تقدّمت ثلاثة من أحزاب اليمين في الدنمارك، مساء الخميس، بمقترح وقف تمويل مشاريع تنموية للسلطة الفلسطينية، وتتجه إلى ما سمّته "وقفاً دائماً لكل المشاريع التنموية في أراضي السلطة الفلسطينية".
والأحزاب الثلاثة هي "البرجوازية الجديدة"، و"التحالف الليبرالي"، و"ديمقراطيو الدنمارك"، ويدعم المشروع كلّ من حزب "الشعب الدنماركي" (يمين قومي متشدد)، و"حزب المحافظين" (يمين وسط). وتعتبر الأحزاب التي تقف خلف المقترح وداعموه أن أموال دافعي الضرائب في المشاريع التنموية الفلسطينية "تذهب إلى دعم (حماس) في المناطق الفلسطينية".
ويبدو أن الاتجاه الشعبوي واليميني القومي المتشدد في الدنمارك يستند بصورة رئيسة إلى بروباغندا "أصدقاء إسرائيل"، بما فيها لوبيات صهيونية ينتمي بعض أطرافها إلى البرلمان، تدور حول أن "دعم إقامة مشاريع فلسطينية يؤدي إلى دولة فلسطينية على حساب السيادة الإسرائيلية في يهودا والسامرة".
ومنذ 2022، توجه تل أبيب مذكرات إلى دول الاتحاد الأوروبي تدعو فيها إلى وقف تمويل مشاريع السلطة الفلسطينية (وخصوصاً في مناطق صُنّفت بـ"سي" وفقاً لاتفاقية أوسلو)، في ما سمته "يهودا والسامرة".
وبينما تتسامح الدنمارك مع تلك التسمية التوراتية للأرض المحتلة، وعلى مواقع إلكترونية باللغة الدنماركية، فإنها ضمنياً تتشدد مع أي هتاف أو نقاش يتعلق بأرض فلسطين التاريخية، من مثل "من البحر إلى النهر".
وتستمر الدعاية التي تنشر منذ ما قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول في بث أجواء أشبه ما تكون ليكودية تتفق مع الصهيونية-الدينية، وأطروحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، التي ترى في كل أرض فلسطين عبارة عن "أرض الشعب اليهودي"، كما ردد مراراً وتكراراً عضو الجمعية الصهيونية من "حزب الشعب الدنماركي" سورن إسبرسن، الذي كان سابقاً عضواً في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، وعمل مع أطراف أخرى طيلة السنوات الماضية على منع مناقشة مقترحات يسار الدنمارك الاعتراف بدولة فلسطينية. وهو لا يزال يترأس عمل اللوبي الصهيوني في الدنمارك.
ورأى وزير خارجية الدنمارك في حكومة الائتلاف بين يمين ويسار الوسط برئاسة ميتا فريدركسن لارس لوكا راسموسن في مقترحات وقف تمويل مشاريع السلطة الفلسطينية "مقترحات شعبوية"، رافضاً التبريرات القائلة إن "استراتيجية السياسة الدنماركية في فلسطين فشلت"، كما ذهب "التحالف الليبرالي" في مقترحه الذي يدغدغ مشاعر دافعي الضرائب في الدنمارك.
ومع أن حكومة فريدركسن انتهجت خطاً مؤيداً لدولة الاحتلال منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وكرّرت مراراً أن أموال دعم السلطة الفلسطينية "لا تذهب لدعم (حركة) حماس"، إلا أن تحالف الشعبويين واليمين يرغبان بإبراز الدنمارك أكثر التصاقاً بسياسات تل أبيب.
راسموسن، الذي كان رئيس حكومة سابقاً، وشكّل حزباً جديداً (المعتدلون)، يعرف أضرار مثل هذه السياسة على سمعة ومكانة الدنمارك في سياق أوروبي وفي المنطقة العربية. وذهب إلى اعتبار ما يجري طرحه "بالجنون المطلق" لوصف "تعاون التحالف الليبرالي، الذي اعتبرناه يوماً أنه ليبرالي حداثي ومنفتح، مع الجناح اليميني المتشدد من أجل وقف شعبوي لتمويل مشاريع تنموية للفلسطينيين".
واعتبر راسموسن في تعقيبه على إصرار الأطراف المتهمة بالذهاب نحو التطرف في مواقفها بشأن فلسطين بأن هذا المقترح "يخلق أيضاً انعزالية وإدارة الظهر للوقائع". ومع أن الرجل عاد وأكد أن بلده صديق لإسرائيل، شدد في الوقت نفسه على أنه "يهتم أيضاً بالسكان الفلسطينيين، ويؤيد حلّ الدولتين، ومن الواضح تماماً أن تمويل السلطة شرط لكي تكون أكثر كفاءة ولنتعاون معها وندعمها".
الحزب الليبرالي (14 مقعداً برلمانياً من أصل 179)، الذي فاجأ راسموسن وغيره في كوبنهاغن في ذهابه نحو مواقف وُصفت بالشعبوية المتطرفة، وبتأثير انتقال رئيسة الحزب اليميني المتشددة بيرنيلا فيرموند إلى صفوفه تزامناً مع طرح الاقتراح أمس، لا يعير بالاً للانتقادات، إذ أكد المتحدث باسم لجنة الشؤون الخارجية فيه هنريك دال، من على منصة البرلمان، مساء أمس الخميس، أن تبريرات راسموسن لا قيمة لها، "فدعم الدنمارك لسلطة الحكم الذاتي في مشاريع تنموية يعني دعماً لحماس".
ويُعدّ انضمام "التحالف الليبرالي"، الذي تعطيه الاستطلاعات فرصة التقدم على كل الأحزاب البرجوازية وإمكانية تشكيل حكومة قادمة، إلى مقترح وقف تمويل السلطة، نقلة نوعية ودفعة قوية.
ففي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كانت السياسية المتشددة بيرنيلا فيرموند (الموصوفة هنا بأنها كارهة للتعددية الثقافية وللأقليات المسلمة في بلدها)، قد تقدمت بالمقترح نفسه، فلم يلقَ اهتماماً واسعاً سوى من حزبين "البرجوازية الجديدة" و"ديمقراطيو الدنمارك"، بينما مقترح أمس يلقى دعماً من 5 أحزاب في يمين الوسط وأقصى اليمين الشعبوي.
وفي السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفي سياق ردود فعل سريعة، اقترح حزب "فينسترا" المشارك في حكومة ائتلافية مع الاجتماعي الديمقراطي والمعتدلين وقف تمويل المشاريع التنموية الفلسطينية. واتهم مقرر السياسات الخارجية في الحزب ميكال أستروب ينسن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بـ"التحريض وتشجيع الإرهاب" لتبرير دعوة وقف التمويل. لكن تلك الدعوة سرعان ما جرى سحبها بعد نقاشات شارك فيها أيضاً وزير الخارجية راسموسن، في إطار أوروبي أوسع، بعدما حملت الساعات الأولى مواقف متشددة في القارة العجوز على مستوى وقف تمويل السلطة الفلسطينية.
في كلّ الأحوال، تأتي محاولة التجميد الدائم لدعم السلطة الفلسطينية في سياق مناقشات ميزانية دعم المشاريع التنموية في الخارج للفترة الممتدة بين 2024 و2027. وعلى ما يبدو أن الخطوة تتخذ طابعاً رمزياً من قبل معسكر إسلاموفوبيا وأصدقاء الصهيونية، إذ إن مجموع ما خصصته كوبنهاغن للأعوام بين 2021 و2025 لدعم تمويل مشاريع تنموية، وبصورة خاصة في الضفة الغربية المحتلة، لا يتجاوز 450 مليون كرونه دنماركية، أي نحو 60 مليون يورو عن كل تلك السنوات.