سيكون النظام السوري في مواجهة برنامج جديد من العقوبات الدولية، مع إعلان بريطانيا نقل العقوبات الأوروبية المفروضة عليه لتكون ضمن نظام عقوبات مستقل وخاص بها، قابل للتحديث والإضافة بشكل مستمر. وسيزيد هذا الأمر من الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على النظام، إذ سيجد نفسه محاصراً بثلاثة أنظمة أو برامج من العقوبات، الأميركية بموجب "قانون قيصر"، والأوروبية التي تصدر بشكل مستمر عن الاتحاد الأوروبي، والعقوبات البريطانية التي باتت منفصلة عن الأوروبية بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد.
وأعلنت وزارة الخارجية البريطانية، الجمعة الماضي، التزامها بمحاسبة المسؤولين عن الجرائم في سورية. وأشارت، في بيان، إلى أنه اعتباراً من الأول من عام 2021، "ستنقل المملكة المتحدة عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد نظام (بشار) الأسد وأعوانه إلى نظام العقوبات البريطاني المستقل والخاص بسورية". وأضافت الوزارة: "تهدف عقوباتنا إلى إنهاء القمع الوحشي للمدنيين من قبل نظام الأسد، وزيادة الضغط عليه من أجل حل سياسي دائم لكل السوريين". ونوهت إلى أن "المملكة المتحدة تدعم بالكامل العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، ويجب على النظام السوري التعامل معها بجدية من أجل رفع هذه العقوبات".
يفرض النظام البريطاني من العقوبات تجميد أصول المسؤولين عن القمع العنيف للمدنيين في سورية
وتابعت: "بينما يلقي النظام السوري باللوم على العقوبات الغربية في تدهور الاقتصاد في سورية، في الواقع، دمر هذا النظام اقتصاد سورية من خلال المحسوبيات و(الواسطات) والفساد، بالإضافة إلى تمويله العنف الوحشي ضد الشعب السوري، ولذلك يجب على النظام أن يتحمل مسؤولية أفعاله". وأوضحت أن المملكة المتحدة "ستواصل دعمها الإنساني للشعب السوري، بالتزامن مع استخدام العقوبات لمنع الأشخاص المستهدفين لارتباطهم بالنظام من دخول المملكة المتحدة، واستعمال البنوك البريطانية، والاستفادة من اقتصاد بريطانيا بشكل أو بآخر".
وسيهدد النظام الجديد للعقوبات البريطانية بشكل رئيسي، شبكة العلاقات الاقتصادية التي يديرها مقربون من عائلة زوجة بشار الأسد، أسماء الأخرس، الذين يحملون الجنسية البريطانية. وكانت الحزمة السادسة من العقوبات الأميركية، التي صدرت بموجب "قانون قيصر" في 22 من الشهر الماضي، استهدفت هذه الشبكة. ونوهت الخارجية الأميركية إلى أن تلك الحزمة، التي استهدفت مجدداً أسماء الأسد وعدداً من أقاربها وأفراد عائلتها، صدرت بالتنسيق مع المملكة المتحدة.
ويفرض النظام البريطاني الجديد من العقوبات تجميد أصول الذين تم تحديدهم بأنهم مسؤولون عن القمع العنيف للمدنيين في سورية، أو يدعمون النظام أو يستفيدون منه. وكذلك يتضمن بعض القيود المالية على بيع، أو شراء، سندات معينة صادرة أو مضمونة من قبل النظام، أو إقامة علاقات مصرفية مع أشخاص معينين، وإعاقة توفير خدمات التأمين، وإعادة التأمين لبعض الأشخاص. وينتظر إدراج لوائح وتفسيرات قادمة للنظام البريطاني من العقوبات.
ويعد إعلان الخارجية البريطانية عن النظام الجديد من العقوبات، كاستجابة سريعة لرسالة أرسلتها شخصيات سورية معارضة، الأسبوع الماضي، لوزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، تحض المملكة المتحدة على فرض عقوبات على النظام وداعميه، وتحديداً أفراد عائلة الأخرس، أقارب زوجة الأسد. وكان من بين الموقّعين على الرسالة رئيس الوزراء السوري الأسبق رياض حجاب، وكبير المفاوضين السابق في هيئة التفاوض السورية المعارضة إلى مباحثات جنيف محمد صبرا.
وأشار محمد صبرا، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "بعد بدء سريان بريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) ومفاعيله القانونية، فإن بريطانيا لم تعد ملزمة من الناحية القانونية بقوانين الاتحاد الأوروبي. ومن هذه القوانين نظام العقوبات الأوروبي على بشار الأسد وأركان نظامه وداعميه". وأضاف "لذلك فإن التأكيد البريطاني حول التزام المملكة المتحدة بكل العقوبات الأوروبية، وبأنها ستعمل على وضع نظام خاص بالعقوبات هي خطوة جيدة وممتازة. كذلك فإن بريطانيا، بتأكيدها أولوية المحاسبة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فإنها تؤكد أن السياسة التي اتبعتها خلال الأعوام الماضية، والنشاط الذي بذلته بريطانيا في إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي إطار المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية سيستمر". وتابع صبرا "نحن نسعى لأن يكون نظام المحاسبة البريطاني في إطار أشمل من مثيله الأوروبي، وأن يكون متوافقاً مع نظام العقوبات في قانون قيصر. وحتى اللحظة فإن هناك إشارات طيبة من الجانب البريطاني، لكن هذا الأمر يحتاج لعمل ستتضح ملامحه خلال الأسابيع المقبلة".
صبرا: نسعى لأن يكون نظام المحاسبة البريطاني في إطار أشمل من مثيله الأوروبي
وحول التأثير المحتمل لنظام العقوبات البريطاني على شبكة العلاقات التي تدعم نظام الأسد من المملكة المتحدة، أوضح صبرا أنه "بمجرد تبني نظام عقوبات بريطاني خاص، فإنه لا شك سيشكل ضغطاً كبيراً على شبكات بشار الأسد في بريطانيا، ومنها عائلة الأخرس. وأكرر أننا ننتظر صدور نظام العقوبات لتقييمه وتقييم مستوى شموله".
ويبدو أن العقوبات الغربية عموماً، باتت تتجه نحو تقييد إعادة تأهيل النظام من خلال شخصيات غير الأسد. وباتت أسماء الأخرس في طور تصدير نفسها للواجهة السياسية، من خلال ضلوعها بنشاطات عدة، لاستمالة الحاضنة الشعبية للنظام، من بينها ملف الجرحى وتعويض قتلى الحرب من العسكريين، بالإضافة لتعويض المتضررين من الموالين للنظام. كذلك شنت حرباً لإنهاء سيطرة أقرباء الأسد على المفاصل الاقتصادية للنظام، بإبعادها رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، عن لعب دور محرك اقتصاد الدائرة الضيقة للنظام لصالحها، من خلال تقديم أفراد من عائلتها (الأخرس) ومقربين منها، باتوا يُعرفون بالواجهة الاقتصادية الجديدة للنظام. وعلى ذلك، ركزت "عقوبات قيصر" على هذه الشبكة الجديدة. وأرادت إرسال رسالة بعدم تعويم أي شخصية من داخل النظام للعب دور مستقبلي في البلاد، فاستهدفت أسماء الأسد مرتين في العقوبات، من خلال الحزمتين الأولى والسادسة (الأخيرة)، ويبدو أن بريطانيا تسير على الخطى الأميركية بهذا الاتجاه.