأسد أو نحرق البلد" الذي أطلقه موالو النظام السوري منذ بداية الثورة السورية، لم يكن مجرد شعار لترهيب المعارضين، فقد تبيّن مع تقدّم سنوات الثورة، أنه استراتيجية تبنّاها الرئيس السوري بشار الأسد منذ اليوم الأول بالفعل، ونفّذها بحذافيرها، وهي استراتيجية تقوم على الرد على أي احتجاج بأبشع الجرائم فظاعة، من قتل وذبح وحرق للبشر، مترافق مع هدم المدن وتسوية بعضها بالأرض، وإهانة الرموز الدينية.

كما تقوم على الرد ليس على الفصائل المسلحة التي تقاتله، بل على حاضنتها الشعبية والمدنيين الذين يسكنون في المناطق الثائرة، بهدف تحويل العمل الثوري إلى رد فعل انتقامي غير متوازن، على أفعال النظام، يغذي من خلاله الطائفية، والمناطقية، بهدف تحفيز سكان تلك المناطق على التوجّه نحو التطرف، لحرف الثورة عن مسارها، وتحويله من نظام مستبد يقمع ثورة ضد استبداده، إلى محارب للتطرف.

نجح النظام إلى حد بعيد في تدمير جزء كبير من سورية كدولة، كما نجح في قتل نحو 177 ألف مدني سوري منذ بداية الثورة بحسب إحصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وفي هدم مدن بأكملها، وصناعة التطرف.

في المقابل، فإن الثورة، ومع دخولها عامها الخامس، استطاعت عملياً أن تُفقد النظام معظم مقوماته الأساسية كالسيادة والسلطة، من دون أن تتمكن من إزاحته بسبب عدم وجود إرادة دولية لإسقاطه، وتفضيل الدول المتدخلة بالشأن السوري وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، أن تسود سورية حالة من الاستعصاء السياسي بين المعارضة والنظام، وتتحول عسكرياً إلى ساحة صراع مسلح، بين مليشيات من مختلف الجنسيات، مع الحفاظ على نوع من التوازن بين القوى المتصارعة.

ومع انتهاء العام الرابع للثورة، يبدو أن الولايات المتحدة غير مستعجلة في حسم الصراع في سورية، والذي قد يكون مؤجلاً إلى ما بعد حسم الوضع في العراق. وما كلام مدير "وكالة الاستخبارات المركزية" الاميركية (سي آي ايه)، جون برينان، يوم الجمعة، عن أن الولايات المتحدة "لا تريد انهيار الحكومة السورية"، سوى دليل جديد وقاطع على السمة الأبرز التي ميّزت التعاطي الدولي مع الثورة السورية خلال سنواتها الماضية، وهو التمسك، بشكل مباشر أو غير مباشر، بنظام الأسد بمبررات عديدة، آخرها أنه "لا بديل عنه سوى التطرف" ممثلاً بتنظيمات "داعش" و"جبهة النصرة"...

يتوقع كثيرون أن تشهد السنة الخامسة إعطاء واشنطن هامشاً أكبر من التدخّل الإيراني في الشأن السوري، كانعكاس للتقدم الذي تحرزه في مفاوضاتها النووية مع إيران، والتي تعوّل عليها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما كإنجاز لها خلال فترتي حكمه.

وبالتوازي مع غض الطرف عن التدخل الإيراني، أنجزت واشنطن اتفاقاً مع تركيا على تدريب المعارضة السورية المسلّحة المعتدلة، في ما يبدو تحضيراً لإنشاء قوة معتدلة لتكون شريكاً في ملء الفراغ بعد نظام الأسد، وقد يمكّن هذا الاتفاق الحكومة التركية من تنفيذ مطلبها بإقامة منطقة عازلة على الحدود السورية التركية، تُشكّل منطقة آمنة للعناصر التي ستقوم بتدريبها، وفي الوقت نفسه تحصّن حدودها الجنوبية من التداعيات المحتملة لتطور الأحداث في كل من سورية والعراق، وقد تستفيد تركيا من التقارب مع السعودية في تحقيق هذا المطلب حتى من دون غطاء دولي.

اقرأ أيضاً: سورية: استقالة العشرات من هيئة التنسيق المعارضة

أما عسكرياً، فعلى الرغم من تنامي نفوذ تنظيم "جبهة النصرة" في شمال سورية، إلا أنه من المتوقع أن يتراجع هذا النفوذ مع التوجّه الأميركي لدعم الفصائل المعتدلة، ويسود الاعتقاد بأن تغيّر بعض الفصائل الإسلامية في استراتيجيتها وتتحوّل للعمل على المستوى الوطني. كما يُتوقع أن تبدأ شعبية "النصرة" بالانخفاض بعد توجّهها نحو التدخل بشؤون المدنيين، واستعداء الفصائل العسكرية الأخرى، ضمن سلوك يشابه إلى حد كبير سلوك تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في تلك المنطقة، والذي أدى إلى طرده منها.

ومن المرتقب أن تشهد المرحلة المقبلة المزيد من التنسيق بين "حركة أحرار الشام الإسلامية" مع فصائل الجيش الحر الأخرى، بعد التغيير الواضح في استراتيجية الحركة، التي يبدو أنها تتجّه نحو التخلي عن الجهادية السلفية، لصالح الانخراط ضمن المشروع الوطني، كما أن التنامي المستمر لفصائل الجيش الحر في ريف اللاذقية سيؤدي إلى المزيد من التصعيد في جبهة الساحل بينها وبين قوات النظام التي تسعى لتأمين ما تبقى لها من الساحل السوري معقل النظام.

في المقابل، تبدو القوى الكردية الآن الأكثر تماسكاً بين الأطراف التي تعوّل عليها الولايات المتحدة عسكرياً في المنطقة، كما أنها الجهة التي تحظى بالثقة الأكبر لجهة ابتعادها عن التطرف الديني. وبعد الانتصارات التي حققتها على تنظيم "داعش" بمؤازرة الجيش الحر على الأرض، وقوات التحالف من الجو، بدأت تأخذ زخماً كبيراً والتوجه للسيطرة على مناطق ذات أغلبية عربية، إلا أن هذه القوى لديها ميول انفصالية تطرحها مبدئياً من خلال الإدارة الذاتية وصولاً لحلم الدولة الكردية، إلا أن السير في هذا المشروع قد يؤدي إلى صدام بين تلك القوى والنظام الذي كان يريد لها أن تؤدي دوراً في طرد "داعش" كي يحل هو محله.

كما أن سيطرة القوى الكردية على مناطق ذات أغلبية عربية قد تؤدي في المستقبل إلى صدام مع فصائل المعارضة، خصوصاً مع بدء التذمر من ممارسات تلك القوى في المناطق التي تسيطر عليها. ويرتبط بروز القوى الكردية خلال المرحلة المقبلة بمدى الحاجة الأميركية إلى دور قد تقوم به تلك القوى بعدما استخدمتها واشنطن في طرد تنظيم "داعش".

وفي شرق سورية، يُتوقع أن تستمر معارك الكر والفر بين تنظيم "داعش" وكل من فصائل الجيش الحر، والفصائل الكردية، مع انخفاض وتيرة معارك "داعش" مع النظام السوري وذلك كون بقاء كل منهما يعتمد على بقاء الآخر.

كما يُتوقّع أن تشهد الجبهة الجنوبية مزيداً من التصعيد مع دخول كل من الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" على خط القتال إلى جانب النظام، ومع تنامي قوة الجيش الحر هناك، فإنه سيسعى إلى إحراز تقدم قد يوصله إلى بوابة دمشق من المنطقة الجنوبية، ما يخفف العبء عن المعارضين في غوطتَي دمشق.

وترى بعض القراءات أن يستمر النظام السوري خلال السنة المقبلة، في محاولة إثبات وجوده، وأنه لا يزال فاعلاً ضمن المعادلة السورية، من خلال تفعيل الخيار الطائفي وتقوية مراكز نفوذه في الساحل، مع استمراره باتباع سياسة الحصار لمناطق ريف دمشق المحيطة بالعاصمة واستخدام المزيد من العنف ضدها. لكن مع طغيان النفوذ الإيراني داخله، وزيادة تحكمه بقراره، قد ينشأ صراع خفي يسعى من خلاله النظام للحد من النفوذ الإيراني، أو منعه على الأقل من الحلول مكانه. وقد حملت الأشهر الأخيرة مؤشرات عديدة إلى احتمال تعاظُم اعتراض جدّي من داخل النظام السوري ومؤسساته الأمنية إزاء تحكّم حزب الله والقوى الإيرانية بمفاصل الحكم في دمشق.

ومع تراجع القدرات العسكرية للنظام وإنهاكه خلال السنوات الأربع الماضية، يبدو أنه يتّجه لاتباع استراتيجية جديدة تقوم على الإفناء الذاتي للمجتمع في المناطق البعيدة عن سيطرته المباشرة، وذلك من خلال تشكيل مليشيات محلية في تلك المناطق، وخلق صراعات محلية بين تلك المليشيات يكون هو المتحكم بها بشكل يمنعها من التمدّد نحو مراكز نفوذه، كالمليشيا التي أنشأها أخيراً في الحسكة، وبعض المليشيات العائلية ضمن مناطق سيطرته في حلب، والمليشيات التي ظهرت في السويداء.

ويعتبر رئيس حزب الجمهورية السوري المعارض محمد صبرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الثورة تمكّنت مع نهاية عامها الرابع من إسقاط النظام والمعارضة معاً"، مشيراً إلى أن "سورية تدخل العام الخامس من الثورة ضمن مرحلة فوضى ما بعد الثورة، فيما النظام تحوّل إلى مجرد مليشيا تديرها إيران، بعد انهيار مفهوم الدولة والسيادة والسلطة".

ويرى صبرة أن "النظام سقط عملياً بعد أن أصبح الإيرانيون يقودون المعارك على الأرض نيابة عنه، ويعدمون ضباطاً من جيشه، وبعد أن أصبحت 41 دولة تقاتل في سماء سورية من دون موافقته"، معتبراً أن "سورية أصبحت مُحتلة من عدد من المليشيات الأجنبية، كمجموعات الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني الذي أعلن أنه يخوض معارك خاصة به في سورية، والمليشيات الشيعية العراقية، وداعش الذي يُعدّ قوة احتلال".

ويشدد على ضرورة "إعادة بناء المشروع الوطني، وعقد مؤتمر دولي لترتيب الأوضاع في سورية، يُلزم الجميع بسحب القوات الأجنبية منها، وعلى رأسها قوات الباسيج الإيرانية ومليشيا حزب الله، وداعش، بالإضافة للمليشيات العراقية".

ويرى رئيس حزب "الجمهورية" أن المشهد السوري ذاهب باتجاه التدويل الكامل، ليس للحل فحسب بل تدويل للأزمة بحد ذاتها، موضحاً "أننا لن نشهد طرفين سوريين فقط على طاولة المفاوضات بل ستكون هناك أطراف دولية من الدول ذات المصالح في سورية".

المساهمون