عودة الخلافات الألمانية حول سياسة اللجوء

13 نوفمبر 2015
خلاف حول حق اللاجئين في لمّ شمل عائلاتهم(لوكاس بارت/الأناضول)
+ الخط -

عادت الخلافات مجدداً بين أحزاب الائتلاف الحاكم في ألمانيا، بعد أقل من أسبوع على تفاهم بين قادتها قضى باعتماد حزمة من الإجراءات المتعلقة باللاجئين تهدف إلى تسهيل إدارة الملف بشكل أفضل. لكن التصريحات المثيرة للجدل لوزير الداخلية، توماس دي ميزيير، المنتمي إلى حزب المستشارة أنجيلا ميركل، والتي أعلن فيها عن شروط جديدة ستخضع لها سياسة اللجوء، أهمها حصول السوريين على إقامة بين سنة وسنتين من دون السماح لهم بلمّ شمل عائلاتهم، بدلاً من ثلاث سنوات المعمول بها حالياً، أربكت المسؤولين المعنيين بالملف، وعادت لتُظهر التناقض والتباين في إدارته. إلا أن الرد من قِبل الحكومة لم يتأخر، إذ طمأن المتحدث باسمها شتيفن زايبرت، إلى بقاء الوضع على ما هو عليه، وهذا ما دفع وزير الداخلية إلى التراجع عن موقفه وتأجيل العمل بالقرار إفساحاً في المجال لمزيد من المباحثات بشأنه داخل الائتلاف الحاكم، مما حدا برئيس الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" ونائب المستشارة، سيغمار غبريال، إلى القول إن الألمان يشعرون بأن اليد اليسرى في هذه الحكومة لا تعرف ما تفعله اليد اليمنى، في إشارة منه إلى الإرباك الذي تعاني منه.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد من التخبط في التعامل مع الأزمة، فقد أعلن الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" عن تفاجئه بإعادة العمل باتفاقية دبلن لتشمل كل الوافدين من دون استثناء، بعد أن أوضح متحدث باسم وزير الداخلية، يوم الثلاثاء، أنه اعتباراً من 21 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي أعادت ألمانيا العمل بها، وذلك بعد ثلاثة أشهر من تعليقها. إلا أنه أكد أن التسوية الحالية لا تعني بالضرورة إعادة اللاجئين إلى خارج الحدود، وسيتم التحقق من كل طلب على حدة. علماً أن الاتفاقية تقضي بأن يُسجل اللاجئ نفسه ويقدم طلب لجوء في أول بلد أوروبي يصل إليه، كما تسمح الاتفاقية بإعادة اللاجئ إلى البلد الاوروبي الأول الذي وصل منه.

وكانت التجاذبات والتناقضات في التصريحات بين المسؤولين الألمان تجاه أزمة اللاجئين أثارت موجة من الانتقادات، حتى إنه قيل إنها من أكثر الأزمات التي تسبّبت في إرباك للسياسة الداخلية الألمانية، وأدت إلى تردد في اتخاذ القرارات، ما انسحب بطريقة سلبية على إدارة ملفاتهم داخل المؤسسات الرسمية، وربما إلى تأخير إضافي في البت بطلبات اللاجئين، خصوصاً أن طلبات اللجوء يتم تسجيلها على أساس قانون الحق في الإقامة والبقاء، لا سيما أن ألمانيا بلد يتسم أساساً بآليات بيروقراطية صعبة.

اقرأ أيضاً: ألمانيا تُسرّع إجراءات اللجوء والمعارضة غير راضية

ويشير مراقبون إلى صعوبة تطبيق مقترح وزير الداخلية، بحجة أن قانون الإقامة الجديد والمطبق منذ عام 2015 سمح لأصحاب الإقامة المؤقتة بالحصول على الحقوق الكاملة الممنوحة للاجئين، وهذا ما يعطي الحق للمستفيدين من قانون الحماية المؤقت بلم شمل عائلاتهم من دون أن يثبتوا قدرتهم المالية على التكفل بمصاريف عائلاتهم، وفي حال اعتمد هذا المقترح فسيشكل انتهاكاً للدستور الألماني واتفاقية حقوق الإنسان، وبالتالي يصبح هناك تخوّف من دعاوى قضائية.

وفي هذا السياق، استفاضت الصحافة الألمانية في التعليق على الموضوع وسط اصطفاف إعلامي بين مؤيد ومعارض للسياسة المتبعة، ومطالبات بألا تكون هذه اللعبة تصفية لحسابات سياسية داخلية على حساب اللاجئين، وتشديد على ألا تطول فترة بقائهم من دون البت في أوضاعهم. فيما طالبت وسائل إعلامية أخرى بضرورة الحد من سياسة لمّ الشمل، نظراً لتزايد الأعداد بطريقة لا تحتمل، وهذا ما أيده وزير المالية فولفغانغ شويبله بقوله: "بحسب القانون الدولي والقانون الأوروبي، فإن اللاجئ الذي يفر من الحرب إن لم يكن ملاحقاً، يحصل على الحماية إنما من دون إعطائه حق لمّ الشمل"، مشيراً إلى أن أماكن الإيواء محدودة.

في المقابل، يرى عدد من المتابعين أن اللاجئين سوف يعمدون إلى اعتماد طرق ملتوية وخطرة ومميتة من أجل المجيء بعائلاتهم، فيما لفت محللون إلى أن هؤلاء هربوا من الحروب والاضطهاد، وبالتالي على السياسيين الألمان ألا يسرقوا هذا الأمل، خصوصاً أنهم يستندون في تصريحاتهم على القيم الإنسانية، وهذا ما يتطلب منهم المزيد من الحكمة. كما ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك ليضيفوا أن هدف المسؤولين هو الحد من تنامي اليمين المتطرف والمعادي للأجانب، ومعتبرين أن ذلك يشكل انقلاباً على المبادئ والقيم التي قامت عليها جمهورية ألمانيا الاتحادية.

وفي سياق متصل، شدد وزير الداخلية، خلال مؤتمر الإسلام في برلين قبل أيام، على أهمية التعاون مع الهيئات الإسلامية في ألمانيا، خصوصاً أن 70 في المائة من اللاجئين هم من المسلمين. ودعاهم إلى القيام بدور أكبر، والعمل على بناء الجسور والمساهمة في عملية الاندماج.

إلى ذلك، يزداد الضغط على الساسة الألمان نتيجة التقديرات التي تصدر عن معاهد الأبحاث، وكان آخرها ما صدر عن معهد "ايفو" الاقتصادي الألماني، والذي أشار إلى أن تكلفة إيواء اللاجئين لهذا العام قد تصل إلى 21 مليار يورو (نحو 22 ملياراً و500 مليون دولار أميركي)، مقدراً عدد المهاجرين إلى ألمانيا حتى نهاية العام بـ1.1 مليون مهاجر. وتُظهر هذه التقديرات التفاوت في الأرقام، مقارنة مع ما أعلن عنه في سبتمبر/أيلول الماضي، وتحديد المبلغ بعشرة مليارات يورو (نحو 11 مليار دولار)، وهذا ما يدفع إلى زيادة التشكيك في قدرة السلطات على إيجاد حل للأزمة من دون تكبّد مصاريف إضافية.

اقرأ أيضاً: عبور يميني متطرف في أوروبا على جسر مأساة اللاجئين

المساهمون