الاحتلال يحاصر المقدسيين: تقطيع أوصال وتنكيل

16 أكتوبر 2015
قوات الاحتلال تفتش المارة(توماس كويكس/فرانس برس)
+ الخط -
لم تمضِ ساعات على القرارات، التي أصدرها الاحتلال للتعامل مع الانتفاضة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديداً في القدس، حتى استيقظ المقدسيون على واقع جديد في مدينتهم لم يألفوه من قبل.
تحوّلت القدس إلى "مدينة أشباح وذئاب"، كما يصفها أحد التجار من عائلة الرشق المقدسية في سوق المصرارة، لـ"العربي الجديد"، لا يرى أهلها فيها إلّا جنود الاحتلال ومكعبات الإسمنت، التي تنقلها شاحنات ضخمة تتجه بحمولتها إلى أحياء تتاخم بلدتها القديمة جنوباً حيث جبل المكبر، وشمالاً حيث بلدة العيسوية ومخيم شعفاط، في وقت ينشغل فيه عناصر من جيش الاحتلال بإغلاق مداخل بلدة حزما، أقصى شمال المدينة، ومَنْع من هم من غير سكانها من دخولها، وإخضاع مواطنيها للتفتيش.

كان شارعا السلطان سليمان وصلاح الدين، وكذلك سوق المصرارة المتاخم لبوابتها، قبل نحو أسبوع، مراكز تعج بالناس والمتسوقين، والحال كذلك في أسواق البلدة القديمة في القدس قبل أن يعيد الآلاف من الجنود الاسرائيليين احتلالها والبطش بمواطنيها واستهداف أطفالها وفتيتها، وحتى التعرض بالتفتيش المهين لنسائها، في مشهد يعيد إلى أذهان بعض المقدسيين ما جرى بعد احتلالها في عام 1967، وما كان يحدث في مدن فلسطين المحتلة عام 1948، حين كان الحاكم العسكري يبطش بالمواطنين ويفرض سلطة الاحتلال بالقوة العسكرية.

"بات نهار القدس يشبه ليلها"، يقول مواطنو المدينة المقدسة الذين نزلت عليهم إجراءات الاحتلال العقابية كالصاعقة، فيما التنكيل بهم يطبع المشهد اليومي في مدينتهم التي باتت "مدينة أشباح وذئاب"، كما يصفها أحد التجار من عائلة الرشق المقدسية في سوق المصرارة، لـ"العربي الجديد"، إذ وقف متفاجئاً مما يرى من شاحنات ضخمة تنقل مكعبات الإسمنت، ومن حشود الجنود الذين لا يفصل بين حشد وآخر سوى عناصر أمن بألوان زي مختلفة.

ومع الشروع في إغلاق الأحياء والشوارع في المدينة المحاصرة والمسكونة برعب القتل "اشتباهاً فيهم"، إذ استشهد فلسطينيان برصاص شرطة الاحتلال، أحدهما في باب العامود والثاني في المحطة المركزية في القدس الغربية بذريعة "الاشتباه فيهما، في أنّهما حاولا طعن جنود"، وجد عشرات الآلاف من المقدسيين أنفسهم محاصرين داخل أحيائهم، وحتى في شوارع تلك الأحياء الداخلية التي أغلق بعضها، كما هو الحال في حي الطور، حيث شارع سلمان الفارسي، شريان الحياة لسكان الحي. ولم يقتصر ذلك على شارع أو طريق أغلق بالكتل الإسمنتية، بل تم إغلاق ثلاث طرقات في حي واحد، وتحويل بعض الطرق المغلقة إلى حاجز عسكري، يتم من خلاله إيقاف المركبات وإخضاعها والمارة للتفتيش والتدقيق في الهويات.

في جبل المكبر جنوب القدس المحتلة، أغلق الاحتلال 3 طرقات، منها إغلاق حي الفاروق بالكامل بالكتل الإسمنتية، ووضعت دورية للشرطة قرب الطريق المغلق. كما أغلقت الشارع الرئيسي مقابل مخفر شرطة عوز، وتمّ تحويل المدخل إلى حاجز عسكري لمرور السيارات، فضلاً عن إغلاق مدخل "الغزيل" في الجهة الغربية من جبل المكبر، فضلاً عن تواجد دورية للشرطة الإسرائيلية في المكان.

اقرأ أيضاً: من انتفاضة القدس إلى انتفاضة الغيتو

وفي حي رأس العامود، تكرر المشهد نفسه، تمّ إغلاق ثلاث طرقات، وانتشرت القوات الإسرائيلية عند كل طريق. ووفقاً لمجدي العباسي، وهو أحد موظفي مركز معلومات وادي حلوة، فقد أغلقت قوات الاحتلال "نزلة أبو صوي" المؤدية إلى الحارة الوسطى في رأس العامود، والمدخل المؤدي إلى نادي سلوان بالكتل الإسمنتية. كما أغلقت الطريق القريبة من مستوطنة رأس العامود أمام المحددة، والشارع الرئيسي في رأس العامود، إلى جانب المقبرة ومقابل مركز الشرطة القديم، مع وجود شرطي عند كل طريق مغلق.

وفي حي الطور المجاور لرأس العامود إلى الشرق من البلدة القديمة، أغلق الاحتلال ثلاثة مداخل، وأبقى مدخل الصوانة مفتوحاً، بينما أغلق المدخل الشرقي للحي المؤدي إلى الحردوب وزعيم، والمدخل الثاني "الجثمانية"، الجنوبي الغربي، وطريق مستشفى المطلع بالكتل الإسمنتية.

وفي بلدة العيسوية التي أغلق الاحتلال مدخليها الرئيسيين الشرقي والغربي، يقف أحمد داري، بين المدخلين المغلقين بالمكعبات الإسمنتية، غاضباً، ويقول لـ"العربي الجديد"، "صرنا بسجن كبير.. وين ما تروح محاصر"، إذ لم يبقِ المحتلون إلّا شارعاً فرعياً وعراً بات آلاف المواطنين ملزمين بسلوكه، وسط معاناة شديدة وبالغة الصعوبة.
من جهته،  انتظر المتحدث باسم حركة "فتح" في مخيم شعفاط، ثائر الفسفوس، طويلاً عند الحاجز العسكري المقام عند مدخل المخيم وخضع لتفتيش صارم قبل أن يسمح له جنود الاحتلال بالمرور. يقول ثائر، لـ"العربي الجديد": "إنّ هذا الكم من الإغلاق سيحوّل الأحياء بمن فيها إلى قنبلة تنفجر في وجوههم"، متسائلاً عن "كيفية تحقيق هؤلاء التقدم والتطوّر، بينما عشرات آلاف البشر محرومون من حقهم في الحياة، وحرية الحركة والتنقل".

ويصف الناشط في مجال حقوق الإنسان، موسى قوس، من سكان حي الجالية الأفريقية في البلدة القديمة، الدخول إلى البلدة ليلاً بـ"المرعب"، قائلاً "عليك أن تتوقّع الأسوأ، وأنت تسير في منتصف الليل وحدك بين حشود الجنود والمستوطنين الذين يتنقلون بحرية تامة، في حين أنّ المقدسيين، بدأوا بالتململ ويشعرون أنّه للحفاظ على حياة أبنائهم عليهم البقاء في منازلهم"، إذ باتت أرواحهم رهينة صرخة مستوطن كاذبة، "إرهابي"، ليسارع حارس أو جندي ويطلق النار من دون تردد.

اقرأ أيضاً: في الضفة... دولة "أبارتهايد" ضربتها المقاومة

المساهمون