مراكز الشرطة الصينية في الخارج: واجهة دبلوماسية لمخالب أمنية

24 ديسمبر 2022
صينية بواشنطن تدعم التظاهرات في الصين المناهضة لقيود كوفيد، 4 ديسمبر (جون لمبارسكي/Getty)
+ الخط -

أثار تقرير حقوقي نشرته "مجموعة حماية المدافعين عن حقوق الإنسان" (سايفغارد ديفندرز)، وهي منظمة غير ربحية مقرها إسبانيا، حول مراكز شرطة صينية تعمل في الخارج وتستهدف المنشقين والمعارضين للحزب الشيوعي الصيني، الجدل مجدداً، حول الأدوار "المشبوهة" التي من الممكن أن تكون مشمولة بعمل هذه المراكز، والتي أنشئ بعضها بموجب اتفاقيات أمنية بين الصين وعدد من الدول حول العالم.

واستدعى تقرير المنظمة التي تراقب حالات الاختفاء القسري في الصين، والذي نشر للمرة الأولى في سبتمبر/أيلول الماضي، ثم جرى تحديثه في ديسمبر/كانون الأول الحالي، استنفار بعض الدول، ومن ضمنها الولايات المتحدة، لإجراء تحقيقات بما ورد فيه، والذي نفت بكين صحته.

ويطرح التحقيق أسئلة حول ماهية "مراكز الشرطة" الصينية في ما وراء البحار، وما إذا كانت عشرات الدول قد وافقت على فتحها، علماً أن حقوقيين يرون أن الحراك للتحقيق جاء متأخراً، وقد يكون نتيجة شعور حكومات عدة بـ"الإحراج" بعد نشر التقرير الحقوقي.

102 مركز شرطة صينية بالخارج

وأصدرت "سايفغارد ديفاندرز"، في سبتمبر، تقريراً قالت فيه إن مراكز الشرطة الصينية في الخارج شكّلت جزءاً من برنامج أمني صيني، يستهدف الأفراد المطلوبين من قبل الحكومة الصينية، بما في ذلك المنشقين، من خلال تهديد عائلاتهم والضغط عليهم للعودة إلى البلاد حيث سيتم احتجازهم بعد ذلك.

وورد في التقرير أن السلطات الصينية أنشأت 102 مركز شرطة في الخارج في 53 دولة، وأنه بين إبريل/نيسان 2021 ويوليو/تموز 2022، سجّلت الحكومة الصينية 230 ألف مشتبه فيه في قضايا احتيال بالخارج. كما رأت المجموعة أن مراكز الشرطة هذه انتهكت سيادة الدول المضيفة من خلال السماح لأفراد الأمن بالتحايل على قواعد وإجراءات التعاون الشرطي بين الصين وتلك الدول.

استنفرت 14 دولة على الأقل للتدقيق في عمل هذه المراكز

وكانت المنظمة قد نشرت في يناير/كانون الثاني الماضي، تقريراً حول "العودة غير الطوعية"، وثّقت فيه ما قالت إنها أعمال ضغط وتهديد ومضايقات واستخدام للقوة مارستها الحكومة الصينية بحق مواطنين صينيين في الخارج، لإجبارهم على العودة إلى الصين بهدف محاكمتهم.

وفي تقريرها الثاني في سبتمبر، تحدثت المنظمة عن وجود 54 مركز شرطة صينية في الخارج، وصفتها بـ"السرّية"، ثم قالت في ديسمبر إن للصين 102 مركزاً شرطياً في الخارج، موزعة في 53 دولة، من بينها 48 مركزاً مصرّحاً عنها، وأنشأتها مكاتب الأمن العام الصينية المحلية بالتعاون مع الدول المعنية، من بينها على سبيل المثال 29 مركزاً أنشأها مكتب الأمن العام في مقاطعة نانتونغ ابتداء من 2016.

وذكّرت المنظمة الحقوقية بأن تواريخ الإنشاء تدحض التبريرات الصينية بأن معظم هذه المكاتب فتحت بغرض مساعدة الصينيين في الخارج خلال فترة انتشار كورونا. ومن بين الدول التي تنتشر فيها هذه المراكز: اليابان، كندا، أستراليا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، إسرائيل، السويد، البرتغال، روسيا، بريطانيا، الولايات المتحدة، الإمارات، السودان وفيتنام. وتضم إيطاليا وحدها 11 مركزاً.

ولفتت المنظمة إلى أن هذه المراكز، وإن لم تكن تدار من قبل الحكومة المركزية الصينية، إلا أنها بدأت تحظى بتشجيعها. ولفتت إلى أن نماذج عن عمليات الضغط والإقناع للعودة التي تستهدف المعارضين أو المنشقين أو "المطلوبين" بحسب التقرير، والتي تقوم بها مراكز الشرطة هذه، تستهدف صينيين موجودين على لائحة حملة السلطات الصينية "فوكس هانت" (مطاردة الثعلب) الأمنية.

واعتبرت المنظمة أن بعض مراكز الشرطة الصينية في الخارج فُتحت بـ"التواطؤ" مع بعض الدول، وأن الأخرى "السرّية" تعد انتهاكاً لسيادة الدول المضيفة، حتى ولو كانت مهامها "قنصلية" فقط.

وتُعرف مراكز الشرطة الصينية في الخارج باسم محطة الخدمة الخارجية، وتعني بالصينية "هاي واي فو وو جان"، وهو مصطلح يشير إلى مختلف مكاتب الشرطة الخارجية التي أنشأتها وزارة الأمن العام الصينية في بلدان أخرى. وأنشأت هذه المراكز للمرة الأولى في عام 2014 بناء على مذكرات تعاون أمنية أبرمتها الصين مع 39 دولة آنذاك، قبل أن يتوسع عملها.

ووفقاً للحكومة الصينية، تمّ إنشاء المراكز للسماح للمواطنين بالوصول إلى الخدمات الإدارية مثل تجديد الرخص والمستندات من دون الحاجة إلى السفر إلى الصين، لا سيما أثناء الجائحة. كما أن من مهامها مواجهة الجريمة العابرة للحدود، خصوصاً الاحتيال الإلكتروني. وقالت الصين رداً على التقرير، إن مراكزها "مكاتب خدمية"، وإنها لم تفتح أي مكاتب سرّية.

واعتبرت المتحدثة باسم خارجيتها ماو نينغ، أول من أمس الخميس، أن بلادها "تبقى ملتزمة مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وقواعد القانون الدولي، كما أنها تحترم سيادة جميع الدول. إن ما يسمى بمراكز شرطة خارجية ليس لها أي وجود".

لكن الحراك الدولي لم يهدأ منذ صدور التقرير، واستنفرت 14 دولة على الأقل، للتدقيق في طبيعة عمل هذه المراكز ودورها في ملاحقة المغتربين الصينيين.

وأعلنت حكومات بعض الدول، مثل الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وإسبانيا والبرتغال وهولندا وكوريا الجنوبية، فتحها تحقيقات بالمسألة. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أمرت الخارجية الأيرلندية بإغلاق محطات الخدمة الخارجية الصينية في دبلن. وكذلك فعلت الخارجية الهولندية عندما أمرت بإغلاق مكتبين، وبررت ذلك بفشل الحكومة الصينية في إخطار البلاد بشأن المكاتب الشرطية من خلال الوسائل الدبلوماسية، وأنها كانت تعمل بشكل غير قانوني.

وفي ديسمبر الحالي، استدعت كندا السفير الصيني لديها كونغ بيوو، وأصدرت تحذيراً بشأن عمل المكاتب الصينية. كما أعلنت إيطاليا أن شرطتها ستوقف الدوريات المشتركة مع ضباط الشرطة الصينية داخل المدن الإيطالية.

وذكرت وكالة "رويترز" أول من أمس، أن الحكومة اليابانية تحقق في التقرير ووجهت تحذيراً إلى بكين.

مخالب أمنية

ويرى الناشط الحقوقي لي يونغ وان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الصين استخدمت نفوذها الاقتصادي والسياسي من أجل تمرير أجندات أمنية تخدم أهدافها الاستراتيجية، وقد تجلّى ذلك في الاتفاقيات التي وقّعت عليها مع دول أخرى في إطار ما يعرف بـ"مبادرة الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013.

لي يونغ وان: التقارير الحقوقية أحرجت الحكومات الأجنبية التي كانت تغض النظر عن هذا النوع من الانتهاكات

ويوضح الناشط أن المكاتب الشرطية كانت جزءاً من اتفاقيات ومذكرات تعاون في المجال الأمني بين الصين ودول تضم أعداداً كبيرة من المغتربين الصينيين، وأنها أنشئت ضمن واجهة دبلوماسية لا تحمل أي سلطة شرطية، لكن في حقيقة الأمر كان عمل هذه المكاتب أشبه بالمخالب الأمنية التي تلاحق المغتربين وتنقض على المعارضين والمنشقين.

ويلفت لي إلى أن التقارير الحقوقية الأخيرة أحرجت الحكومات الأجنبية التي كانت تغض النظر عن هذا النوع من الانتهاكات بمزاجها، ولكن بعدما أخذ الأمر أبعاداً سياسية، بات لازماً عليها التدقيق، خصوصاً بعدما ثبت نجاح السلطات الصينية في استرداد عشرات الآلاف من المعارضين خلال السنوات الأخيرة عبر عمل الوكالات الأمنية.

مظلة قانونية

من جهته، يقول أستاذ العلاقات العامة في جامعة شاندونغ، تيان ووي، لـ"العربي الجديد"، إنه رغم الانتقادات الموجهة لمراكز الشرطة الخارجية، فإنها أنشئت لأهداف مشروعة وضمن اتفاقيات دولية تقوم على أساس الاحترام المتبادل وعدم انتهاك سيادة الدول الأخرى، فضلاً عن مساهمتها في مساعدة ضحايا الجريمة العابرة للحدود من المواطنين الصينيين وعدم تركهم من دون مظلة أو حماية أمنية وقانونية.

ويضيف: تخدم هذه المراكز ملايين الصينيين المقيمين في الخارج، خصوصاً خلال فترة الوباء. ويلفت إلى أنه منذ مطلع العام الحالي، تمكنت هذه المكاتب في دول آسيوية مثل ميانمار وكمبوديا من حلّ أكثر من 350 قضية جنائية، كما ساهمت في تحرير رهائن صينيين كانوا قد اعتقلوا عبر عصابات أجنبية تعمل في الاتجار بالجنس والنساء.

المساهمون