مصر: تعليمات أمنية للتحذير من التظاهر والترويج للحوار

17 مايو 2022
تحذير من مواجهة الشرطة التظاهرات بعنف (حمدي عبد العزيز/الأناضول)
+ الخط -

كشفت مصادر برلمانية، وإعلامية خاصة، عن دخول خطة جديدة للتعامل السياسي، والأمني والإعلامي، مع مخاوف رصدتها أجهزة أمنية مختلفة، من تصاعد حالة الغضب في الشارع المصري، بسبب المصاعب الاقتصادية الجمة التي تواجه النظام، خصوصاً أنه قد يضطر تحت وطأة هذه المصاعب إلى اتخاذ مزيد من القرارات الأكثر صعوبة على المواطنين، تصل إلى حد "الصادمة"، حسب وصف أحد المصادر النيابية.

وقالت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، إن أجهزة مختلفة في النظام، باتت تتعامل بجدية أكثر مع كل السيناريوهات المحتملة، ما أدى إلى تصاعد حالة الخوف من انتفاضة شعبية مفاجئة قد تهدد استقرار النظام، نتيجة للأزمة الاقتصادية في مصر، بسبب تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية.

وأوضحت المصادر أن "الأجهزة الأمنية المختلفة المسؤولة عن رصد اتجاهات الرأي العام أجمعت على ضرورة الحذر من أية قرارات غير محسوبة للحكومة، قد تؤدي إلى انفجار غير متوقع للشارع يحدث في أي لحظة".

الأوضاع خطرة وغير مستقرة

وأضافت المصادر أن "الجهازين السياديين الرئيسيين، المتمثلين في المخابرات العامة والأمن الوطني، اتفقا على تصنيف الأوضاع الحالية للبلاد بأنها خطرة وغير مستقرة، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الحكومة، والتي قد تؤدي إلى غضب شعبي، وهو ما ورد في تقارير متعددة ومنتظمة قدمها الجهازان إلى الرئاسة".

تتخوف الأجهزة من انتفاضة شعبية مفاجئة قد تهدد استقرار النظام

وأشارت المصادر إلى أنه "على الرغم من اتفاق الجهازين الأمنيين الرئيسيين في البلاد، واعترافهما بوجود خطر يهدد استقرار النظام، إلا أنهما اختلفا على الطريقة التي يجب اتباعها في التعامل مع الأزمة المحيطة بالنظام".

وأوضحت المصادر أنه "بينما يرى جناح داخل الأجهزة الأمنية أن التعامل مع الأزمة السياسية التي يعيشها النظام يجب أن يكون عبر تهدئة الجماهير، واستخدام وسائل للتنفيس عن الغضب، مثل الإيحاء بوجود معارضة لسياسات الحكومة من قبل نواب داخل البرلمان، ينتقدون أداء الحكومة الاقتصادي وسياسة التوسع في الاقتراض، ما يعطى الأمل للمواطنين بأن هناك فرصة للإصلاح، يعتقد جناح آخر أن ترهيب الناس من فكرة النزول إلى الشارع والتعبير عن السخط، هي الحل الأمثل".

تحذير من الدعوة للتظاهر

وقالت مصادر صحافية إن تعليمات صدرت من الأجهزة الأمنية إلى إعلاميين وصحافيين موالين للنظام، بضرورة الحديث عن "خطورة" أي دعوة للتظاهر في الشارع، وأن ذلك سوف يقابل بعنف من الشرطة، والتركيز على أن الدولة، ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي، دعت إلى حوار سياسي يشارك فيه الجميع، وهو السبيل الوحيد المتاح للتعبير عن وجهات النظر.

وفي برنامجه على قناة "القاهرة والناس"، أفرد المذيع والصحافي إبراهيم عيسى مساحة معتبرة للتحدث عن الأزمة الاقتصادية في مصر التي وصفها بـ"الطاحنة"، محذراً من أن "أي نوع من الاحتجاجات، سوف يزيد من شدة القبضة الأمنية".

وقال إن "الصحف العالمية تردد أن هناك صعوبة في مواجهة الأزمة الاقتصادية، واحتمالات إفلاس، وأن ذلك قد يؤدي إلى احتجاجات، وأنا أرد عليهم: هل في أزمة طاحنة... نعم، هل ستتصاعد... نعم، الأسعار سترتفع والسلع ستتراجع… نعم، ولكن ليس لتقصير محلي -إن وجد- ولكنها أزمة ومسألة عالمية".

وأضاف عيسى: "هل سيزيد التضخم، والحاجة ذات الخمسين جنيهاً سوف تصبح بمائة… نعم، هل الناس ستتضايق... قطعاً، الناس متضايقة أصلاً، هل الدولة تعلم ذلك... قطعاً. الرئيس السيسي كل مرة يتحدث عن أن المصريين تحملوا وسيتحملون ويشكر الناس، وهذا إدراك رئاسي بأن المصريين تحملوا".

وتابع: "فكرة أن الطبقة الحاكمة مش واخدة بالها من الناس غير حقيقي، عندنا قدر من الشفافية عند رئيس الجمهورية فقط، وليس أي شخص آخر… ما فيش (لا يوجد) برج عاجي معزول، الناس تخرج تحتج علشان توصل له صوتها، ليه لأن صوتها وألمها واضح".

وقال: "الصحافة الغربية تقول إن لا أحد يجرؤ على الاحتجاج، وهنا أسأل: هل المقصود هو الاحتجاج السياسي، ناس تطلع تنتقد وتناقش سياسات الحكومة. المفروض في هذا السياق أننا إزاء حوار سياسي الدولة تعلن عنه، وزي (مثل) ما قلت مصر ما فيهاش سياسيين أصلاً، فكويس أن الحوار يشمل شخصيات عامة ونقابات وكل يقول كلامه ويفضفض ويحكي".

وأضاف: "لكن لو هم يقصدوا الاحتجاج في الشارع، فنحن عندنا مشكلة كبيرة جداً، إننا ما عندناش سياسيين ولا قوى سياسية، فشارع إيه اللي هيحتج، وهيحتج إزاي. هم نفسهم الناس تخرج في تظاهرات… أنا أقطع بأن هذا لن يحدث، وأراهن بمستقبلي كمحلل سياسي بأن هذا لن يحدث".

أي احتجاج سيزيد القبضة الأمنية

وقال عيسى إن "أي نوع من الاحتجاجات المتصورة والمزعومة، والتي يتصورها البعض للأسف مراهقو السياسية، هتزود (ستزيد من) القبضة الأمنية. الآن نحن إزاء هامش من الحرية لعله يتسع، إنما أي احتجاج ينذر بفوضى في البلد وتفلت تاني هيخلي وجهة النظر الخاصة بغلق المجال تماماً، عشان ما حدش يستغل أي نوع من الانفتاح السياسي، هي التي سوف تغلب، وهاتشوف قبضة أمنية ما شفتهاش قبل كده كمان. يعني اللي فات حمادة واللي هيجي حمادة تاني"، على حد وصفه.

حذر إبراهيم عيسى من أن أي نوع من الاحتجاجات سيزيد من شدة القبضة الأمنية

أما المذيع نشأت الديهي، فوجه هجومه على الكاتب الصحافي جمال الجمل، بسبب مقال كتبه عن السيسي وصفه بأنه "صادم". وتحدث الديهي، في برنامجه قائلاً: "أقول لجمال الجمل، وأؤكد أن حرية التطاول غير مكفولة. وعندما دعيت جمال الجمل ليعود إلى مصر ويعارض، كان يجب أن يعلم أن هناك فرقا بين المعارضة والتطاول".

وأكد الديهي، خلال حديثه عن الجمل، أن الطريق الوحيد للمعارضة الآن هو الحوار الذي دعا له السيسي في إفطار الأسرة المصرية في رمضان الماضي. وقال إن "الحوار تم الإعلان عنه عبر الأكاديمية الوطنية للتدريب، وهذا بادرة حقيقية ونبيلة للدولة بعد فترة صعبة لفتح المجال العام".

وقالت المصادر إن "حديث بعض الصحافيين والإعلاميين، المحسوبين على النظام عن خطورة الاحتجاج الشعبي وعدم جدواه، يعكس حالة التوتر والقلق التي يعيشها النظام مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، وعدم وجود حلول واقعية لها".

الحكومة تعيش حالة طوارئ

من جهة أخرى، قالت مصادر خاصة إن "الحكومة تعيش حالة طوارئ منذ فترة، بسبب محاولة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، مواكبة التعليمات والتوجيهات المتسارعة التي ترد إلى حكومته من رئاسة الجمهورية والدائرة القريبة من الرئيس، والتي أحياناً ما تكون متضاربة وغير عقلانية".

وتنفيذاً لتكليفات سابقة من السيسي لمدبولي، عقد الأخير، أمس الأول الأحد، مؤتمراً صحافياً وصفه بـ"العالمي" لإعلان "خطة الدولة المصرية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية"، حسب بيان لمجلس الوزراء.

وأعلن مدبولي، خلال المؤتمر، أن مصر "تستهدف في السنوات الثلاث القادمة رفع نسبة مشاركة القطاع الخاص إلى 65 في المائة من إجمالي الاستثمارات المنفذة". وقال: "نستهدف ضمن برنامج الطروحات 10 شركات تابعة للدولة، بينها شركتان تابعتان للقوات المسلحة، ودمج أكبر 7 موانئ مصرية تحت مظلة شركة واحدة، وأكبر الفنادق المميزة كذلك، لطرح نسب منها في البورصة".

وأضاف مدبولي: "يجب أن ندرك كمصريين أن تداعيات الحرب فرضت علينا أعباءً مالية ضخمة جداً". وتابع: "نستورد 42 في المائة من احتياجاتنا من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، و31 في المائة من السياح الوافدين لمصر من الدولتين"، موجهاً "كل الشكر والتقدير للأشقاء في الدول الخليجية التي وقفت بجانب مصر بهدف الحفاظ على الاستقرار النقدي".

المساهمون