مشروع أميركي لتخفيف الضغوط عن إيران

07 فبراير 2021
طالب بايدن الإيرانيين بوقف تخصيب اليورانيوم أولاً (Getty)
+ الخط -

لا تزال العديد من العقبات تؤخر إحياء الاتفاق النووي الإيراني مع تمسك الطرفين، طهران وواشنطن، بشروطهما. ففي حين أكد المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، اليوم الأحد، أن طهران لن تعود إلى تنفيذ تعهداتها النووية قبل رفع واشنطن العقوبات، والتحقق من هذا الأمر، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن "أميركا لن ترفع العقوبات عن إيران لإعادتها إلى طاولة المفاوضات". وفي حين حاول وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف التخفيف من وطأة تطبيق قانون يدعو لوقف تنفيذ البروتوكول الإضافي في 21 فبراير/شباط الحالي، معلناً أن هذا الأمر لا يعني إغلاق الباب تماماً في وجه الاتفاق النووي، ذكرت وكالة "بلومبيرغ" أن واشنطن تبحث عن مخرج، ولو "إنسانيا"، لتحريك الجمود الحاصل في الملف النووي، مشيرة إلى أن إدارة بايدن تدرس كيفية تخفيف الضغط المالي على إيران، لكن من دون رفع العقوبات الاقتصادية عليها، بما فيها تلك المفروضة على مبيعات النفط. وأعلن بايدن، في مقابلة مع قناة "سي بي أس" بثت اليوم الأحد، أنه لن يرفع العقوبات المفروضة على إيران ما دامت لا تحترم التزاماتها في الملف النووي. ورداً على سؤال عن إمكان رفع العقوبات لإقناع طهران بالعودة إلى طاولة المفاوضات بهدف إنقاذ الاتفاق النووي، أجاب بايدن "كلا". وعندما سألته الصحافية عما إذا كان على الايرانيين أن "يوقفوا أولاً تخصيب اليورانيوم"، هز برأسه إيجاباً.

خامنئي: الطرف الذي يحق له أن يضع الشروط هو إيران

وكانت وكالة "بلومبيرغ" ذكرت، في تقرير أمس، أن إدارة بايدن تدرس سبل تخفيف الضغوط المالية على إيران، بدون رفع العقوبات الاقتصادية عليها، بما في ذلك عدم المساس بحظر تصدير النفط، كخطوة نحو إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 الذي انسحبت منه واشنطن، بقرار من الرئيس السابق دونالد ترامب. وأوضحت أن بعض الخيارات التي يتفاوض بشأنها المسؤولون الأميركيون تشمل تقديم دعم لصندوق النقد الدولي من أجل تقديم قروض لطهران لمواجهة تداعيات فيروس كورونا، وتخفيف وطأة العقوبات التي حالت دون وصول المساعدات الدولية لمواجهة الوباء إلى إيران. وأشارت "بلومبيرغ" إلى أنها قد حصلت على هذه المعلومات من أربعة أشخاص على اطلاع على ما يجري داخل الإدارة الأميركية، موضحة أنه قد يتم تبرير هذه الخطوات على أنها إنسانية. والعام الماضي، تقدمت طهران بطلب للصندوق الدولي لمنحها قرضا بقيمة 5 مليارات دولار لمواجهة تداعيات الفيروس.
وأوضحت الوكالة أن من أكبر التحديات التي تواجهها الإدارة الجديدة موجة العقوبات التي فرضها ترامب، في آخر أيامه في البيت الأبيض، على إيران بتهمة رعايتها للإرهاب. ويشمل ذلك فرض عقوبات تتعلق بالإرهاب على البنك المركزي الإيراني. وأوضحت أن أي تخفيف للعقوبات - حتى لأسباب إنسانية - قد يفشل في تحقيق ذلك، إذا ظلت تسمية الإرهاب قائمة لأن البنك المركزي يشرف تقريباً على جميع الأنشطة المالية للبلاد. ونقلت عن المصادر قولها إن الرئيس الأميركي يمكنه إصدار قرار تنفيذي يقضي بمراجعة قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، مضيفة أن إصدار قرارات قد تسمح لطهران ببيع النفط في الأسواق الدولية ليس مطروحاً حالياً. وقالت الخبيرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلّي جيرانمايه، للوكالة، إنه "خلال الأشهر الأخيرة، كان هناك الكثير من التفكير في كل من أوروبا والمعسكر الديمقراطي حول عدد من التدابير الفورية التي يمكن للولايات المتحدة اتخاذها بشكل واقعي". واعتبرت أن هذه الأفكار "قد تعطي إيران راحة ملموسة".

لكن خامنئي حدد، في أول تصريحات له بشأن الملف النووي منذ تولي بايدن منصبه، سياسة بلاده من العودة إلى تنفيذ تعهداتها النووية بعد دعوات أميركية وأوروبية متصاعدة في الأيام الأخيرة، إذ أكد أن ذلك لن يحصل ما لم ترفع جميع العقوبات الأميركية أولاً. وخاطب خامنئي، في لقاء مع قادة القوات الجوية الإيرانية، الولايات المتحدة والأطراف الأوروبية اليوم الأحد، بالقول "إذا كانوا يريدون أن تعود إيران إلى التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، فعلى أميركا أولاً أن تلغي جميع العقوبات عملياً، وثم نحن نقوم بالتحقق من ذلك. وإذا وجدنا أن العقوبات قد ألغيت بالفعل، حينئذ سنعود إلى تعهداتنا النووية". وشدد على أن "هذه هي السياسة الحازمة للجمهورية الإسلامية ومحل إجماع بين المسؤولين ولن نعود عنها".
وأضاف خامنئي أن "الجمهورية الإسلامية لن تُعير أي اهتمام لما يقوله المتخرصون، سواء في أميركا أو أوروبا". وتابع "إذا تحدثنا بالمنطق فأميركا والدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) الذين انتهكوا جميع التزاماتهم لا يحق لهم وضع شروط"، في إشارة إلى شروط أميركية لعودة طهران أولاً إلى تنفيذ تعهداتها بالكامل قبل عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي. واعتبر أن "الطرف الذي يحق له أن يضع الشروط هو إيران، لأن الجمهورية الإسلامية نفذت جميع تعهداتها، فيحق لنا أن نضع الشروط لاستمرار الاتفاق النووي". وتحدث خامنئي عما سماه "خطأ" الإدارات الديمقراطية الأميركية، خلال العقود الأربعة الماضية، في قراءة أوضاع إيران، مشيراً إلى موقف إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في دعم الاحتجاجات في 2009 على نتائج الانتخابات، والتي وصفها المرشد الإيراني بأنها "فتنة". واعتبر أن العقوبات الأميركية "غير المسبوقة" التي فرضها ترامب ضد إيران كانت تهدف إلى "تركيعها"، مؤكداً أن ذلك "نموذج آخر من الخطأ الذي ترتكبه أميركا في حساباتها". وأشاد خامنئي بالمناورات العسكرية المتعددة التي أجرتها القوات المسلحة الإيرانية أخيراً، ضد التهديدات الخارجية المحتملة، محذراً السلطات الإيرانية من "ارتكاب أخطاء". وقال إن "من الأخطاء الكبيرة هو أن نصبح مرعوبين من قوة العدو أو أن نراهن عليه في الشؤون السياسية والاقتصادية".

ظريف: التعويض ليس شرطاً مسبقاً لإحياء الاتفاق النووي
 

وكانت إيران اتجهت نحو تصعيد خطواتها النووية بعد الإعلان عن فوز بايدن، في تدبير للضغط عليه للعودة إلى الاتفاق النووي وإلغاء العقوبات، ليصادق مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إيران في مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، على مشروع قانون "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات" الأميركية المفروضة على طهران منذ عام 2018 بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي. والقانون المكون من تسعة بنود يعيد البرنامج النووي الإيراني إلى ما قبل الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع المجموعة الدولية، من خلال اتخاذ خطوات نووية لافتة إذا لم ترفع العقوبات، أهم ما نفذته طهران منها حتى الآن كان رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة في وقت سابق من الشهر الحالي، والتلويح برفع التخصيب إلى أكثر من ذلك "إذا استدعت الحاجة".
ومن الخطوات المهمة الأخرى التي ينص القانون على تنفيذها إذا لم ترفع العقوبات الأميركية، هي وقف تنفيذ البروتوكول الإضافي الذي أخضع البرنامج النووي الإيراني لـ"رقابة صارمة" في 21 فبراير/شباط الحالي، و"تدشين مصنع إنتاج اليورانيوم المعدني في أصفهان في غضون 5 أشهر من إقرار القانون"، أي خلال يونيو/ حزيران المقبل. وحاول ظريف، في مقابلة مع شبكة "سي أن أن"، اليوم الأحد، التخفيف من وطأة هذا الأمر. وقال إن "21 فبراير هو الموعد النهائي لوقف الالتزام بالبروتوكول الإضافي للاتفاق النووي"، لكنه أضاف أن "وقف تطبيقنا للبروتوكول الإضافي لا يعني إغلاق الباب تماماً في وجه الاتفاق النووي". وشدد على أن "الاتفاق النووي السابق غير قابل للتفاوض لأنه تم التفاوض بشأنه بشكل كامل". وتابع أن "إيران لم تخرج أبداً من الاتفاق النووي، لكنها خففت بعض الالتزامات"، مشيراً إلى أن حصول إيران على تعويض من الولايات المتحدة عن الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 ليس "شرطاً مسبقاً" لإحياء الاتفاق.
من جهة ثانية، حذّر سفير إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، مجيد تخت روانجي، من التهديدات الإسرائيلية "وأي مغامرة عسكرية" ضد بلاده، مؤكداً أنها ستردّ "بحزم على أي تهديد أو تحرك خاطئ للكيان الإسرائيلي"، وفق ما أوردته وكالة "إيسنا" الإيرانية، اليوم الأحد.
وقال تخت روانجي، في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ومجلس الأمن الدولي، إن "الكيان الإسرائيلي لم يصعّد فقط تصريحاته الاستفزازية الداعية إلى الحرب ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل يخطط بشكل فعال لتنفيذ تهديداته العدائية ضد إيران". وأشار المندوب الإيراني إلى تهديدات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، أواخر الشهر الماضي، متهماً إياه بـ"طرح مزاعم واهية حول البرنامج السلمي الإيراني"، ومعتبراً أن هذه التهديدات "تنتهك البند الثاني لميثاق الأمم المتحدة، وهي تستدعي ضرورة رد مناسب من المجتمع الدولي، بالنظر إلى التاريخ الأسود لهذا الكيان في شن الهجوم على دول المنطقة". من جهة أخرى، ورغم التزام القيادة الإسرائيلية الصمت إزاء ما ورد في الخطاب الذي ألقاه بايدن قبل أيام وتعرض فيه لاتجاهات السياسة الخارجية في عهد الإدارة الجديدة، إلا أن معلقي الصحف اليمينية عبروا عن خيبة أمل واضحة مما ورد في هذا الخطاب. وقد كان أهم ما أثار حفيظة هؤلاء المعلقين من خطاب بايدن ما عدوه مؤشرات على نيته العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. واعتبر أبراهام بن تسفي، في مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية، أن بايدن برر قراره بشأن وقف مبيعات السلاح المتعلقة بالحرب باليمن بدواعٍ إنسانية، إلا أنه في الواقع وظف هذه الخطوة لبعث رسالة لإيران برغبته في العودة إلى الاتفاق النووي معها. أما أرئيل كهانا، المراسل السياسي لـ"يسرائيل هيوم" فكان أكثر تشاؤماً إزاء دلالات خطاب بايدن، حيث أشار إلى أن الإدارة الأميركية تكرس الانطباع بأنها تتجه للعودة إلى الاتفاق النووي الأصلي، وضمن ذلك رفع العقوبات عن طهران.

المساهمون