منذ 25 يناير/ كانون الثاني 2006 لم ينتخب الفلسطينيون ممثليهم في المجلس التشريعي نتيجة لحالة الانقسام السياسي والتدخلات الإقليمية والدولية في المشهد السياسي الفلسطيني.
وشكلت هذه التجربة، التي أطلق على نتائجها حينها اسم "الزلزال" السياسي، بداية حقبة جديدة في الحالة الفلسطينية نتيجة لصعود حركة حماس إلى سدة الحكم على حساب حركة فتح.
وفي حينه حصدت قائمة "حماس" 76 مقعداً من أصل مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132، فيما حصلت "فتح" على 43 مقعداً، وتقسمت بقية المقاعد على بعض القوائم الحزبية أو تلك المحسوبة على بعض التيارات السياسية والمستقلين.
ونتيجة لحالة الانقسام السياسي ظهر في غزة نظام خاص بحركة حماس وآخر في الضفة الغربية المحتلة تمثله السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس بعد عام 2007، ومنذ ذلك الحين توالت اتفاقيات المصالحة دون الوصول إلى تنظيم اقتراع انتخابي.
ووقعت "فتح" و"حماس" عدداً من الاتفاقيات، كان أبرزها اتفاق القاهرة عام 2011 الذي نصّ على إجراء الانتخابات الشاملة، واتفاق الدوحة 2012 الذي سار على الخط نفسه، مروراً بتفاهمات إسطنبول بين الحركتين، غير أنّ جميع الاتفاقيات لم تنفذ بشكلٍ كامل.
وفي عام 2021 توصلت الفصائل الفلسطينية إلى اتفاق يقضي بإجراء الانتخابات التشريعية يتبعها إجراء الانتخابات الرئاسية وينتهي الأمر بانتخابات المجلس الوطني، إلا أن الرئيس الفلسطيني أصدر قراراً بتأجيل الانتخابات في 29 إبريل/ نيسان 2021.
وبررت حركة فتح والرئيس محمود عباس القرار برفض السلطات الإسرائيلية إجراء الانتخابات التشريعية في القدس المحتلة، في الوقت الذي اعتبرت فيه "حماس" وبعض القوى السياسية هذا التأجيل محاولة للهروب من استحقاق الانتخابات، ما دفع المشهد نحو التراشق الإعلامي والسياسي من جديد.
وبعد هذه المحاولة الفاشلة لم تتم العودة إلى صندوق الاقتراع باستثناء الانتخابات البلدية التي جرت في الضفة الغربية المحتلة، فيما لم يتم التوافق على إجرائها في غزة، واتهمت حركة فتح نظيرتها "حماس" بالتهرب من هذا الاستحقاق.
خشية من سيطرة "حماس"
سهيل الهندي، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، يقول إنّ "إجراء الانتخابات هو حق للشعب الفلسطيني من أجل أن يختار ممثليه ومن يدافع عن حقوقه، ومن يلتزم بالخط السياسي العام له المتمثل في المقاومة".
ويضيف الهندي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، أنّ "تعطيل الانتخابات نابع من قرار فلسطيني ممثل بالرئيس عباس، والإرادة الدولية التي تخشى من سيطرة حركة حماس على هذه الانتخابات، بالرغم من أنه حق طبيعي وديمقراطي طالما أنه معبّر عن صندوق الاقتراع".
وبحسب عضو المكتب السياسي لـ"حماس"، فإنّ "مسألة إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني من جديد، ستكون غير واردة طالما بقيت السلطة بالتفكير الحالي ذاته، لا سيما مع وجود الرئيس عباس على رأس هرم السلطة"، وفقاً لقوله.
وأشار الهندي إلى أنّ "المعطيات الحالية على الصعيد الإقليمي والدولي والداخلي تؤكد استبعاد إمكانية إجراء الانتخابات في الوقت الراهن"، لكنه استدرك بالقول إنّ "حماس" على استعداد تام لإجراء الانتخابات في مختلف الأراضي الفلسطينية سواء التشريعية أو الرئاسية أو المجلس الوطني والبلديات.
وبشأن فشل التجربة الأخيرة بسبب عرقلة إجرائها في القدس المحتلة، يعتبر الهندي أنّ المبررات التي قدمتها "فتح" كانت من أجل "ذر الرماد في العيون"، إذ كان من الممكن تحويل الانتخابات في المدينة لحالة اشتباك شعبي مع الاحتلال الإسرائيلي، كما يقول.
اتفاقات حبيسة الأرداج
في المقابل، يؤكد الناطق باسم حركة فتح منذر الحايك وجود معيقات تحول دون إجراء الانتخابات الشاملة في فلسطين، على رأسها الاحتلال الإسرائيلي إلى جانب الانقسام السياسي الداخلي وتداعياته على المشهد الفلسطيني.
ويقول الحايك، لـ"العربي الجديد"، إنّ حركته تشدد على ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية "حتى تكون هناك حالة ديمقراطية تسمح للفلسطينيين باختيار قيادتهم أو من يمثلونهم في المجلس التشريعي من خلال صندوق الاقتراع".
ووفقاً للناطق باسم "فتح"، فإنّ هناك مجموعة من الاتفاقيات الموقعة بين "فتح" وحماس ولكنها لا تزال حبيسة الأدراج، "وهو ما أثر على الحالة السياسية الفلسطينية ككل"، في إشارة إلى فشل تنفيذ اتفاقيات المصالحة المبرمة.
ويشدد الحايك على أنّ "الانتخابات لن تجري إلا إذا اقترع أهالي القدس المحتلة من خلال صندوق الاقتراع، مع رفض كل المحاولات الإسرائيلية الرامية لتعطيل إجراء الانتخابات في المدينة، مع الإشارة إلى جاهزية فتح للانتخابات إذا تمت الموافقة على مشاركة أهالي القدس".
ويطمح الفلسطينيون إلى أن تشهد الفترة المقبلة توافقاً بين الحركتين على إجراء الانتخابات التشريعية والعامة يعيد الحياة للحالة السياسية المعطلة في فلسطين منذ سنوات، لا سيما مع فشل اتفاقيات المصالحة في إنهاء المشهد القائم.
هل تجري الانتخابات قريباً؟
إلى ذلك، يستبعد الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن أن تجري الانتخابات العامة في المدى المنظور، في ضوء التركيبة السياسية القائمة في فلسطين حالياً، نظراً لاعتبارات سياسية وأخرى حزبية، وهو ما يجعل إجراء الانتخابات "ضعيفاً"، كما يشرح.
ويعزو محيسن أسباب ذلك في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى وجود تيارات سياسية محددة إلى جانب القيادة الحالية داخل السلطة الفلسطينية ترفض إجراء الانتخابات "كونها لا تحقق لهم إمكانية الحفاظ على مناصبهم أو تحقق الفوز".
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي، فإنّ السلطة الفلسطينية "تلتزم بآراء وتوجيهات حلفائها الإقليميين والدوليين في ما يتعلق بالانتخابات الفلسطينية، وهو ما يؤثر على الرغبة والاندفاع نحو إجراء الانتخابات خلال الفترة القريبة على الأقل".
ويرى أنّ إعلان السلطة فشل التجربة الماضية بسبب منع الاحتلال إجراء الانتخابات في القدس "غير واقعي كونها (السلطة) لم تمارس الضغط الكافي عليه (الاحتلال) للسماح بإجراء الانتخابات، بالرغم من المطالبات الفصائلية باستمرار العملية الانتخابية وتحويلها في القدس إلى حالة اشتباك سياسي".