مولدافيا...الطريق الوعر نحو الوحدة والخلاص من روسيا

04 ديسمبر 2020
يوجد في بريدنيستروفيا أحد أكبر مستودعات الأسلحة السوفييتية بأوروبا (Getty)
+ الخط -

توالت في الأيام الأخيرة التصريحات الروسية الرافضة لدعوة رئيسة مولدافيا المنتخبة مايا ساندو لسحب القوات الروسية المتواجدة في إقليم بريدنيستروفيا الانفصالي، ما يشير إلى صعوبة مهمة تحقيق وحدة أراضي مولدافيا، بعد نحو 30 سنة على انفصال الإقليم.
ولا يبدو أن حظوظ السياسية الطموحة في اجتثاث الفساد، وبناء علاقات متوازنة مع موسكو وبروكسل أفضل حالاً، في بلد صغير ضعيف الموارد، حصرته الجغرافيا بين مشروعين متنافسين، وابتلي بساسة اعتاشوا لعقود طويلة على الفساد.
وبدأ سيل التصريحات الروسية الغاضبة بعد حوار لساندو، مع محطة "إر بي كا" الروسية في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حددت فيه أهم أولوياتها للسنوات الأربع المقبلة. وأكدت أنها تسعى داخلياً إلى تحسين مستوى الحياة لمواطنيها ومحاربة الفقر والفساد، ووضع حدّ لهجرة الشباب والعمال وإصلاح النظام القضائي، وإنهاء الانقسام الحاد الذي كشفت عنه الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة. وشددت على أنها ستتبع سياسة خارجية متوازنة بين الشرق والغرب، رغم تأكيدها أن "النموذج الأوروبي هو الأفضل ونتقاسم نفس القيم، ونرغب في أن يكون الساسة في بلادنا نزيهين". وقالت إنها "ستعمل على بناء علاقات بناءة مع روسيا"، مشيرة إلى وجود عدد كبير من العمال المولدافيين في روسيا. وأبدت استعدادها للقاء أي مسؤول روسي لبحث قضايا تتعلق بضمانات العمل وشروطه، إضافة إلى تطبيق تشريعات المعاشات التقاعدية على عمال بلادها. وأعلنت أنها ترغب في مناقشة استئناف الصادرات الزراعية بشكل كامل إلى روسيا، ورفع إجراءات التقييد المفروضة بعد توقيع بلادها اتفاقية الشراكة الانتسابية مع أوروبا على حساب التقارب مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي تقوده موسكو.

شددت ساندو على أنها ستتبع سياسة خارجية متوازنة بين الشرق والغرب رغم تأكيدها على أن النموذج الأوروبي هو الأفضل

وواضح أن تصريحات ساندو لم تكن لتغضب الكرملين لولا تطرقها إلى موضوع وجود القوات الروسية في بريدنيستروفيا، المعروفة أيضاً باسم ترانسنيستيريا، رغم أن الرئيسة المنتخبة أكدت، في حوارها مع محطة " إر بي كا"، أن موقفها ليس جديداً وينطلق من التفاهمات السابقة المتفق عليها، وفق صيغة "5+2"، التي تضم مولدافيا وبريدنيستروفيا، بالإضافة إلى روسيا وأوكرانيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا كوسطاء، وأميركا والاتحاد الأوروبي كمراقبين، لحل النزاع، والقاضية باحترام وحدة وسلامة أراضي مولدافيا، والحل السلمي والدبلوماسي واستبعاد العمل العسكري.

ومع إشارتها إلى عدم وجود أي مؤشرات لعودة النزاع، وعدم وجود أي أساس عرقي أو ديني للحركة الانفصالية في الإقليم، والعلاقات الطبيعية بين المواطنين على ضفتي نهر دنيستر الفاصل بين الانفصاليين ومولدافيا، أوضحت ساندو أن الخلاف هو على مستوى النخب فقط، وضمن الرغبة في استمرار الفساد والتهريب. وخلصت إلى أن بعثة قوات حفظ السلام الروسي يجب أن تتحول إلى بعثة مدنية، بإشراف منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، موضحة أن بعثة حفظ السلام الروسية لم ترسل بالاتفاق مع كيشيناو. وشددت على أن الحل بالنسبة للقوات الروسية، التي تحمي واحداً من أكبر مخازن الأسلحة في أوروبا الموجود على أراضي بريدنيستروفيا، هو إتلاف مخزونات السلاح أو سحبها.
"ألغام" الحقبة السوفييتية
ويعود الوضع المعقد في إقليم ترانسنيستريا، أو رسمياً جمهورية بريدنيستروفيا المولدافية، إلى المشكلات التي رافقت انهيار الاتحاد السوفييتي، حاله كحال شبه جزيرة القرم إقليم ناغورنو كاراباخ وغيرها. ويقع الإقليم الانفصالي، وعاصمته تيراسبول، في الشريط الضيق من الأرض بين نهر دنيستر والحدود الأوكرانية، ويُعترف به دولياً كجزء من مولدافيا.
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تصاعدت التوترات بين مولدافيا وسكان بريدنيستروفيا الانفصالي الرافضين لحل الاتحاد السوفييتي، والمتوجسين من انضمام مولدافيا إلى رومانيا، إلى صراع عسكري، بدأ في مارس/آذار 1992، وانتهى بوقف إطلاق النار في يوليو/تموز من العام ذاته. وكجزء من ذلك الاتفاق، تُشرف لجنة مراقبة مشتركة ثلاثية الأطراف (روسيا ومولدافيا وترانسنيستريا) على الترتيبات الأمنية في المنطقة المجردة من السلاح. وعلى الرغم من استمرار وقف إطلاق النار، لا يزال الوضع السياسي للإقليم من دون حل. فترانسنيستريا جمهورية شبه رئاسية مستقلة غير معترف بها دولياً، لكنها تملك حكومة وبرلماناً وقوات، واعتمدت سلطاتها دستوراً وعلماً ونشيداً وطنياً. ومن اللافت أنها الدولة الوحيدة التي لا تزال تستخدم المطرقة والمنجل على علمها، على الرغم من أنها لا تلتزم بمبادئ الشيوعية.

أعلنت ساندو أن بعثة قوات حفظ السلام الروسي في بريدنيستروفيا يجب أن تتحول إلى بعثة مدنية
 

ويحمل معظم سكان بريدنيستروفيا، البالغ عددهم نحو 460 ألفاً، الجنسية المولدافية. وزاد عدد حاملي الجنسية الروسية في السنوات الأخيرة، مع قرار موسكو تسهيل شروط منحها لسكان الاتحاد السابق. ويشكل الروس ثلث عدد السكان، وهي ذات النسبة تقريباً للمولدافيين، فيما تصل نسبة الأوكرانيين إلى 27 في المائة، والباقي من البلغار وغيرهم من المجموعات العرقية الصغيرة. وتحتفظ روسيا في الإقليم الانفصالي، الذي تبلغ مساحته نحو 4100 كيلومتر (40 في المائة تقريباً من مساحة لبنان) بكتيبة واحدة لحفظ السلام، قوامها 412 عسكرياً، إضافة إلى كتيبتين أخريين يبلغ تعدادهما 1500 جندي وضابط لحراسة مستودع الذخيرة في قرية كولباسنا.
غضب روسي
الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف سارع إلى الرد على تصريحات ساندو. وقال، بعد ساعات من المقابلة، إن "روسيا تنفذ مهمة بالغة الأهمية. ومن دون شك فإن تغيير الوضع القائم، المبني على روح ونص القانون الدولي، يمكن أن يؤدي إلى زعزعة خطيرة للاستقرار". وأشار إلى أن الكرملين "يراهن على أن هذا الموضوع سيتم بحثه من دون تبني خطوات مفاجئة، وموسكو تعول على سياسة متوازنة للقيادة الجديدة لمولدافيا في هذا الصدد"، نافياً أن تكون ساندو بحثت هذا الموضوع مع موسكو.
من جانبه، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أخيراً، إنه "من الصعب على موسكو تقبل بيان الرئيسة المنتخبة لمولدافيا مايا ساندو، بشأن الحاجة إلى سحب قوات حفظ السلام الروسية من بريدنيستروفيا". وشكك في أن يساعد "هذا الطلب غير المسؤول إلى حد كبير" على تسوية النزاع. ودافع لافروف عن مهمة قوات حفظ السلام، المتفق عليها ضمن مجموعة "5 + 2" بشأن عملية التسوية في ترانسنيستريا، بموافقة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بتجنب صراع دموي جديد هناك. وأشار إلى أن القوات الروسية الأخرى المرابطة في بريدنيستروفيا تتولى حراسة مستودعات الذخيرة، وسحب القوات سيكون "محفوفاً بالمخاطر" نظراً لكميات الأسلحة الكبيرة الباقية بسبب عدم تنفيذ كيشنيوف (كيشيناو) عاصمة مولدافيا اتفاقات التسوية مع بريدنيستروفيا، ما عطل استكمال إتلاف أو نقل الأسلحة والذخائر من هذه المستودعات.
"هيروشيما" كامنة
ووفقاً للسلطات الروسية، فإن وجود العسكريين الروس على أراضي جمهورية بريدنيستروفيا، المعلنة ذاتياً، "ضرورة سياسية لضمان السلام في المنطقة ومنع محاولات بعض السياسيين إحياء النزاع". ويوجد في الجمهورية الانفصالية واحد من أكبر مستودعات الأسلحة في أوروبا في منطقة كولباسنا، التي كانت تابعة للجيش الرابع عشر السابق لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية. وإضافة إلى الذخيرة، يوجد أعداد كبيرة من الدبابات وناقلات الجند المدرعة، والأنظمة الصاروخية المضادة للطائرات، وأنظمة متعددة لإطلاق صواريخ "غراد"، وعربات مدفعية، ومدافع هاون، إضافة إلى كميات كبيرة من الألغام، وعشرات آلاف البنادق الآلية والرشاشة والمسدسات. وبنت القيادة السوفييتية المستودعات في قرية كولباسنا في أربعينيات القرن الماضي، وهي شكلت الترسانة الإستراتيجية للمناطق العسكرية الغربية في الاتحاد السوفييتي.
لكن الجزء الأكبر من الذخيرة نُقل إلى المنطقة بعد انسحاب القوات السوفييتية من جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة وتشيكوسلوفاكيا والمجر. وفي عام 2000، بلغ حجم المتفجرات والذخيرة التي تخص روسيا في بريدنيستروفيا نحو 42000 طن. وتم إتلاف أو سحب نحو نصف الاسلحة والمعدات العسكرية والذخائر حتى العام 2004. وحسب تقديرات متفاوتة، تضم المستودعات حالياً بين 19000 و21500 طن من الذخيرة، تتوزع بين قذائف، وقنابل جوية، وألغام، وقنابل يدوية، وطلقات، منها نحو 57 في المائة انتهت صلاحية استخدامها. ولمعرفة خطر هذه المستودعات فإن أي انفجار محتمل للذخائر يعادل قنبلة نووية، بقوة 10 كيلوطن، أي بقوة القنبلة الملقاة على هيروشيما في أغسطس/آب 1945.
سلاح الغاز
في حوارها مع " إر بي كا"، قالت ساندو إنه "ليس عدلاً" أن يتحمل سكان "الضفة اليمنى" (الاسم المحلي للأراضي الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً في كيشيناو وهي الضفة اليمنى لنهر دنيستر) ديون "الضفة اليسرى" الواقعة تحت سيطرة الانفصاليين. وتعتمد مولدافيا على روسيا لاستيراد كامل حاجتها من الغاز الطبيعي، عبر فرع من شبكة النقل الأوكرانية، يمر عبر أراضي الإقليم الانفصالي. وحسب "مولدافغاز"، الشركة المعنية باستيراد وتوزيع الغاز، فقد وصل حجم الديون المستحقة لشركة "غازبروم" الروسية إلى 7.24 مليارات دولار حتى بداية الشهر الحالي، منها 6.68 مليارات دولار عن الغاز الموزع في إقليم بريدنيستروفيا الانفصالي، مقابل 560 مليون دولار عن "الضفة اليمنى".
وبموجب الاتفاقات بين "مولدافغاز" و"غازبروم" تتحمل كيشيناو كل تبعات الاتفاقيات التجارية الموقعة بين الطرفين فيما يخص الغاز الذي يدخل إلى أراضي مولدافيا من نقطة الحدود مع أوكرانيا. واستغلت سلطات بريدنيستروفيا، غير المعترف بها، هذا الاتفاق، وبدأت بسحب الكميات اللازمة لها من الغاز من الخطوط العابرة للمناطق التي تسيطر عليها، وترفض دفع ثمن الغاز لمولدافيا، وتُراكم الأموال الواردة من السكان، وكذلك رسوم عبور الغاز، على حساب خاص تديره سلطات الجمهورية. وأعلنت أنها لن تدفع ثمن الغاز إلا بعد الاعتراف بها دولياً. وتطالب "غازبروم" شركة "مولدافغاز" المولدافية بدفع كامل الديون، بينما تصّر كيشيناو على إعادة هيكلة الدين وتحويل الجزء الرئيسي منه إلى شركة "TiraspolTransGaz" التابعة للجمهورية المعلنة ذاتياً.
اقتصاد ضعيف وفساد مستشرٍ
وتشكل الديون التي تطالب بها "غازبروم" نحو 90 في المائة من حجم اقتصاد مولدافيا البالغ 8.1 مليارات دولار. ويعيش قرابة 23 في المائة من سكان البلاد تحت خط الفقر. ويعتمد الاقتصاد المولدافي على صادرات الزراعة، والتي يُصدر معظمها الآن إلى رومانيا، بعد أن فرضت روسيا قيوداً على استيراد المنتجات الزراعية من مولدافيا عام 2014. ورغم رفع معظم هذه القيود في 2017 بعد تولي الرئيس إيغور دودون الموالي لروسيا مقاليد الحكم، إلا أن الأمور لم تتغير في شكل ملحوظ.

تعتمد مولدافيا على روسيا لاستيراد كامل حاجتها من الغاز الطبيعي

ولا توجد في البلاد منشآت صناعية، فيما الموجودة تقتصر على المصانع التي خلفها الاتحاد السوفييتي، وهي لا تعمل في غالبيتها لسبب أنها كانت مصممة للتكامل مع منتجات الجمهوريات السوفييتية الأخرى. ويضطر نحو 40 في المائة من سكان البلاد للسفر إلى أوروبا أو روسيا لغرض العمل، مع انعدام الفرص داخل البلاد. ويُعدّ الفساد المستشري من أكبر التحديات التي تواجهها ساندو. وقد تحول إلى ظاهرة اجتماعية، إذ كشفت دراسات أن المواطن يضطر إلى دفع رشى خمس مرات سنوياً لتسيير معاملاته. وخلصت "هيئة مكافحة الفساد التابعة لمجلس أوروبا"، في تقريرها الصادر في 3 يونيو/حزيران 2019، إلى أن النخب الحاكمة في مولدافيا لا تبذل جهوداً كافية للتغلب على انتشار ظاهرة الفساد، خصوصاً بين النواب والقضاة والمدعين العامين. كما لاحظت الهيئة أن السلطات الوطنية مترددة للغاية في إدخال أحكام جديدة تهدف إلى مكافحة الفساد بين أعضاء البرلمان. ويحرم الفساد البلاد ما بين 8 و13 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي حسب دراسات مؤسسات مستقلة.
ويتورط السياسيون بعلاقاتهم مع الأوليغارشيين المحليين والروس في قضايا فساد كبيرة. وكشفت التحقيقات، في 2014، عن شبكة غسيل أموال قامت بين 2010 و2014 بنقل أكثر من 30 مليار دولار من روسيا إلى بنوك مولدافية. ووجه مكتب المدعي العام لمكافحة الفساد تهماً جنائية ضد 16 قاضياً وأربعة محضرين سهلوا عمليات الاحتيال وغسل الأموال، التي قادها السياسي والبرلماني المولدافي السابق فيتشيسلاف بلاتون، المقرب من السلطات والأوليغارشيين الروس، وحكم عليه بالسجن 18 عاماً، بعد اعتقاله في أوكرانيا، بناء على مذكرة اعتقال دولية صدرت إثر هروبه من البلاد. وتعرضت البلاد منذ سنتين لعملية احتيال مصرفي بمشاركة سياسيين، تقدر بنحو مليار دولار، أو نحو 13 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي.
انتخابات مبكرة
في إطار محاولاتها لتغيير الأوضاع والمضي في درب الإصلاحات الاقتصادية ومحاربة الفساد، دعت ساندو إلى انتخابات برلمانية مبكرة. ومعلوم أن النظام السياسي في مولدافيا برلماني مع صلاحيات رئاسية، في قضايا مهمة مثل تعيين القضاء والمدعين العامين. وتسعى السياسية المقربة من الغرب إلى استغلال فوزها الكبير على مرشح الكرملين إيغور دودون في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لرفع مقاعد حزبها في البرلمان، وبناء تحالف لتشكيل حكومة جديدة تقاسمها أهدافها ولا تكون على خلاف معها. ويقلل خبراء من قدرة ساندو على تحقيق اختراق كبير، نظراً لأن الكثير من المسؤولين الحكوميين والبرلمانيين سيعمدون إلى عرقلة جهودها، بسبب ارتباطهم بهياكل الفساد واكتسابهم منها، الأمر الذي سيدفعهم، بلا شك، إلى محاولة الحفاظ على الظروف القائمة، وعدم السماح لساندو بإحداث تغييرات تضر بمصالحهم الخاصة.
وبغض النظر عما ستكون عليه الحكومة المقبلة، ستحتاج مولدافيا إلى دعم مالي من الخارج للبقاء على قيد الحياة هذا الشتاء. وواضح أن الرئيسة المنتخبة في موقف لا تحسد عليه. ورغم الدعم الشعبي الواسع لها، ونيتها العمل على تحسين الوضع في البلاد وتعزيز التنمية الاجتماعية ومكافحة الفساد، إلا أن الوضع على الأرض أكثر تعقيداً، خصوصاً فيما يتعلق بسياسة بلادها الخارجية وارتباطها بآفاق التنمية والإصلاح. فمن جهة، تقف روسيا مستعدة لتقديم الدعم والتسهيلات المالية والاقتصادية والدعم السياسي، ولكن ضمن شروط تضمن لموسكو بقاء الوضع الراهن في بريدنيستروفيا على ما هو عليه، وشرط عدم مضي مولدافيا في التقارب مع الغرب. ومن جهة أخرى، يوجد الاتحاد الأوروبي مع وعود الدعم المالي والاقتصادي أيضاً، وتحسين ظروف المعيشة للسكان والمساعدة في تأسيس مؤسسات نزيهة وفعالة. إلا أن هذا غير كافٍ لمولدافيا، حتى للاستمرار في وضعها القائم اليوم.
وواضح أن مولدافيا الصغيرة باتت محاصرة بمصالح روسيا ونفوذها في الداخل وعلى حدودها الخارجية، خصوصاً في مجال الطاقة التابع لموسكو بالكامل، ومصدر الدخل الكبير الذي تشكله العمالة المولدافية المهاجرة في روسيا، بالإضافة إلى مسألة إقليم بريدنيستروفيا. وفي المقابل، فإن بروكسل، الغارقة في مشكلات كثيرة، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومعالجة تبعات كورونا، غير قادرة على تقديم الكثير لكيشيناو، خصوصاً بعد تجارب سابقة ثبت فشلها، مع استغلال السياسيين التقارب مع أوروبا لزيادة ثرواتهم.