مصر تقود مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الفلسطينية

25 مايو 2021
تحاول مصر تفعيل منتدى غاز شرق المتوسط (فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن الفترة القصيرة المقبلة ستشهد جديداً في ملف ترسيم الحدود البحرية بين مصر وفلسطين، بعد كشف مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، أن الاتصالات الأخيرة التي أدارتها مصر بين حكومة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو والسلطة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية أخيراً، لوقف إطلاق النار وتثبيته، تضمنت المضي قدماً في مفاوضات ترسيم الحدود. وأضافت أن هذا الأمر يندرج في سياق حلّ واسع يسمح باستغلال المقومات الاقتصادية للشعب الفلسطيني وتحسين ظروفه المعيشية، في موازاة إدخال دولة الاحتلال وفلسطين ومصر في شراكة مستدامة في مجال التنقيب عن الغاز الطبيعي ومكامن المواد النيتروجينية.


اشترطت إسرائيل إعادة النظر في خريطة الحدود البحرية الفلسطينية

وأوضحت المصادر أن دولة الاحتلال أبلغت مصر استعدادها لترسيم الحدود، مشترطة إعادة النظر في خريطة الحدود البحرية التي تقدمت بها السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لاعتمادها عام 2019، وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وهي اتفاقية انضمت إليها فلسطين بعد حصولها، في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، على صفة مراقب ضمن مفهوم "دولة غير عضو في الأمم المتحدة". مع العلم أن إسرائيل لم تنضم إلى اتفاق الأمم المتحدة لقانون البحار، ولم ترسم حدودها البحرية إلا مع قبرص. وبدأت في خريف العام الماضي مباحثات لترسيم حدودها مع لبنان، تحت رعاية أميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، التي كانت إدارته تعتبر ترسيم الحدود البحرية لدولة الاحتلال مع محيطها العربي، جزءاً مما يسمى بـ"صفقة القرن" (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية).

وذكرت المصادر أن هناك إشكاليات عدة تشوب جهود ترسيم الحدود البحرية الفلسطينية، ومنها خلافات فنية مع مصر على العمق المحتسب للمياه المقابلة للجانب الجنوبي من قطاع غزة، نظراً لتشابكه مع الحدود المحتسبة من الجانب المصري. بالتالي، لا تزال مصر ترفض حتى الآن الاعتراف بالخريطة الفلسطينية المودعة لدى الأمم المتحدة، لكن الجانبين واثقان من سهولة التوصل إلى حل.
أما المشكلة الأهم فتتعلق بالجانب الشمالي من قطاع غزة، نظراً لاكتشاف دولة الاحتلال وجود مناطق مبشرة بالتنقيب فيها مقابل الحد الشمالي للقطاع، تجعلها خريطة الحدود الفلسطينية منقسمة بين الطرفين، وترغب دولة الاحتلال في الانفراد بالاستفادة منها. وتمتد المنطقة الحصرية لكل دولة، وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة، إلى مسافة 370 كيلومتراً من الساحل، بينما تمتد المياه الإقليمية إلى مسافة 12 ميلاً، تبسط الدولة الساحلية سيادتها عليها وتستطيع استكشاف مواردها واستغلالها.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وذكرت المصادر أن هناك عدة حوافز عاجلة تم الاتفاق عليها بين مصر ودولة الاحتلال، وتوافق عليها السلطة الفلسطينية أيضاً لإنجاز الترسيم، على رأسها تعزيز التعاون الثلاثي في إطار "منتدى غاز شرق البحر المتوسط" (الأطراف الثلاثة أعضاء في المنتدى)، من أجل فرض شروط معينة على وسائل النقل البحرية لاستخدام الغاز، والتنسيق مع قبرص واليونان لمواجهة الطموحات المنافسة للاستئثار بتزويد أوروبا بالطاقة. كما يشمل توسيع التعاون الإقليمي في المجال ذاته السعودية والسودان، بغية البحث عن أسواق جديدة لغاز شرق المتوسط في سواحل أفريقيا وشرق آسيا. وسبق أن طُرحت على الحكومات المعنية أفكار لمشاريع مشتركة لاستكشاف غاز البحر الأحمر، وإقامة محطات الإسالة بين مصر والسعودية ودولة الاحتلال، بدعم من الشركات الأميركية التي سبق وانخرطت في مفاوضات تصدير الغاز بين مصر وإسرائيل.

ووفقاً لذلك، سيتم توسيع شبكة الأنابيب المقامة بين مصر وإسرائيل، المملوكة حالياً لشركة جديدة مقرها هولندا، أُسست خصيصاً لامتلاك شبكة الأنابيب، بين شركتي "نوبل إنيرجي" الأميركية و"ديليك" الإسرائيلية وشركة "غاز الشرق" المملوكة للدولة المصرية، ممثلة في جهاز المخابرات العامة وهيئة البترول، لتشمل فلسطين وقبرص واليونان.
وتهدف مباحثات توسيع الشبكة الجارية حالياً، والتي شملت تركيا أيضاً، بشكل أساسي، إلى استفادة جميع دول المنتدى من مصنعي إسالة الغاز في مصر، وعلى رأسها فلسطين والاحتلال الإسرائيلي. والهدف من وراء ذلك مرضٍ لمصر اقتصادياً، بسبب عدم إمكانية تشغيل وحدتي الإسالة بالغاز المصري فقط في الفترة الحالية، ورغبتها في تلافي ما حدث سابقاً عندما وجدت نفسها مطالبة بأكثر من ملياري دولار لصالح شركة "يونيون فينوسا" الإسبانية، التي تدير وحدة الإسالة في دمياط، بعد توقّف صادراتها من الغاز المسال، بسبب تراجع كميات الغاز الموردة لها من مصر لصالح السوق المحلية.


تسعى مصر لتفعيل التعاون بينها وبين الإسرائيليين والفلسطينيين في مجال الطاقة

وتتكامل هذه الأفكار تحت رعاية أميركية من الأوساط السياسية والاقتصادية، كجزء من أفكار الإدارة السابقة، والصالحة للاستمرار في رسم خريطة جديدة للعلاقات السياسية في المنطقة، على أساس التعاون الاقتصادي. وتأخذ في الاعتبار أن الشق الاقتصادي من "صفقة القرن"، المعطّل حتى الآن، كان يتضمن تخصيص 1.5 مليار دولار لدعم الجهود المصرية المشتركة مع إسرائيل، لإنشاء مركز إقليمي كبير للغاز الطبيعي في مصر، وتوظيف الإنتاج الكبير من الحقول المصرية، وتحسين جودة شبكات نقل الغاز والغاز المسال، وذلك على مدار خمس سنوات. وإلى جانب ذلك، يتم تخصيص 42 مليون دولار لتطوير وإصلاح خطوط النقل والمواصلات ونقل الطاقة بين مصر وقطاع غزة، لفترة خمس سنوات وعلى ثلاث مراحل، وتمكين الفلسطينيين من شراء الطاقة، بمختلف أنواعها، من مصر بأسعار منافسة، ودعم قدرة مصر على إنتاج الطاقة الكهربائية وتحسين جودة المنتج المورد إلى غزة والعمل على ديمومته.

وقد شغل هذا الملف قسماً مهماً من مباحثات وزير البترول المصري طارق الملا في القدس المحتلة في فبراير/شباط الماضي، حيث ناقش مع وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شطاينتس طرق تعاونهما لتزويد الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة بالكميات المطلوبة من الغاز الطبيعي. كما عُرض أيضاً على محمد مصطفى، مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس للشؤون الاقتصادية، لمتابعة الطلبات الفلسطينية في هذا الإطار وما يمكن تحقيقه منها. وسبق أن أعلن مصطفى، في خريف العام الماضي، عن تشكيل لجنة عليا لمتابعة ترسيم الحدود البحرية بين فلسطين ومصر، وأن القاهرة أبدت استعدادها للبحث جدياً، وأن السلطة تلقت بعض الملاحظات من الأطراف التي تشارك فلسطين بالحدود البحرية.

وتزخر منطقة شرق المتوسط باحتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي اكتشفت في السنوات العشرين الأخيرة، كان أولها حقل الغاز الفلسطيني "غزة مارين" قبالة سواحل قطاع غزة، تلاها اكتشافات مصرية وإسرائيلية وقبرصية باحتياطات تزيد عن 2.5 تريليون متر مكعب من الغاز. ومساء أول من أمس الأحد، قال السفير الفلسطيني في القاهرة، دياب اللوح، في تصريحات للإعلامي المصري أحمد موسى، إنه يتم العمل حالياً على وضع الترتيبات اللازمة لاستخراج الغاز الفلسطيني بالتنسيق مع مصر والإسرائيليين.

المساهمون