تعهدت الولايات المتحدة، الخميس، بالانتقال من الأقوال إلى "الأفعال" بغية التغلب على الأزمة مع فرنسا، لكنها أقرت في الوقت نفسه، على غرار باريس، بأن الأمر سيستغرق "وقتاً".
ونشبت الأزمة بين باريس وواشنطن في 15 سبتمبر/أيلول، إثر إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن ولادة تحالف دفاعي جديد بين أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا، موسّعاً نطاق تقنيّة الغوّاصات الأميركيّة العاملة بالدفع النووي لتشمل أستراليا، بالإضافة إلى تقنيات الأمن الإلكتروني والذكاء الاصطناعي والقدرات البحريّة تحت الماء.
وكانت من أولى ثمار هذا التحالف إطاحة صفقة ضخمة أبرمتها كانبيرا مع باريس لشراء غواصات فرنسية الصنع، واستبدالها بأخرى أميركية تعمل بالدفع النووي. وجرت الأربعاء مكالمة هاتفية بين بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلن في ختامها الرئيسان "التزامات" لإعادة إرساء الثقة بين بلديهما بعد أزمة الغواصات الأسترالية.
وفي هذه المكالمة الهاتفية التي طال انتظارها، حاول الرئيسان إيجاد حلّ لأخطر أزمة دبلوماسية بين الولايات المتحدة وفرنسا منذ الرفض الفرنسي لحرب العراق عام 2003. وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الخميس، أن بلاده تدرك أن المصالحة مع فرنسا بعد أزمة الغواصات "ستستغرق وقتاً" وتتطلب "عملاً دؤوباً" من جانب واشنطن. وقال بلينكن، في مؤتمر صحافي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: "نحن ندرك أن هذا سيتطلب وقتاً وعملاً دؤوباً، ولن يُترجَم ببياناتٍ فحسب، بل أيضاً بأفعال".
وتطرق بلينكن إلى "التعاون والتنسيق" اللذين تعهد بايدن وماكرون بتعميقهما خلال محادثتهما الهاتفية الأربعاء، قائلاً إن البلدين الحليفين يمكنهما "فعل المزيد" و"القيام بعمل أفضل". وتعهد بلينكن بالعمل على إعادة بناء الثقة مع فرنسا، الحليف الأقدم لأميركا، مشيراً إلى المصالح المشتركة، بما في ذلك الحملة الفرنسية ضد تنظيم "داعش" المتطرف. وقال للصحافيين: "أنا مقتنع بأن مصالحنا معاً قوية جداً، والقيم التي نتشاركها لا تتزعزع، وسوف نمضي قدماً وننجز عملاً جيداً، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت وسيتطلب عملاً شاقاً".
وتحدث الوزير الأميركي مطولاً عن أهمية فرنسا، لا سيما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ التي أعلنت فيها واشنطن، منتصف سبتمبر/أيلول، عن تحالف مع أستراليا والمملكة المتحدة كان السبب في اندلاع الأزمة. وعقد وزير الخارجية الأميركي لقاءً صباح الخميس في نيويورك مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان. وقال بلينكن متحدثاً عن لودريان "نحن أصدقاء منذ فترة طويلة. لدي تقدير كبير له".
وأبلغ لودريان بلينكن، خلال اجتماع ثنائي في مقرّ الأمم المتّحدة في نيويورك الخميس، بأنّ الخروج من الأزمة بين بلديهما بسبب قضية الغوّاصات الأسترالية يتطلّب "وقتاً" و"أفعالاً"، بحسب ما أعلنت باريس. وقالت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان صدر في أعقاب الاجتماع، إنّ لودريان "ذكّر بأنّ خطوة أولى تمّ القيام بها خلال الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيسين (بايدن وماكرون الأربعاء)، لكنّه لفت إلى أنّ الخروج من الأزمة بين بلدينا يتطلّب وقتاً وأفعالاً". وأضاف البيان أنّ لودريان "وافق على البقاء على اتّصال وثيق مع أنتوني بلينكن" من أجل "استعادة الثقة" بين الطرفين، من دون مزيد من التفاصيل.
وعُقد الاجتماع في مقرّ البعثة الفرنسية في الطبقة الـ44 من مبنى الأمم المتحدة، واستمرّ زهاء ساعة. وجرى الاجتماع خلف أبواب موصدة، وأحيط بأقصى قدر من التكتّم، بعيداً عن الميكروفونات والكاميرات، وقد رفضت البعثة الفرنسية التعليق على ما دار خلاله بين الرجلين.
وخلال الأشهر الماضية، لم يُخف لودريان إعجابه بنظيره الأميركي الذي يتقن الفرنسية ويحبّ فرنسا، البلد الذي قضى فيه سنين مراهقته. وكان الوزيران أجريا "محادثة جيّدة" مساء الأربعاء على هامش اجتماع للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، عُقد في قاعة مجلس الأمن للبحث في الوضع في أفغانستان بعد سيطرة حركة "طالبان" على البلاد.
وقال البيت الأبيض وقصر الإليزيه في بيان مشترك إنّ إجراء "مشاورات مفتوحة بين الحلفاء بشأن القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة إلى فرنسا والشركاء الأوروبيين كان من شأنه تفادي هذا الوضع"، الذي نجم عن أزمة دبلوماسية هي الأخطر بين واشنطن وباريس منذ الرفض الفرنسي لحرب العراق عام 2003. وأضاف البيان أنّ "الرئيس بايدن أعرب عن التزامه الدائم بهذا الصدد"، مشيراً إلى أنّ الرئيسين "قرّرا إطلاق عملية تشاور معمّق تهدف إلى تأمين الظروف التي تضمن الثقة واقتراح تدابير ملموسة لتحقيق الأهداف المشتركة".
(فرانس برس)