"واشنطن بوست": هذه أسباب الاشتباكات في السودان وتداعياتها المحتملة

17 ابريل 2023
مخاوف من انتقال الاشتباكات لحرب أهلية (ياسويوشي شيبا/ فرانس برس)
+ الخط -

قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن الخلاف الذي كان يعتمل منذ فترة طويلة بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" انفجر أمس الأول السبت لينتقل إلى معركة على كل المقاييس من أجل السيطرة على البلاد، بعدما خلفت الاشتباكات مقتل 83 شخصا على الأقل وجرح أكثر من 1126، وفق منظمة الصحة العالمية، وفي ظل مخاوف من انتقال النزاع إلى حرب أهلية تستتبع صراعاً بين القوى الخارجية.

وبسبب الاشتباكات والإرهاصات التي سبقتها لم تكتمل العملية السياسية في السودان، بعدما وقع كل من الجيش و"الدعم السريع" في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مع قوى سياسية مدنية، على اتفاق إطاري مبدئي يقر تشكيل حكومة مدنية وإبعاد المؤسسة العسكرية عن الحياة السياسة، مع بناء جيش وطني مهني موحد بدمج "قوات الدعم السريع" فيه ومعها جيوش الحركات المسلحة. وقالت "واشنطن بوست" إن تقويض المسار السياسي ألقى بظلاله كذلك على إمكانية عودة المساعدات الغربية المجمدة التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، مضيفة أن القوى الغربية تراقب تطورات الوضع بالسودان، فضلا عن روسيا والصين، اللتين قالتا إن لهما مصالح في شواطئ البحر الأحمر الاستراتيجية بالسودان، وكذا ما تزخر به البلاد من موارد معدنية.

  1. كيف نشب الخلاف؟
    في معرض ردها على هذا السؤال، أوضحت صحيفة "واشنطن بوست" أن الجيش السوداني ظل لعقود طويلة الطرف الممسك بزمام السلطة في البلاد، مشيرة إلى أنه بعدما دفع بالدكتاتور عمر البشير لثلاثة عقود، أطاح به في العام 2019 بعد أشهر من الاحتجاج على وقع ارتفاع التضخم، وقمع الاحتجاجات. بعد ذلك بعامين، سيعود قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لتنفيذ انقلاب جديد واضعاً بذلك حداً لاتفاق أُبرم في أغسطس/آب 2019، وافق بموجبه الجيش على تقاسم السلطة مع مدنيين ريثما يتم إجراء انتخابات. لكن ذلك الترتيب تعطل فجأة نتيجة انقلاب البرهان العسكري في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 وما تلته من احتجاجات حاشدة مطالبة بالديمقراطية في أنحاء السودان. وأوضحت "واشنطن بوست" أنه على أثر الانقلاب أصبح الجنرالات يسيطرون بشكل شبه تام على البلاد، ما أدى لبروز خلاف قديم بين الجيش و"قوات الدعم السريع" التي ساهمت بدورها في الإطاحة بعمر البشير.
  2. ما هي "قوات الدعم السريع"؟
    انبثقت "قوات الدعم السريع" مما يُسمى مليشيا الجنجويد المسلحة التي قاتلت في مطلع الألفية في الصراع بدارفور واستخدمها نظام عمر البشير الحاكم آنذاك في مساعدة الجيش في إخماد التمرد ضده. يقدر محللون عدد "قوات الدعم السريع" بنحو 100 ألف فرد لهم قواعد وينتشرون في أنحاء السودان، ويقودها محمد حمدان دقلو "حميدتي" ويشغل في الوقت الحالي منصب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحاكم (ثاني أهم منصب بعد البرهان). بدءاً من 2015، شرعت "قوات الدعم السريع" مع الجيش السوداني في إرسال قوات للاشتراك في الحرب في اليمن، ما سمح لحميدتي بإقامة علاقات مع دول خليجية. ورغم أنه كان يحظى بثقة البشير، شارك حميدتي عبر "قوات الدعم السريع" في إبريل/ نيسان 2019، في الانقلاب الذي أنهى ثلاثة عقود من حكم عمر البشير. وكان من بين بنود التسوية السياسية التي طرحها الجيش لتقاسم السلطة واحد يتعلق بدمج "قوات الدعم السريع" في الجيش. وعن ذلك أوضحت "واشنطن بوست" أن "قوات الدعم السريع" لديها تراتبيتها وثروتها ومصالحها التجارية الخاصة، وبالتالي كان سيؤدي دمجها إلى فقدانها لاستقلالها. وأضافت أن ذلك بالنتيجة بمثابة صفعة قوية لحميدتي، الذي يقال إن لديه مطامح رئاسية وبنى علاقات وثيقة مع روسيا خلال السنوات الأخيرة.
  3. ما هو نطاق الاشتباكات؟
    عمت الاشتباكات بين الجيش و"قوات الدعم السريع" عدة أجزاء من العاصمة الخرطوم، فضلا عن مدن أخرى، بينها نيالا والفاشر في إقليم دارفور، وكذا ولاية النيل الأزرق المتاخمة لإثيوبيا. وبينما يدّعي كل طرف السيطرة على مواقع استراتيجية مهمة مثل المطار الدولي وهيئة التلفزيون، قالت "واشنطن بوست" إن البيانات الصادرة عنهما لا تدع مجالا لإمكانية التهدئة ما يعزز المخاوف من نشوب حرب أهلية واسعة النطاق. ودعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الطرفين إلى وقف الاشتباكات، وهو ما طالبت به كذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين.
  4. ما هي الرهانات الدولية؟
    بعدما استولى عمر البشير على الحكم في العام 1989، أصبح السودان معزولاً عن الساحة الدولية، وصدر في حقه سنوات بعد ذلك حكم من المحكمة الجنائية الدولية بسبب تورطه في جرائم حرب وإبادة بإقليم دارفور. بعد الإطاحة به، كما تذكر "واشنطن بوست"، ألغت الولايات المتحدة الأميركية قرارها الذي امتد لثلاثة عقود بإدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبالتدريج أعادت الدول الغربية البلاد إلى أحضانها، على اعتبار أنها حليف جديد بأفريقيا، وكذا نموذج للتحول الديمقراطي في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي. وأضافت الصحيفة الأميركية أن الدول الغربية واجهت منافسة من لدن كل من الصين، التي قدمت الدعم لمشاريع بالموانئ وخطوط السكك الحديدية، وروسيا التي واصلت استراتيجيتها الخاصة لبناء نفوذ لها لدى قادة الدول الأفريقية الضعيفة. وأشارت في هذا الصدد إلى أن مجموعة مرتزقة "فاغنر" الروسية منخرطة في مجال استخراج الذهب من السودان.
  5. ماذا عن أفريقيا؟
    اعتبرت "واشنطن بوست" أن ما يجري حالياً في السودان أحد آخر تجليات تعثّر الديمقراطية بأفريقيا، مشيرة إلى أن الاشتباكات تأتي بعد انقلابين تمّا في الآونة الأخيرة بمالي وبوركينا فاسو. وأشارت إلى أن امتداد النزاع زمنيا في بلد مثل السودان شهد فترات تمرد عديدة بعد الاستقلال قد يدفع بلدان الجوار إلى الدخول على الخط، سواء بشكل مباشر أو من خلال دعم قوات تحارب لفائدتها بالوكالة، وهو ما قد تكون له تداعيات وخيمة على الأمن الإقليمي ويهدد حياة الملايين. كما ذكرت الصحيفة الأميركية أن الوضع إذا ما استفحل بالسودان فقد يزيد تعقيداً المحادثات الرامية إلى إيجاد تسوية ما للخلاف بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، بخصوص قواعد ملء سد النهضة الإثيوبي من مياه النيل.
  6. ما هي التحديات الاقتصادية؟
    أدى اتفاق سلام جرى توقيعه في العام 2005 لإنهاء حرب أهلية دامت عقدين من الزمن إلى تقسيم السودان ست سنوات بعد ذلك إلى جزء شمالي هو السودان الحالي، ودولة جنوب السودان حديثة النشأة. وأدى التقسيم إلى سيطرة جنوب السودان على أكثر من ثلاثة أرباع موارد النفط، ما حرم الشمال من موارد مالية ضخمة والعملة الصعبة. وتشير "واشنطن بوست" إلى أن الحكومة السودانية حاولت تنويع الاقتصاد من خلال تشجيع قطاع التعدين، الذي يظل صناعة ناشئة، فيما يعتمد الجزء الأكبر من سكان البلاد البالغ عددهم 45 مليون نسمة على الفلاحة المعيشية. أضافت الصحيفة الأميركية أنه بعد الإطاحة بعمر البشير، شرع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في محادثات لتقديم الدعم المالي، فيما سعت السلطات الانتقالية إلى استقطاب الاستثمارات الغربية. لكن ذلك اصطدم بصخرة انقلاب البرهان في العام 2021، حيث قام العديد من المانحين بتجميد الميزانيات المرصودة لدعم السودان، ما ترك الحكومة التي يقودها الجيش أمام معضلة سد ثقب الميزانية. ويقع السودان ضمن أفقر الدول بالعالم، حيث أتى في المرتبة 170 من بين 189 ضمن مؤشر التنمية لبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة.
المساهمون