- التحقيقات تظهر تدهور الحالة الصحية لقديروف وتأثيرها على ظهوره العام، مع زيادة الشائعات حول قدرته على الاستمرار في الحكم.
- ترجيحات بأن اللواء أبتي علاء ألدينوف قد يكون الخليفة الأوفر حظًا لقديروف، في ظل استعدادات لضمان استمرارية الحكم والاستقرار في الشيشان.
بعد أكثر من خمس سنوات على تقارير صحافية حول مرض الرئيس الشيشاني رمضان قديروف أعادت سلسلة تحقيقات أعدتها صحيفة "نوفايا غازيتا أوروبا" الروسية المعارضة المستقلة في الأيام الأخيرة، طرح تساؤلات عن حقيقة الوضع الصحي لقديروف حاكم جمهورية الشيشان، ذات الحكم الذاتي في روسيا، منذ عام 2007 بدعم مباشر من الكرملين الذي تغاضى عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في غروزني، واستئثار "عشيرة قديروف" بأكثر من مائة منصب حكومي رفيع حسب المصادر المفتوحة. في المقابل، أمّن رمضان قديروف الاستقرار في خاصرة روسيا الضعيفة في شمال القوقاز، التي تسببت في حربين انفصاليتين في تسعينيات القرن الماضي وبداية العشرية الأولى من القرن الحالي بين موسكو وغروزني، وشكّلت مصدراً لصداع مزمن حول طريقة التعامل مع مشكلات هذه المنطقة الحساسة المتراوحة بين الصراعات الإثنية والنزعات الانفصالية. وفتحت التحقيقات الجديدة حول إصابة رمضان قديروف بمرض نخر البنكرياس باب التكهنات حول خيارات الكرملين لضمان الاستقرار في الشيشان والدفع بقيادات تحرص على خيارها كجزء من روسيا الاتحادية، ومواصلة تدفق المقاتلين من الجمهورية لدعم الحرب الروسية على أوكرانيا، والأهم عدم اضطرار الجيش وقوات الحرس الوطني والأجهزة الخاصة الروسية إلى تشتيت جهودها عن "أم المعارك" مع الغرب في شرق أوكرانيا.
مرض رمضان قديروف
في الجزء الأول من تحقيقها، أشارت "نوفايا غازيتا أوروبا"، الاثنين الماضي، إلى أن رمضان قديروف يعاني من مرض قاتل محتمل منذ أكثر من خمس سنوات، ما دفع الكرملين لبدء العمل على خطة لنقل السلطة بشكل سلس. وعرضت الصحيفة تفاصيل عن دخول قديروف البالغ من العمر 47 عاماً إلى المستشفى بسبب نخر البنكرياس، وكيف حاول فريق العلاقات العامة التابع له وفريق الكرملين إخفاء الحالة الصحية المتدهورة بسرعة للزعيم الشيشاني. وفي الأجزاء الأخرى من التحقيق عرضت "نوفايا غازيتا أوروبا" المرشحين المحتملين لزعامة الشيشان، ورجحت أن يكون اللواء أبتي علاء ألدينوف، قائد وحدة أخمات (أحمد) العسكرية التابعة لقديروف، التي تقاتل على الخطوط الأمامية في شرق أوكرانيا، الخليفة المفضّل لدى الكرملين.
ولم يقدم التحقيق الكثير بشأن بدايات المرض، لكنه أعاد التذكير بسلسلة الأحداث، وقالت إن الأطباء شخصوا إصابة رمضان قديروف بنخر البنكرياس في يناير/كانون الثاني 2019، ومعلوم أن قديروف حينها أعلن أنه لم يكن قادراً على العمل بشكل مؤقت، وأنه كان في إجازة بسبب مشكلات صحية. وعاود قديروف الظهور لكنه فقد كثيراً من وزنه وهو أول أعراض الإصابة بنخر البنكرياس، وحسب التحقيق فقد كان يواظب بانتظام على العلاج في مستشفيات موسكو. وزادت الإشاعات حول مرض قديروف مع تغيبه عن اجتماع اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في مدينة بياتيغورسك، جنوبي روسيا، في أكتوبر/تشرين الأول 2019 بحضور جميع رؤساء الأقاليم والمناطق الروسية.
كشفت صحيفة روسية معارضة عن إصابة قديروف بمرض نخر البنكرياس
وفي ربيع 2022، تصدرت الحالة الصحية لرمضان قديروف الأنباء الواردة من الشيشان، وبدت مضاعفات المرض مثل الفشل الكلوي واحتباس السوائل، وضيق التنفس، ومنذ ذلك الحين كان ملاحظاً زيادة كبيرة في حجم الوجه والجسم. وظهرت عليه جميع علامات تراكم السوائل بشكل غير طبيعي في البطن، وعانى من ضيق في التنفس، وواجه صعوبة في التحدث. وفي خريف العام الماضي انتشرت على قنوات منصة تليغرام إشاعات عن دخول رمضان قديروف في غيبوبة، وأُثيرت تساؤلات عن غيابه المتكرر عن الظهور علناً. وحينها ذكرت عدة قنوات أنه يُعالج في وحدة العناية الفائقة في المستشفى المركزي في موسكو، نتيجة فشل رئوي حاد بسبب جرعة زائدة من مسكن دورميكوم المستخدم للحد من آلام نخر البنكرياس والأرق، وأن الأطباء أدخلوه في غيبوبة طبية للمحافظة على حياته.
وفي الفترة ذاتها ولنفي الإشاعات حول المرض نشرت وسائل إعلام شيشانية صوراً ومقاطع فيديو قالت إنها لزيارة رمضان قديروف لعمه موغاميد قديروف الراقد في المستشفى المركزي في موسكو، وكان لافتاً أن رمضان قديروف لم يتحدث في المقاطع المنشورة وبالكاد كان يتحرك، في مقابل تحدث آدم ديليمخانوف أحد المقربين منه إلى الإعلام. وحظيت التسريبات حول غيبوبة رمضان قديروف بمصداقية أكبر بعد بث تقرير على محطة غروزني الرسمية بدا فيه قديروف العم في صحة ممتازة، وفي المقابل كان رمضان قديروف لا يستطيع تحريك ساقيه إلا بصعوبة، وبدا أكبر سناً بكثير وليس بحالة جيدة على الإطلاق. وفي السنوات الأخيرة خرج قديروف لنفي شائعات موته، لكن مشاهد حمل الصخور الكبيرة، أو توجيه لكمات لهذا الوزير أو ذاك اختفت ليظهر بدلاً منها رمضان قديروف وهو يمشي أو يرافق أبناءه.
في خريف العام الماضي، ضجت الشيشان وروسيا بحادثة لفتت الأنظار عن غيبوبة قديروف، وحينها تسرب فيديو عن الضرب المبرح الذي تعرض له نيكيتا جورافيل المتهم بحرق القرآن الكريم على يد آدم قديروف (ابن رمضان وكان يبلغ 15 عاماً حينها) الذي وجه لكمات لجورافيل وهو في مركز الاحتجاز في غروزني، بعدما انتقلت المحاكمة بطريقة غير مألوفة بموجب قرار من قبل رئيس لجنة التحقيق ألكسندر باستريكين إلى الشيشان. وغطت مشاهد البطل المنتصر للقرآن على أنباء غيبوبة والده، وحاز أرفع الأوسمة في الشيشان وجمهوريات ذات حكم ذاتي أخرى، ومُنح آدم لقب "بطل الشيشان"، في 6 أكتوبر الماضي.
ولاحقاً تولى الفتى رئاسة الحراسة الخاصة لوالده، وفي 28 إبريل/نيسان الماضي عُين آدم مشرفاً على "الجامعة الروسية للقوات الخاصة" في مدينة غوديرميس الشيشانية. ومن المؤكد أن تسويق آدم كمدافع عن الإسلام ساهم في حرف الأنظار عن مرض قديروف القاتل، ولكن، في الإطار العام تأتي ضمن عملية متواصلة لتمكين أولاد قديروف في مؤسسات الدولة، والتي انطلقت في خريف 2020 مع تعيين عائشة (مواليد 31 ديسمبر/ كانون الأول 1998) في منصب نائبة وزير الثقافة في الجمهورية، لتنتقل لاحقاً إلى منصب الوزيرة. وفي أكتوبر الماضي أعلن قديروف أن عائشة ستصبح نائبة لرئيس حكومة الجمهورية، نظراً لأنها "قدمت مساهمة كبيرة في تحسين أنشطة وزارة الثقافة". ومنح قديروف ابنته لقب "الفنانة القديرة" في 2021، وفي العام الماضي منحها لقب "فنانة الشعب" وقال حينها مازحاً إن ابنته ليست فنانة، وبرر منحها هذا اللقب بأن والده الراحل، رئيس الشيشان السابق أحمد قديروف، توقع لها مثل هذه المهنة حين كانت صغيرة.
مُنح أولاد قديروف مناصب في الدولة الشيشانية
أما ابنة قديروف الثانية خديجة (كارينا) البالغة من العمر 24 عاماً، فترأس قسم التعليم قبل المدرسي في غروزني، ومنحت في 5 أكتوبر الماضي، اللقب الفخري كـ"أخصائية اجتماعية قديرة"، وفي نهاية يناير الماضي، عُيّنت نائبة رئيس إدارة الرئاسة في الشيشان. وفي الشهر الماضي، حصلت تبارك، الابنة الرابعة لقديروف، البالغة من العمر 19 عاماً، على وسام "من أجل الخدمات المقدمة لجمهورية الشيشان". وبحسب خديجة قديروفا، فقد كُرمت أختها لمساهمتها في "تطوير ريادة الأعمال وجاذبية الاستثمار في المنطقة، إضافة إلى أن "النهج المبتكر" الذي تتبعه في العمل، ساهم في تحسين عمل الشركات الصغيرة والمتوسطة في الشيشان. وتملك تبارك قديروفا حصصاً في عدد من الشركات في الشيشان، وتدير أعمالاً كثيرة رغم حداثة سنها.
ومع الأنباء عن مرض رمضان قديروف زاد ظهور أبنائه في الحياة العامة، ومنحهم مزيداً من الألقاب والمناصب. وإضافة إلى آدم الأصغر سناً بين الأبناء المعروفين، فقد حظي أحمد قديروف (مواليد نوفمبر/تشرين الثاني 2005) في ربيع العام الماضي بلقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين. وفي 5 أكتوبر الماضي، حصل على لقب "العامل القدير في مجال سياسة الشباب في جمهورية الشيشان"، بعد عام على تعيينه في الفرع الإقليمي لحركة الأطفال والشباب في روسيا. ولدى قديروف 14 ابناً وابنة، وحسب المصادر المفتوحة يحظى قرابة 100 من الأقارب من الدرجتين الأولى والثانية بمناصب حكومية. ورغم القسوة في أسلوب حكم قديروف وتنكيله بمعارضيه، إضافة إلى الفساد وتصريحاته المثيرة للجدل وتدخلاته بالسياسة الخارجية على عكس ما ينص عليه الدستور الروسي، فإنه يحظى بدعم كبير من الكرملين. وزادت حاجة الكرملين لقديروف بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.
ورأى كثير من المعلقين في الشيشان أن لقاء بوتين مع أحمد ابن قديروف الأكبر ربما يمهد لتحضيره للخلافة، في تكرار لما حدث في 2004 حين التقى بوتين رمضان قديروف في الكرملين بعد مقتل والده أحمد، في احتفالات عيد النصر في غروزني في 9 مايو/أيار من العام نفسه. في المقابل، فإن العمر الصغير لأحمد الحفيد يصعب مهمة قيادته للجمهورية القوقازية، ومعلوم أن الدستور ينص على أن الرئيس يجب أن يتجاوز عمره 30 عاماً. والأرجح أن اللقاء مع أحمد ليس بصفة الخليفة بل بصفة قائد عائلة قديروف الجديد، وجاء في إطار التأكيد أن عائلة قديروف تحت حماية بوتين الشخصية ولن يسمح بأي حال من حملات التنكيل بها في حال رحيل رمضان قديروف بسبب المرض.
ومن المؤكد أن مرض قديروف دفع الكرملين إلى البحث عن خليفة لحكم الجمهورية من دون اندلاع حرب بين العشائر والقبائل الشيشانية المتناحرة منذ حربي الشيشان الأولى والثانية، في تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية الحالية، والتي زادت انقساماتها، وحولتها إلى نار تحت الرماد مع إطلاق الكرملين يد رمضان قديروف لفعل ما يريد في غروزني، شرط المحافظة على الاستقرار وبقائه جندياً وفياً لتنفيذ جميع المهمات الموكلة له، التي توسعت للحرب في الخارج بعدما كانت مقتصرة على ترهيب المعارضين الداخليين وتصفية بعضهم حسب تقارير وتحقيقات مواقع المعارضة الروسية.
يتم التداول بأسماء ماغوميد داودوف وآدم ديليمخانوف وأبتي ألدينوف كخلفاء لقديروف
وبعيداً عن عائلته، هناك اثنان من أعضاء حاشية قديروف يبرزان في نظر المعلقين باعتبارهما خليفتين محتملين: ماغوميد داودوف، رئيس البرلمان الشيشاني، وآدم ديليمخانوف، النائب عن الشيشان في مجلس الدوما (البرلمان) الروسي. ويعمل داودوف حصراً داخل الشيشان، وأثبت أنه قاسٍ وفعال في حل جميع حالات الطوارئ غير المتوقعة، بدءاً من مكافحة فيروس كورونا وحتى تأمين إمدادات من المتطوعين للقتال في أوكرانيا، ورغم أنه سكرتير فرع "حزب روسيا الموحدة" في الشيشان، يبدو أنه لا يتمتع بعلاقات وثيقة مع مسؤولين فيدراليين ووكالات أمنية. في المقابل، يُنظر إلى ديليمخانوف على أنه زعيم فعلي خارج الشيشان، فهو يدعم ويراقب الشتات الشيشاني في روسيا، ويتمتع بنفوذ كبير في الجاليات الشيشانية الكبيرة في روسيا وبلدان الاتحاد السوفييتي السابق والتي تشكلت منذ ترحيل الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين الجماعي للشيشانيين في عام 1944، ولكن التحقيقات الصحافية للمعارضة تشير إلى أنشطة غير مشروعة وتواصل مع عالم الجريمة ما يقلل من فرصه، ولكن الأهم ربما هو أن ديليمخانوف لا يعد شخصية مستقلة، ووجوده وقوته مستمدان من علاقاته مع عائلة قديروف.
أبتي ألدينوف
ورجح تحقيق "نوفايا غازيتا أوروبا" الأخير أن أبتي علاء ألدينوف هو الخليفة الأوفر حظاً. وانضم الرجل إلى فريق قديروف في عام 2006 بعد إدراكه أن الكفة رجحت لصالح رمضان قديروف في الصراع على السلطة مع الرئيس الشيشاني حينها ألو ألخانوف. ولم يشارك ألدينوف في حروب الشيشان مع روسيا، لكن والده كان عسكرياً سوفييتياً محترفاً، وشارك مع شقيق أبتي ألدينوف الأكبر في القتال مع المعارضة المناهضة لجوهر دوداييف أول رئيس للشيشان بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، والتي كانت تدعمها وتسلحها موسكو. وقُتل والد وشقيق أبتي في أكتوبر 1994 في المعركة الأولى مع دوداييف. وفي المجمل، بحسب ألدينوف، فقد مات 20 من أقاربه في حروب الشيشان. وفي الحرب الشيشانية الثانية دعم ألدينوف القوات الروسية، وكان في مكتب المدعي العام لإحدى مناطق الشيشان التي كانت تحت سيطرة الجيش الروسي، وبعد ذلك في وزارة الشؤون الداخلية الجمهورية، حين شارك في مكافحة الجريمة المنظمة. وعارض في مقابلات العفو عن المسلحين، وأكد أنه "حارب جنباً إلى جنب مع الروس ضد المسلحين، وضد الإرهاب الدولي".
وحين أصبح قديروف رئيساً للشيشان كافأ ألدينوف بتعيينه نائباً لوزير الداخلية في غروزني، وأصبح أصغر جنرال شرطة في روسيا. لكن في عام 2019، انتهت مسيرة ألدينوف المهنية في الشيشان بشكل مفاجئ، ومُنع من الظهور في العمل، وأعفي من جميع مناصبه، وفقد أقاربه جميع أعمالهم وممتلكاتهم بعد اتهامه بالتواطؤ مع قادة محليين ضد قديروف. ورغم أن ألدينوف أعلن "توبته"، وأقسم على حبه لقديروف وحاول بكل طريقة ممكنة التكفير عن ذنبه حتى إنه نظم أشعاراً لقديروف، ومع ذلك، لم يعده قديروف إلى دائرته الداخلية أبداً. واحتفظ ألدينوف براتبه رغم أنه لم يحضر إلى مكتبه بوزارة الداخلية بجمهورية الشيشان منذ أغسطس/آب 2019. وغادر ألدينوف الشيشان واستقر في موسكو، حيث عاش بهدوء حتى مارس/آذار 2022. وعلى خلفية إخفاق روسيا في حسم الحرب على أوكرانيا بسرعة، ظهر ألدينوف مجدداً في 17 مارس 2022 بشكل غير متوقع في صورة جمعته مع قديروف الذي أرفقها بعبارة "مساعد رئيس جمهورية الشيشان لقضايا الأمن... تم إرسال الأخ العزيز أبتي علاء ألدينوف، على رأس آلاف المتطوعين من جمهورية الشيشان، للمشاركة في العملية الخاصة (التسمية الروسية لغزو أوكرانيا) لمحو النازية وتجريد أوكرانيا من السلاح". وفي منتصف العام ذاته عيّن قديروف ألدينوف أميناً لمجلس الأمن الجمهوري وحصل على شهادة "المواطن الفخري لروسيا والشيشان". وبعد شهرين، ذهب ألدينوف إلى أوكرانيا مرة أخرى وتم تعيينه قائداً مدى الحياة لقوات "أخمات".