شهدت العاصمة المصرية القاهرة وبعض المحافظات الأخرى، تظاهرات محدودة، خلال الأيام القليلة الماضية، رفعت مطالب فئوية، مثل وقفات أعضاء نقابة المحامين المتكررة اعتراضاً على تسجيلهم في منظومة الضرائب الجديدة، ووقفة سكّان منطقة الزمالك اعتراضاً على قطع الأشجار. ونظّم آلاف المحامين وقفات احتجاجية، يومي الخميس والإثنين الماضيين، في محافظات عدة، ضد قرار إلزام المحامين بالفاتورة الإلكترونية، ما أدى إلى إعلان وزارة المالية تأجيل تطبيق القرار الذي كان مقرّراً أن يدخل حيّز التنفيذ يوم 15 ديسمبر/كانون الأول الحالي، في محاولة لامتصاص غضب المحامين.
تظاهرات المحامين في مصر
وندّد المحامون في تظاهرات خرجت بمحافظات القاهرة والإسكندرية وأسيوط وسوهاج وبني سويف والفيوم وكفر الشيخ وأسوان والدقهلية وقنا والقليوبية والمنوفية، بسياسات رفع الأسعار، وزيادة الأعباء الضريبية، كما هتفوا ضد وزير المالية محمد معيط وصندوق النقد الدولي.
ركّزت وسائل الإعلام المحلية على التظاهرات الأخيرة ونشر أخبارها، من دون تشويه وتخوين منظميها
وكان اللافت في تلك التظاهرات، تركيز وسائل الإعلام المحلية عليها ونشر أخبارها، من دون تشويه وتخوين منظميها، أو إلقاء الشرطة القبض عليهم كما حدث سابقاً في وقفات احتجاجية لعمّال بعض الشركات.
وقال سياسي بارز وقيادي حزبي سابق، تحفظ على ذكر اسمه، إنه "لا يمكن التشكيك في صدق نوايا المحامين المصريين تجاه الدفاع عن مصالحهم الفئوية، ولا في مشروعية أهدافهم من التظاهر، لكن يبدو أن هناك أجهزة داخل الدولة تستغل مشاهد التظاهرات في الترويج لصورة غير حقيقية عن الأوضاع السياسية في البلاد، وكأن السلطة تسمح بالتظاهر، وهو عكس الواقع".
ولفت المصدر إلى أن "وقفات احتجاجية مماثلة حملت مطالب فئوية، تعاملت معها السلطة بكل قسوة، مثل ما حدث مع عمّال الشركات الذين اعترضوا على تسريحهم من عملهم، حيث تمّ القبض على العشرات منهم خلال السنوات الماضية". وبرأيه، فإنه على الرغم من ذلك، فإن أجهزة الدولة الأمنية تتحسب لكل السيناريوهات، حتى لو كان احتمال تحققها بعيداً للغاية، وتحاول الموازنة بين استغلال التظاهرات المحقة والجدية، في تقديم صورة قد تفيد لتحسين الانطباعات الخارجية عن النظام السياسي في مصر، وبين أن مثل هذه التظاهرات يمكن أن تشجع قطاعات أخرى على تكرارها، ما يهدد بإمكانية العودة للتظاهر في الشارع.
قد يعلن قريباً عن أسماء معتقلين جدد للإفراج عنهم
وقال السياسي نفسه إنه "بالنسبة لوقفة الزمالك، فقد كان واضحاً الاهتمام الإعلامي بها، وتسليط الضوء على مشاركة شخصيات سياسية مرموقة بها، مثل الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى، ووزير التجارة والصناعة السابق منير فخري عبد النور، ووزير الخارجية السابق نبيل فهمي، ورئيس الهيئة العامة للاستثمار السابق زياد بهاء الدين، ووزيرة البيئة السابقة ليلى إسكندر، إضافة إلى حشد كبير من سكان الزمالك، في ما بدا وكأنه رسالة إلى الخارج تفيد بأن في مصر مجالاً متسعاً من الحريات". وشدّد المصدر على أن "مثل هذه الوقفات لا تزعج السلطات نظراً لأنها محدودة الأهداف، ولا تخص قطاعات شعبية كبيرة، ولذا فإنها تتعامل معها بارتياح وتستخدمها في إيصال صورة إيجابية للغرب".
وأوضح أنه "حتى في ما يتعلق بتظاهرات المحامين، فإن السلطة لا تخشى منها كثيراً، وتتعامل معها بالطريقة الأمنية القديمة المتمثلة في محاولات اختراق صفوف المحامين لتفتيت العمل الجماعي تدريجياً، ومن ناحية أخرى يتم تأجيل قرار تطبيق الفاتورة الإلكترونية، وبذلك تكون قد نجحت في استغلال صورة التظاهرات فقط من دون تحقيق رغبة المحامين".
ترويج للحريات قبل لقاء السيسي وبايدن
وأضاف السياسي والقيادي الحزبي السابق، أنّ "النظام يبدو وكأنه يستغل مثل هذه الوقفات حالياً، لترويج صورة معينة عن البلاد في الخارج وخصوصاً أمام الولايات المتحدة، وكأن هناك مناخاً من الحرية يسمح بالتظاهر دون مضايقات، وذلك مع قرب توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن للمشاركة في القمة الأفريقية الأميركية برئاسة جو بايدن (بين 13 و15 ديسمبر الحالي)".
وسبق أن ضغطت جماعات حقوقية من أجل حجب كامل حصة المساعدات الأميركية النقدية لمصر بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان في ظلّ حكومة السيسي تشمل التعذيب والإخفاءات القسرية. لكن الإدارة الأميركية لجأت إلى حجب جزئي قبل أشهر.
وفي سياق مواز، رجح مصدر قريب الصلة بلجنة العفو الرئاسي، الإعلان قريباً عن قائمة جديدة من المعتقلين سيتم الإفراج عنهم، وذلك مع قرب توجه السيسي إلى واشنطن. وقال المصدر إنّ "من المأمول أن تضم القائمة اسم الناشط السياسي البارز علاء عبد الفتاح، الذي علّق إضراباً عن الطعام بعد زيارة بايدن إلى شرم الشيخ، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي (لحضور قمة المناخ) على أمل الإفراج عنه قريباً".