لا يزال الجدل المرتبط بمعبر رفح الحدودي، وهو ممر الوصل الوحيد بين قطاع غزة الفلسطيني والعالم الخارجي، مستمراً، وذلك مع استمرار تعطل العمل بالمعبر منذ تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، وهو ما يحرم مئات الآلاف من الفلسطينيين من أبسط مقومات الحياة الأساسية، ويضاف إلى الحصار الذي يفرضه الاحتلال والمتمثل في قطع إمدادات الوقود والمياه عن القطاع.
وناشدت مصر إسرائيل أن تمتنع عن استهداف الجانب الفلسطيني من المعبر من أجل تمكين جهود الترميم والإصلاح، وضمان أن يستمر المعبر في تحقيق دوره كشريان للحياة لدعم الفلسطينيين في قطاع غزة، لكنها في الوقت ذاته حذرت من أن يتحول المعبر إلى طريق لنزوح فلسطينيي القطاع إلى سيناء المصرية.
وأكد أكثر من مسؤول مصري ذلك، بحجة "عدم تصفية القضية الفلسطينية". كما أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكد على هذه النقطة في خطاب ألقاه يوم الثلاثاء الماضي، قائلاً إنه "لن تكون هناك أي تنازلات أو إهمال للأمن القومي المصري تحت أي ظرف من الظروف".
ويرى مراقبون أنه مع عدم السماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة أصبحت مسألة النزوح الجماعي لسكان غزة إلى سيناء عبر معبر رفح الحدودي، وهو المعبر الوحيد المتبقي لسكان القطاع، أكثر إلحاحاً. لكن فريقاً آخر يرى أنه من الصعب توقع أن يترك الفلسطينيون قطاع غزة ويتوجهوا إلى مصر، كما أنه من الصعب أن يقبل المصريون أن تتحول سيناء إلى مخيمات نزوح للفلسطينيين.
استبعاد قبول مصر بفكرة التوطين
الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة إسطنبول أيدن، عمار فايد، استبعد قبول مصر بفكرة توطين نازحين فلسطينيين في سيناء، لكنه أقرّ في الوقت ذاته بأنه تصور مطروح من قبل قوى دولية وإقليمية.
وقال فايد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "لا شك في أن التصور الإسرائيلي قائم على تفريغ غزة من أكبر عدد من السكان باتجاه الجنوب في سيناء، بحيث تنهي جغرافية قطاع غزة التي تشكل تهديداً كبيراً لها، وذلك بالتزامن مع تدمير القطاع نفسه، بحيث يصبح غير قابل للحياة في المدى المنظور، وتصبح إسرائيل وكأنها فرضت منطقة عازلة ضخمة، ليست فقط عدة كيلومترات في قطاع غزة، ولكن تقريباً نصف غزة، مقابل أن يتمدد القطاع جنوباً، وهذا بالنسبة لمصر - حتى الآن - مرفوض، لأسباب أمنية بالأساس".
عمار فايد: التصور الإسرائيلي قائم على تدمير القطاع نفسه، بحيث يصبح غير قابل للحياة في المدى المنظور
وبرأي فايد فإنّ "مصر تتعامل مع الحالة في غزة عموماً كتهديد أمني، باعتبار أن هناك سلطة غير مفضلة بالنسبة لمصر، هي المسيطرة على القطاع، وهناك قوة عسكرية كبيرة ظهرت الآن بشكل مختلف، وبالتالي هذا ما جعل حجم التهديد أكثر خطورة، ولذلك فهي ليست مستعدة لأن تتحول سيناء نفسها إلى جزء من بيئة الصراع ما بين حماس وإسرائيل، لأن نزوح سكان غزة جنوباً سيجلب معه جزءاً من حماس، لأنهم في النهاية جزء من سكان غزة، وبالتالي حماس ستكون موجودة في شمال سيناء، في المناطق التي يخطط أن تستقبل كل هذا العدد مثل رفح والشيخ زويد وما حولها".
وتابع: "طبعاً هذا تهديد أمني لمصر لأنها ستكون غير قادرة على التحكم، وحتى لو افترضنا أن وجود الفلسطينيين سيكون في مخيمات مفروض عليها حراسة وممنوع التسلل خارجها، إلا أنه مع الوقت ستتحول تلك المخيمات إلى مجتمع غير قابل للتحكم فيه، وتتركه السلطات ليدير أموره، مثل الحالة في المخيمات الفلسطينية في سورية ولبنان والأردن".
ووفقاً للباحث نفسه فإن "التهديد الآخر الذي يواجه مصر هو العبء الاقتصادي، لأننا نتحدث عن مئات الآلاف من الأشخاص، مصر ستكون ملزمة بشكل إنساني على الأقل بتوفير المتطلبات الأساسية لهم، من بنية أساسية كالمستشفيات والمدارس، وكل ذلك سيشكل عبئاً على مصر التي تعاني أصلاً من أزمة اقتصادية كبيرة".
وفي السياق قال فايد: "طبعاً هناك إغراءات دولية سوف تقدم لمصر لكي تقبل بهذا الأمر، وتتعلق بمعونات، وتعهدات بأن هذه المخيمات سيكون لها وضع خاص، وتمويل دولي من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وغيرها، ولكن لا أعتقد أن يكون ذلك كافياً لإغراء مصر بالقبول بهذه الفكرة".
ولفت إلى أن "الإغراء ممكن أن تفكر فيه مصر، وخاصة إذا كان إغراءً مالياً، ومصر قبل ذلك دخلت حرباً مقابل أن يتم إسقاط الديون عنها، وهذا ما يمكن تكراره وإغراء مصر به، مثل إعادة جدولة بعض الديون، أو إسقاط البعض الآخر، وبالتالي هل يمكن أن تصل الأمور إلى هذا الحد أم لا.
هذا ما لا نعرفه حتى الآن. ولكن من حيث المبدأ، أعتقد أنه ليس من المستبعد أن يكون ذلك أحد الإغراءات، خاصة إذا تفاقم الوضع، وقتها يمكن أن تقبل مصر ببعض التنازلات في هذا الأمر".
إبراهيم الشويمي: مصر تحاول التهدئة وإعطاء فرصة لإعادة المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين
وتابع فايد: "هناك سيناريو آخر وهو (الأمر الواقع)، وهو أن تظل مصر في حالة رفض، وتبدأ إسرائيل العملية البرية مع استمرار القصف الجوي، وأن يعيش القطاع نفسه بلا مياه ولا كهرباء ولا وقود، فمع الوقت ستكون هناك أزمة غذائية حادة تدفع الناس إلى الهروب، وتحدث موجات نزوح إما عن طريق البحر أو الدخول إلى سيناء، ومع الوقت لن تستطيع مصر بحسب اعتقادي منع مئات الآلاف من الناس من اجتياز الحدود باعتبار أنه ليس هناك بديل آخر".
وأضاف: "لا أعتقد أن تتراجع إسرائيل عن الحاجة الوجودية بالنسبة لها وهي الشعور بالأمن، وذلك لن ينتج - بحسب ما تخطط له إسرائيل - إلا بإنهاء قطاع غزة نفسه وليس حماس فقط".
من جهته قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير إبراهيم الشويمي، لـ"العربي الجديد"، إن "مصر تحاول التهدئة، وإعطاء فرصة لإعادة المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، على أساس حل الدولتين". مضيفاً أنه "تحاول أيضاً إقناع أميركا بعدم التصعيد، حتى لا تتدخل دول مثل إيران، ونذهب إلى مشكلة إقليمية قد تصبح دولية".