مقتل والي غرب دارفور يرسم صورة سوداء للمستقبل الأمني في الإقليم

15 يونيو 2023
يتخوف السودانيون من تداعيات مقتل الوالي على إقليم دارفور والسودان عامة (فرانس برس)
+ الخط -

يرسم مقتل والي ولاية غرب دارفور السودانية، خميس عبد الله أبكر، صورة سوداء للمستقبل الأمني في إقليم دارفور والسودان عامة.

ولقي أبكر مصرعه بعد ساعات من اختطافه بواسطة قوة مسلحة جزمت أكثر من جهة بأنها تابعة لقوات "الدعم السريع" بمدينة الجنينة بولاية غرب دارفور.

وأشارت مصادر لـ"العربي الجديد" إلى أن الوالي القتيل رفض بعيد اقتياده من المهاجمين الإدلاء بأي أحاديث لخاطفيه، ما دفعهم إلى توجيه وابل من الرصاص على أجزاء مختلفة من جسده.

وخميس عبد الله أبكر هو رئيس للتحالف السوداني الذي يضم مجموعات كانت تقاتل ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير، ووقعت على اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية في العام 2020 لتترك القتال وتشارك في السلطة؛ وبموجب ذلك حاز أبكر على منصب والي ولاية غرب دارفور وهي أكثر ولايات السودان اشتعالا بالصراعات القبلية تحديدا بين القبائل العربية وقبيلة المساليت التي ينتمي إليها الوالي.

وبعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني و"الدعم السريع" في منتصف إبريل/نيسان الماضي، شهدت مدينة الجنينة، اشتباكات عنيفة بين الجانبين على غرار ما حدث في مدن سودانية أخرى، إلا أن الصراع في المدينة أخذ بعدًا عرقيًا حادًا أسفر عن استئناف القتال بين القبائل العربية وقبيلة المساليت.

وعكس خميس عبد الله أبكر، خلال تصريحاته الصحافية قبل ساعات قليلة من اغتياله، وضعا مأساويا في ولايته، محملا قوات "الدعم السريع" مسؤولية الانهيار الكامل في المدينة، في وقت كشف فيه عن وجود عمليات قتل ممنهج ونهب وسلب وتشريد، مع غياب تام لقوات الجيش السوداني الموجودة في الولاية.

وبعد مقتله مباشرة، سارعت عدة جهات في إدانة الحادث بما فيها

التحالف الذي يتزعمه، ففي بيان أول اتهم التحالف قوات "الدعم السريع" بالتورط في الحادثة.

كما أصدر وزير الثروة الحيوانية في الحكومة المركزية نائب رئيس التحالف حافظ عبد النبي بيانا لم ينسب الجريمة لـ"الدعم السريع" وإنما لمجموعات مسلحة، "تدفعها روح الفرقة والعصبية، ومشحونة بخطاب الحرب والكراهية في وقت تبحث فيه قيادة التحالف السوداني عن فرص إيقاف الحرب، وإعادة الاستقرار، ووقف الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها سكان ولاية غرب دارفور، والسودان عامة"، بحسب قوله.

وحمّل عبد النبي المسؤولية عما جرى إلى المجموعات العربية المتعاركة، التي تقف خلفها مجموعات فلول النظام البائد، متعهدا بالكشف عن المزيد من التفاصيل بعد انتهاء التحقيقات الداخلية التي يجريها التحالف.

البرهان يستنكر "الهجوم الغادر"

وكذلك أصدر الجيش بيان إدانة، فيما استنكر رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في بيان منفصل ما وصفه بالهجوم الغادر لقوات "الدعم السريع" التي استهدفت والي غرب دارفور خميس عبد الله أبكر وقامت بقتله بمدينة الجنينة.

كما استنكر كل ما تقوم به "الدعم السريع" من "قتل وسلب ونهب وترويع للمواطنين واستهداف للمنشآت الخدمية والتنموية بمدينة الجنينة"، مشيرا إلى أن ذلك "يعكس مدى الفظائع التي تقوم بها هذه القوات المتمردة ضد الأبرياء العزل".

"الدعم السريع" تدين مقتل الوالي وتدعو لتشكيل لجنة تحقيق

ولاحقا، أصدرت قوات "الدعم السريع" بيانا دانت فيه بأشد العبارات، مقتل والي ولاية غرب دارفور خميس عبد الله أبكر على أيدي من وصفتهم بالمتفلتين، وذلك على خلفية الصراع القبلي المحتدم بالولاية.

وأوضحت أن الوالي طلب الحماية من قوات "الدعم السريع" بعد مداهمة أحد المكونات القبلية مقره، مشيرًا إلى أن قوة من "الدعم السريع" قامت بتخليصه من قبضة "المتفلتين" ونقله إلى مقر حكومي. 

وأضاف: "بالرغم من محاولات حماية الوالي كما هو موثق في أحد مقاطع الفيديو المنشورة؛ إلا أن المتفلتين داهموا المكان بأعداد كبيرة ودارت اشتباكات مع القوة المتواجدة في المقر، مما أدى لخروج الأوضاع عن السيطرة، واختطاف الوالي واغتياله بدم بارد في مشهد لا يمت للإنسانية بصلة".

واعتبرت قوات "الدعم السريع"، الحادثة تطورا خطيرا في الصراع بين المكونات القبلية بغرب دارفور؛ ووجهت أصابع الاتهام وبشكل مباشر إلى من تسميها استخبارات القوات الانقلابية بالتورط في إشعال الحرب القبلية في الولاية وتغذية القتال بتسليح القبائل، الأمر الذي أدى إلى اشتداد فتيل الأزمة على نحو متسارع، بحسب قولها.

مستشار "الدعم السريع":  "اتهام (الدعم السريع) بشكل رسمي من الجيش وهو أمر متوقع لأن بعض قادة الجيش لديهم مصلحة في قتل الوالي لتوسيع رقعة الحرب وتطورها لحروب قبلية".

وبحسب البيان فإن "قوات (الدعم السريع) نأت بنفسها تماماً عن التدخل في الصراع في غرب دارفور وظلت تتابع تطورات الأحداث، وتحذر منها، وقد نبهت لخطورة الوضع في بيان رسمي أمس، وقبلها طالبت قيادة القوات بضرورة وقف القتال بين المكونات القبلية دون أن تجد دعوات التهدئة أي استجابة".

ودعت إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتقصي حول الأحداث التي وقعت بالولاية وأدت لمقتل الوالي ومئات المواطنين وما ترتب على ذلك من موجات نزوح ولجوء وحرق وتخريب للممتلكات العامة والخاصة.

مستشار قوات "الدعم السريع": اتهام الجيش أمر متوقع لزيادة الضغط

من جانبه، أكد مستشار قوات "الدعم السريع"، أحمد عابدين لـ"العربي الجديد"، أن قتل والي غرب دارفور مدان من الجميع وهو أمر لا تقبله القوانين ولا حتى القيم والأخلاق، وأضاف: "لقد مثل لنا جميعا صدمة".

"حزب المؤتمر الشعبي": قتل والي غرب دارفور جريمة بشعة ستقود لمزيد من سفك الدماء وتوسيع دائرة العنف

كما أكد أنه سيكون هناك تداعيات خطيرة على الإقليم إذا لم تتسارع التدابير لمحاصرة ردة الفعل وجر ولاية غرب دارفور لصراع أوسع يمكن أن يؤثر على دارفور كلها.

وبحسب ما يقول عابدين، فإن اتهام "الدعم السريع" بشكل رسمي من الجيش وهو أمر متوقع لأن بعض قادة الجيش لديهم مصلحة كما يدعي في قتل الوالي لتوسيع رقعة الحرب وتطورها لحروب قبلية لزيادة الضغط على قوات "الدعم السريع" وتبدد مجهودهم ما بين الخرطوم ودارفور، وكذلك الاستمرار الممنهج لشيطنة قوات "الدعم السريع"، وفقًا لتعبيره.

خبير في دراسات السلام: نهاية والي غرب دارفور خميس عبد الله أبكر تشكل واحدة من مآسي دارفور

وجدد عابدين التأكيد على أن قواته حاولت إنقاذ الوالي من متفلتي بعض القبائل هناك التي تتهم الوالي بتسليح أهله ودعمهم لقتل أبناء المكون العربي في الجنينة، مكررا ذات الرواية التي جاءت في بيان "الدعم السريع" حول مقتله.

توسيع دائرة العنف

بدوره، أكد الأمين السياسي لـ"حزب المؤتمر الشعبي" كمال عمر، أن قتل والي غرب دارفور جريمة بشعة ستقود لمزيد من سفك الدماء وتوسيع دائرة العنف، مبينا أنه لا يمتلك أدلة تدين أيا من طرفي الحرب في الجريمة وهو ما يتطلب التحقيق والتقصي.

وأوضح خلال حديث مع "العربي الجديد"، أن "الدولة ككل في حالة انفراط لعقد الأمن فيها في ظل الحرب الطاحنة والصراعات التي بلا أخلاق ولا حدود ولا رقابة".

وشدد عمر على ضرورة العودة للعملية السياسية كمخرج أمن للبلاد، على أن تصطحب العملية معها عامل آثار الحرب، مع الاستفادة من نماذج أخرى مثل تجارب رواندا وجنوب أفريقيا بما يضمن كشف الحقيقة والمصالحة دون إغفال أهمية المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب في أي انتهاكات حدثت أثناء الحرب وقبلها.

إحدى مآسي دارفور

من جهته، يقول الخبير في دراسات السلام، عبد الله آدم خاطر، إن نهاية والي غرب دارفور خميس عبد الله أبكر تشكل واحدة من مآسي دارفور وتخالف أعراف الإقليم الذي مهما بلغ الخلاف من خصومة فلا يجب أن يصل للحكام والحكماء لأنه يجب اللجوء إليهم لحل المشكلة وليس قتلهم وبتلك الطريقة بغض النظر عن الدوافع.

وأضاف خاطر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "دارفور التي ذاقت مرارة الحرب الأهلية في العام 2003 لم تتوقع ابدا العودة إليها مجددا"، مؤكدا أن ما حدث في دارفور والخرطوم وغيرها لا يحتاج إلا إلى السلام والمصالحة.

وأشاد بالاهتمام الدولي بما يجري في دارفور والسودان، خصوصا مبادرة منظمة الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" القائمة على وقف إطلاق النار الدائم وتأمين وصول الإغاثة للمتضررين وجلوس السودانيين لطاولة التفاوض وصولا لاتفاق يرضي تطلعاتهم في الأمن والاستقرار.

واستبعد خاطر بشدة انزلاق دارفور في حروب إبادة جديدة، متوقعا أن تلجأ كل الأطراف لقيم التعايش السلمي القديمة، وهو ما يتطلب جهدا سياسيا واجتماعيا من القوى المركزية يبقي دارفور موحدة ومتحدة مع بقية مناطق السودان.

المساهمون