رفضوا ترشحي لأنهم لا يريدون أن يُسمع صوتي
تحولت مؤسسات القيادة في إيران إلى مؤسسات حزبية لتيار واحد
إدراج ولاية الفقيه في الدستور حوّل الحكومة إلى حكومة رجال الدين
الاستراتيجية المتبعة لتحويل إيران لقوة عسكرية أولى بالمنطقة خاطئة
كان شاباً يعيش في فرنسا، فالتقى مؤسس الثورة الإسلامية الإيرانية، روح الله الخميني، أواخر عام 1978، وقرر بعد ذلك عدم إكمال الدراسة في باريس والعودة إلى بلاده للانخراط في الثورة. مصطفى تاج زادة، سياسي إيراني إصلاحي بارز، تولى مناصب عدة في إيران، أبرزها، وزير الداخلية بالإنابة في عهد حكومة "الإصلاحات" للرئيس محمد خاتمي، ونائب وزير الداخلية للشؤون السياسية والأمنية، ورئيس لجنة الانتخابات الإيرانية، ونائب وزير الثقافة والإرشاد للشؤون الدولية في حكومة رئيس الوزراء مير حسين موسوي. كان عضواً في اللجنة المركزية لـ"جبهة المشاركة لإيران الإسلامية" ومنظمة "مجاهدي الثورة الإسلامية"، قبل أن تحلهما السلطة القضائية عام 2009.
معروف في إيران بانتقاداته للسياسات الداخلية والخارجية، فقضى سبع سنوات في السجن بعد احتجاجات عام 2009 على نتائج الانتخابات الرئاسية. اختارته "جبهة الإصلاحات" الإيرانية، المظلة الشاملة للتيارات الإصلاحية، في عملية تصويت داخلي، ضمن المرشحين الثلاثة الأول للجبهة لخوض السباق الرئاسي، إلى جانب نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي رفض الترشح، فيما لم يوافق مجلس صيانة الدستور على أهلية جميع مرشحي الجبهة الذين بلغ عددهم تسعة.
هناك من يتهم بعض المسؤولين في الحكومة، بأنهم لا يرون أخطاءهم، وفور مغادرتهم للمنصب يقومون بدور المعارضة، فتاج زادة الذي نراه اليوم، يختلف عن الذي كان قبل نحو 20 عاماً، عندما كان في الداخلية وزيراً بالإنابة أو نائباً للوزير، فتغيّرت مواقفك السياسية وأفكارك وتطرح نقيضها اليوم. لماذا هذا التناقض؟ هل تاج زادة تغيّر؟ أو ماذا؟
لا، مواقفي لم تتغيّر كثيراً بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل عشرين عاماً، لكن مقارنة مع أربعين عاماً مضت، تغيّرت كثيراً. نحن في العقد الأول من الثورة، كنا نفكر بطريقة أخرى. كانت لدينا قضايا وحساسيات، لكنها تغيّرت بالتدرج منذ العقد الثاني، إلى أن وصلنا إلى اليوم. الثورة انتصرت في عهد الحرب الباردة بين قطبي النظام الدولي، وبطبيعة الحال كانت قضيتها النضال ضد أميركا. والجمهورية الإسلامية أيضاً تغيّرت. هي كانت تعتمد على أصوات أغلبية الشارع في عقدها الأول على الرغم من ظروف الحرب، ومعظم الشعب كان وراءها. لكن خلال تلك الفترة أيضاً، كانت هناك انتهاكات كثيرة لحقوق المعارضين، وعلى أي حال، كان الحكم متكئاً على الأغلبية، واليوم على الأقلية. خلاصة القول، إنّ العالم تغيّر والجمهورية الإسلامية تغيّرت ونحن تغيّرنا. نحن ارتكبنا أخطاء، وأمامنا تجارب، وعلينا إصلاح تلك الأخطاء وإجراء مراجعات في بعض الأفكار والتوجهات.
كان الحكم متكئاً على الأغلبية، واليوم على الأقلية
عن أي أخطاء تتحدث؟
نحن والجمهورية الإسلامية وخصومنا، كلنا أخطأنا. خلال تلك الأجواء، لم تكن الديمقراطية والحرية قضية جميع القوى السياسية، مع استثناءات. قضيتنا كانت تشكيل حكومة الأغلبية فقط. كانت ديمقراطية ناقصة ولم تكن متكاملة. كان علينا احترام حقوق الأقلية (السياسية) وأحزابها. خلال السنوات الثلاث الأولى من الثورة، كان الوضع جيداً على هذا الصعيد، لكن بعدما أطلقت منظمة "مجاهدي خلق" عمليات الاغتيال، أدى ذلك إلى نشوء فضاء أمني وشرطي في البلاد، فللأسف ساء الوضع ولم يتم الاهتمام بحقوق المعارضين. كما أشرت آنفاً، المعارضون كانوا أقلية خلال تلك الفترة، لكن اليوم هناك فارق، هناك انقلاب انتخابي.
إدراج ولاية الفقيه في الدستور، أدى إلى تحويل حكومة الجمهورية إلى حكومة رجال الدين، وهذا كان أكبر خطأ في السياسة الداخلية، كان علينا اتباع النموذج العراقي، والدور الذي يلعبه (المرجع الديني) آية الله علي السيستاني، أي أن يحظى آية الله الخميني بنفوذه في المجتمع من دون أن يكون له وضع دستوري خاص كمؤسسة. آية الله الخميني لم يكن بحاجة إلى أن يكون له وضع دستوري. نفوذه في المجتمع كان يفوق نفوذ آية الله السيستاني حالياً في العراق بكثير، فكان يمكّنه من فعل أي شيء من دون الحاجة إلى نصوص دستورية.
والخطأ الثاني، حدث في سياستنا الخارجية، وهو مواصلة احتلال السفارة الأميركية (في طهران عام 1979). فاستمرت الأزمة (أزمة الرهائن الأميركيين) لأكثر من عام، وتسبب استمرارها بوقوع انحراف في الثورة، أدركناه لاحقاً. هذا الانحراف تمثل في تحوّل الخطاب من الكل معاً إلى الكل ضد أميركا، وهذا أصبح كلمة السر لإقصاء كل المعارضين. في خطاب الكل معاً، الجميع يحضر ويشارك؛ الموافق والمعارض والشعب. لكن عندما تحول الخطاب إلى الكل ضد أميركا، أصبح كل من كان ينتقد يُتهم بالتعاون مع أميركا وحينئذ حقوقه تنتهك؛ حق الترشح وحق امتلاك حزب.
كيف تنظر إلى استبعادك من الترشح للانتخابات الرئاسية، وما الذي دفعك للترشح؟
سبب ترشحي هو ضرورة مراجعة الخطاب الإصلاحي ليكون متناسباً مع الظروف الزمنية الراهنة. مرّ 24 عاماً على طرح مشروع الإصلاحات بقيادة السيد (الرئيس الأسبق) محمد خاتمي، وخلال هذه السنوات، حدثت تطورات في العالم والمنطقة والجمهورية الإسلامية وفي أفكارنا أيضاً. هذا يستدعي مراجعة البرامج والاستراتيجيات، فالحرس (الثوري) يسيطر على كثير من الفضاء، وتحوّلت مؤسسات القيادة إلى حزبية، وتدخلاتها تطاول كل الأصعدة. فضلاً عن السعي لتسليم المؤسسات المنتخبة (الرئاسة والبرلمان) إلى الأقلية السياسية من خلال رفض أهلية المنافسين. وفي المنطقة أيضاً، شهدنا الربيع العربي الذي أخفق ما عدا في الحالة التونسية. لذلك، كنت أرى أن من الضرورة إجراء مراجعة جذرية في الإصلاحات ورفع شعار الإصلاحيات البنيوية والسلوكية، أي إصلاح هياكل الجمهورية الإسلامية والدستور وتحديد منصب القيادة بفترة زمنية محددة، لمنع التفرد بالسياسة.
كما ينبغي أن ترتكز استراتيجية البلاد على التنمية، لا أن تصبح إيران القوة الأولى بالمنطقة عسكرياً، لتزداد التوترات. نعم، يجب أن نسعى لنكون القوة الاقتصادية الأولى في المنطقة، وهذا يخلق تنافساً إيجابياً بين الدول، وبدلاً من وجود حرب عسكرية باردة، تتشكل منافسة اقتصادية مهمة لتعود على الشعوب والمنطقة بالنفع.
لذلك الاستراتيجية المتبعة خلال العقد الأخير لتحويل إيران إلى قوة عسكرية أولى بالمنطقة خاطئة. هذا يكلف التنمية كثيراً. حديثي هذا، لا يعني أن دولاً مثل السعودية وتركيا ومصر وغيرها كانت لها سياسة خارجية سليمة. هذه الدول ارتكبت أخطاء أكثر من الجمهورية الإسلامية، لكنني لست مسؤولاً عنها، وأنا مواطن إيراني عليّ أن أسعى لإصلاح وضع بلادي. ترشحت لأعلن إحياء الإصلاحات البنيوية وأؤكد أن لها متحدثا ومكونات وبرامج.
رفضوا جميع الشخصيات القادرة على إدارة البلاد
هل تجاوب التيار الإصلاحي مع برنامجك؟
ثلاثة أشخاص حصلوا على أعلى الأصوات في مؤسسة "صناعة الإجماع" (من المحرر: المنضوية تحت لوائها جميع التيارات الإصلاحية وهي تشكلت لترتيب البيت الإصلاحي في الانتخابات وتقديم المرشحين)؛ أنا والسيد ظريف والسيد جهانغيري. اختياري بين الثلاثة الأول لمرشحي الإصلاحيين، يؤكد قبولهم بأفكاري واستراتيجيتي وإعجابهم بها. رفضوا ترشحي لأنهم لا يريدون أن يُسمع صوتي. حتى التلفزيون الإيراني الذي كان يغطي تسجيل المواطنين في السباق الرئاسي، لم يبث تسجيلي. لكنني كنت أحظى بجميع المؤهلات المذكورة في الدستور لرئيس الجمهورية.
لكنك انتقدت الدستور وأعلنت معارضتك لولاية الفقيه المنصوص عليها في الدستور للالتزام بها. فتساءلت أوساط محافظة عن سبب ترشحك للانتخابات وأنت ترفض الدستور. كيف تعلق؟
انتقاد الدستور في أي دولة لا يعني عدم الالتزام به، والالتزام معناه عدم ارتكاب عمل غير قانوني. أنا قمت بالتسجيل للانتخابات، وفق الدستور الذي يمنحني الحق في انتقاده. أنا أكدت مراراً أنني ملتزم بالدستور أكثر من السيد (محمد) جنتي، (أمين مجلس صيانة الدستور). هو يرفض الجمهورية (سيادة الشعب) كاملة، أي لا يقبل بنصف الدستور. كما أن الدستور ليس وحياً منزلاً. فعندما تحدث القائد (علي خامنئي) عن إلغاء منصب رئاسة الجمهورية (قبل سنوات) واستبدالها بمنصب رئيس الوزراء، فهل يعني ذلك عدم الالتزام بالدستور؟ فلماذا لم يقولوا إنه لم يلتزم به. إذن، انتقاد الدستور لا يعني عدم الالتزام به.
توقعاتي بالموافقة على خوضي السباق الرئاسي كانت ضئيلة جداً، ما كان يهمني هو القول إن الانتخابات ستكون صفراء، فيما الشعب غاضب، والأغلبية لا تشارك، وهم لا يريدون مشاركة الأكثرية. اقترحنا على القائد (علي خامنئي) لعبة ربح ــ ربح، أي أن تكون الانتخابات نشيطة، بشرط أن تكون حرة حسب توجه الأكثرية. لكن رُفضت هذه اللعبة وتنظيم انتخابات بمشاركة واسعة. اليوم هي انتخابات الأقلية، وستفضي إلى تشكيل حكومة ضعيفة وفاشلة، حينئذ ستحدث مشاكل في الداخل، وعلى الساحة الدولية أيضاً لا يمكننا الدفاع عن حقوقنا كما ينبغي.
"جبهة الإصلاحات" قدمت 9 مرشحين للسباق الرئاسي، فرفضهم مجلس صيانة الدستور جميعهم، لكنه استثنى مرشحين إصلاحيين (من المحرر: عبد الناصر همتي ومحسن مهر علي زادة) لم تتبنّهما الجبهة بعد. المحافظون يرون في ذلك مسوغاً لوجود تنافس في الانتخابات. ماذا تقول؟
استثنوهما لكي يتظاهروا بالديمقراطية، لأنهم لا يستطيعون العمل مثل كوريا الشمالية، أي أن يترشح شخص واحد والجميع يصوت له مرغماً، حتى لا يمكن أن يكون الوضع مثل سورية، إذ يترشح السيد (بشار) الأسد مع شخصين آخرين، يطلبان من الشعب التصويت لصالح الأسد. نحن شعب، أجرينا الانتخابات الرئاسية التنافسية منذ 25 عاماً، وانتخاباتنا التشريعية من اليوم الأول كانت تنافسية. المجتمع لا يقبل أن يكون جميع المرشحين من المحافظين، لكنهم هذه المرة، ارتكبوا عملاً سيئاً. أُعلن صراحة أن أياً من المرشحين السبعة لا يحظون بمؤهلات رئيس الجمهورية، هم أناس طيبون، لكن أي إنسان طيب لا يمكن أن يكون رئيساً للبلاد.
هم رفضوا جميع الشخصيات القادرة على إدارة البلاد. في السابق، كان عدد المرشحين من التيارين الإصلاحي والمحافظ متساوياً، لكن هذه المرة، 5 مرشحين محافظين مقابل مرشحيْن (إصلاحيين)، ليتمكنوا جيداً من مهاجمة الحكومة. والخطأ الآخر أنهم ألغوا السياسة الخارجية من المناظرات الرئاسية. القائد (خامنئي) قال إن السياسة الخارجية ليست قضية الشعب، وبعد ذلك لم تطرحها الإذاعة والتلفزيون في المناظرات. الجميع يعلم أن معظم مشاكلنا الاقتصادية ترتبط بالعقوبات والسياسة الخارجية. ماذا يعني ألا يتحدث رئيس الجمهورية عن السياسة الخارجية. كيف يمكن أن يكون بلا رؤية حول هذه السياسة؟
لكن المرشد قال فقط إن السياسة الخارجية لا تشكل أولوية. كما أن رسم السياسة الخارجية الإيرانية ليس من صلاحيات الحكومة ورئيس الجمهورية، بل يرسمها مجلس الأمن القومي الذي يمتلك فيه الرئيس وحكومته أربعة أصوات مقابل 8 أصوات للمؤسسات الأخرى؟
نعم، لكن نتيجة كلامه كانت إلغاء التلفزيون السياسة الخارجية من المناظرات. رئيس الجمهورية له دور مؤثر في رسم السياسة الخارجية، فعلى سبيل المثال لو لم يكن السيد روحاني رئيساً، لما حصل الاتفاق النووي، تركيبة روحاني ـ ظريف مقابل (الرئيس الأميركي الأسبق باراك) أوباما - (وزير الخارجية الأسبق جون) كيري أفضت إلى التوصل إلى هذا الاتفاق. فلو كان السيد (المرشح الرئاسي المحافظ سعيد) جليلي رئيساً، لما حصل الاتفاق النووي بتاتاً. نعم الرؤساء لهم دورهم. لكن يتم توجيه الوضع إلى مرحلة لا يبقى للرئيس ووزير الخارجية أي دور، ويكونان منفذين للتعليمات فقط، فهذا يتعارض مع القانون وواجبات الحكومة.
مجلس صيانة الدستور يهندس الانتخابات وكذلك المناظرات
كيف ينظر الإصلاحيون إلى استبعادهم من السباق الرئاسي؟
هم قلقون من مشاركتنا في السباق، على الرغم من حديثهم عن أن الحكومة فقدت مصداقيتها في المجتمع، وقاعدتها الجماهيرية، لأن العملة الوطنية فقدت 7 أضعاف قيمتها خلال السنوات الماضية. مع ذلك، يرى المحافظون أنه حتى على ضوء هذا الوضع، سيكسب منافسوهم الانتخابات إذا خاضوها بمرشحيهم الرئيسيين، لأن الطرف الآخر سجلّه سيئ للغاية، لذلك في أي انتخابات حرة، سيفوز منافسوهم الإصلاحيون، ولذلك يتم إقصاؤهم. هم حتى يخشون من (الرئيس الأسبق) السيد أحمدي نجاد والسيد (علي) لاريجاني (رئيس البرلمان السابق)، وهما ليسا إصلاحيين.
هل تعتقد أن مجلس صيانة الدستور أصبح يحدد اتجاه الانتخابات بشكل مسبق ويتحكم ضمناً بالنتائج؟
نعم، المجلس يهندس الانتخابات، وكذلك المناظرات. ما حدث معناه فرض إرادة الأقلية على الأكثرية. هذا انقلاب على الجمهورية. بعض الإصلاحيين يدعون إلى المشاركة في الانتخابات بكثافة (لدعم همتي) لإفشال هذا الانقلاب، وهناك آخرون يرون أن الانتخابات تمت هندستها بطريقة لا يمكن إفشالها على المدى القصير ويجب فضحها.
هناك انقسامات حادة بين التيارات الإصلاحية حول المشاركة في الانتخابات، فالبعض يدعو إلى دعم همتي وآخرون إلى مقاطعة الانتخابات، وهناك أيضاً من القيادات الإصلاحية مثل الرئيس محمد خاتمي، من دعا إلى المشاركة في الانتخابات من دون تحديد اسم المرشح الذي يصوت له أنصار الإصلاحيين. لماذا هذا التناقض؟
كل هذه الأطياف تتفق على أن الانتخابات تتم هندستها مسبقاً، وهذا يتعارض مع الدستور ومطلب الشارع والسنة المألوفة في الانتخابات، لكن الخلاف يعود إلى أن البعض مثل السيد خاتمي، على قناعة بجدوى الاستعانة بالشعب لإحباط هذا الانقلاب الانتخابي، كما فعلنا عام 1997 (فوز خاتمي) وعام 2013 (فوز روحاني). لكن آخرين مثل المهندس (مير حسين) موسوي (زعيم الحركة الخضراء القابع تحت الإقامة الجبرية منذ 2010) يرون أن الأفضل فضحهم من خلال عدم التصويت. أي أن الخلاف هو حول طريقة مواجهة هذا الأسلوب.
وهل يمكن أن تتكرر خلال الأيام القليلة المقبلة، المفاجأة التي جاءت بالرئيس خاتمي، إذ إن التوقعات جميعها كانت تذهب باتجاه فوز غريمه ناطق نوري، لكن الأيام الأخيرة قبل السباق عام 1997 غيرت المعادلة وحصلت المفاجأة؟
هناك احتمال، لكنه ضئيل جداً، أتصور أن الكثير من القوى قد اتخذت قرارها.
لكن هناك من يقول إنه حتى ولو أعلن خاتمي وموسوي تبنّي المرشح همتي ودعمه، خلال الأيام القليلة المقبلة، فاحتمال أن يحدث ذلك حراكاً قوياً وموجة شعبية واسعة لدعمه يبقى ضعيفاً، بالنظر إلى تراجع القاعدة الاجتماعية للإصلاحيين. لذلك يعزو أصحاب هذا الرأي عدم دعوة كبار قيادات الإصلاح لدعم المرشحين همتي أو مهر علي زادة إلى الخشية من فشلها. كيف تعلق؟
هذه من الحجج التي يطرحها أصحاب رأي مقاطعة الانتخابات لفضح ما حدث، فهم يرون أن الشعب غاضب من سلوك الحكومة، وحتى إذا أطلقنا نحن الإصلاحيين دعوات، فلن يلبيها. الشعب يقول نحن نشارك في الانتخابات لإحداث تغيير، لكن إذا بقي وضعنا كما كان، فما الحاجة للانتخابات؟ ليتم تعيين رئيس وينتهي الأمر؟ كما أنّ البعض يرى أنه إذا ما دعمنا المرشح همتي وأوصلناه إلى الرئاسة مثلاً، فلا شك أنهم بعد 6 أشهر سيهاجموننا ويسألوننا لماذا اخترناه طالما أنهم سيسعون إلى إفشال حكومته؟ إذاً ما الفائدة؟ فالأفضل أن نتفرج، هكذا يرى هذا الطيف. الوضع سيزداد سوءاً ولا خيار أمامنا إلا أن نجبرهم على العودة إلى القانون.
الإصلاحيون خلال السنوات الأخيرة لم يكونوا صوت الشعب
بعض من دعموا روحاني من الإصلاحيين أعربوا عن ندمهم، فهل أخطأوا بدعمه في الانتخابات الماضية، ويدفعون اليوم ثمن ذلك؟
لا شك أن السيد روحاني ارتكب أخطاء، وكانت له مَواطن ضعف، لكن موقفنا كان صائباً عندما دعمناه عامي 2013 و2017. كان ينبغي أن نتجاوز واقعة عام 2009 (الاحتجاجات على نتائج الانتخابات) وفق الحكمة والمصلحة. فمن وجهة نظري، كان أداء القائد (خامنئي) جيداً، كما أداء الإصلاحيين، والمجتمع رحب بذلك، فشاركت الأغلبية في الانتخابات، وهو ما أحدث حماسة شعبية، لكن ثلاثة عوامل كانت وراء عدم نجاح روحاني في ولايته الثانية. حكومته الأولى كانت ناجحة ولذلك حصل في انتخابات 2017 على 6 ملايين صوت إضافي أكثر من الولاية الأولى، ولو كان الشعب غاضباً لما صوّت لروحاني مرة أخرى.
لكنني أرى أن حكومته الثانية قد فشلت؛ أولاً بسبب سياسات (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترامب وعودة العقوبات وسياسة الضغط القصوى التي أحدثت مشاكل اقتصادية كبيرة لنا. ثانياً بسبب تدخلات وعقبات التيار المحافظ المدعوم من القيادة، وهذا يعود إلى مسألة خلافة القائد، ومن أجل أن تحدث عملية انتقال القيادة في ظل سيطرة التيار المحافظ على كل الحكم. وثالثاً ضعف الحكومة نفسها، إذ لم تصارح الشعب بصدق فأحبط الشارع.
يرى كتاب ونشطاء إصلاحيون أن مشروع الإصلاحات في إيران قد فشل، وأنه أصبح يختزل في المشاركة في الحكم فقط؟ ما رأيك؟
نعم، بعض الإصلاحيين قضيتهم اختزلت في المشاركة بالسلطة، وهذا خطأ. الشعب يشكل أكبر رصيدنا، فمن يتخلى من الإصلاحيين عن الشعب، يفقد رصيده. لكن الطرف الآخر، إذا تخلى عن الشعب، فلن يكون قلقاً كثيراً، ولا سيما إذا لم تدعمه الأغلبية، فالأقلية تكفيه لأنه صاحب السلطة ولديه كل الإمكانات. أما الإصلاحيون، فإذا ما أرادوا أن يكونوا مؤثرين في المجتمع، فعليهم أن يكونوا أكثرية، وتحقيق ذلك يتطلب التواصل مع المجتمع والتعبير عن مطالبه. الإصلاحيون خلال السنوات الأخيرة، لم يكونوا صوت الشعب الذي تقدم عليهم، وإذا ما أرادوا العودة عن هذه السياسة، فالأمر ممكن، لأن شعبنا لا يريد الفوضى وثورة أخرى. مشروع الإصلاحات ما زال حياً، لكن يجب أن يعود الإصلاحيون لتمثيل مطالب الشارع ليستعيدوا مكانتهم. لا بديل عن الإصلاحات.
ماذا سيفعل التيار الإصلاحي بعد الانتخابات؟ هل لديه برنامج لترميم الانقسامات وتوحيد قواه لمواجهة المحافظين؟
برأيي، أهم ما ينبغي أن يفعلوه، هو تبني إجراء الإصلاحات البنيوية، بما يشمل مسألة القيادة وتحديدها بفترة زمنية، وقضايا المؤسسات غير المنتخبة، ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون التي يجب أن تعبّر عن الجميع، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. نحن بعد 42 عاماً أدركنا أن قوة الرأي العام أكبر من قوة الحكومة. نحن قمنا بالثورة، وحينها تحدثنا عن انتصار الكلمة على السلاح والوردة على الرصاصة. نحن أنهينا حكم الشاه من الداخل، وليس من خلال الدخول في حرب معه. اليوم أيضاً يحدث ذلك، والتغيير سيحصل من داخل النظام عبر الانتخابات. لكن بعد 5 سنوات، عندما تستمر المشاكل وتشتد الخلافات، حتى من داخل التيار المحافظ سيحتجون على هذا الوضع. أنظروا اليوم، السيد علي لاريجاني يعترض. لاريجاني ينتمي إلى عائلة كانت ضد الانتخابات الحرة، لكنها اليوم تدعم الانتخابات الحرة. على المدى القصير هناك أضرار، لكن على المدى البعيد نحن سنربح.
هل ترى أن بإمكان المحافظين التغلب على مشاكل إيران وحدهم؟ وثانياً هل ستحصل انشقاقات بينهم كما ينشد الإصلاحيون؟
إذا كان النظام يتبنى رسمياً مسؤولية تحكم المحافظين بالسلطات الثلاث، فأنا كنت من المؤيدين لتسليم السلطة التنفيذية إليهم 4 سنوات، فإذا نجحوا في المهمة يستمرون فيها، وإذا فشلوا يغادرون الساحة. لكن النظام لم يتبنَّ ذلك. أنا اقترحت إدماج مؤسستي الرئاسة والقيادة، لكن يُرفض ذلك، لماذا؟ لأنه بعد 4 سنوات يجب عليهم التوضيح عن الوضع الاقتصادي، عما إذا كان جيداً أو سيئاً. لكن إذا استلم السيد (إبراهيم) رئيسي السلطة التنفيذية وسلّمها بعد 4 سنوات، تاركاً وراءه سجلاً سيئاً، فمن يتحمل المسؤولية؟ هل سيقولون نحن حرمناكم من حق الانتخاب؟ أم يحملون الشعب المسؤولية ويقولون كان عليكم أن تختاروا الأفضل؟ إذا انحصرت السلطات في يد هذا التيار، سيتفاقم وضع الفساد، والشفافية ستتضاءل والمغامرات ستزداد والفضاء الأمني سيتسع. ولذلك البعض قلقون من أن تكون هذه الانتخابات آخر انتخابات رئاسية في البلاد. (من المحرِّر: في إشارة إلى احتمال إحداث منصب رئاسة الوزراء).