محكمة أفريقية تقضي بعدم دستورية إجراءات قيس سعيّد: ما دلالات القرار؟

23 سبتمبر 2022
طالبت المحكمة بالعودة للديمقراطية الدستورية (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

قررت المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب دعوة الدولة التونسية إلى إلغاء الأمر الرئاسي 117 الذي مكّن قيس سعيد من التفرُّد بالسلطات بعد 25 يوليو/تموز 2021، وكذلك الأوامر التي تولّدت عنها، معتبرة أن هذا الأمر غير دستوري وغير قانوني ومناف للمعايير الإقليميَّة والدُّوليَّة، كما طالبت بالعودة للديمقراطيّة الدستورية.

وأوضح المحامي التونسي، إبراهيم بلغيث، اليوم الجمعة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الحكم ملزم للدولة التونسية في معنى القانون الدولي، بحسب المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها ووقّعت عليها الجمهورية التونسية، وبحسب ولاية المحكمة الأفريقية فهي ملزمة للدول الأعضاء، رغم عدم وجود آليات جبرية لإلزام الدولة التونسية بتنفيذ قرارها".

وبيّن المحامي الذي تقدّم بالدعوى أن "النص يتعرّض إلى اتخاذ الحكومات الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، الآليات الكفيلة للتصدي لهذا السلوك"، مشيراً إلى أن "مخطط عمل المحكمة لم يضبط بعد الآليات مع الاتحاد الأفريقي".

وتابع أن "هذا الحكم هو انتصار للمبدأ حتى وإن لم تلتزم السلطات في تونس بتنفيذه، فهو إقرار دولي بالمسار الصحيح الذي يجب استعادته".

وأكد بلغيث أن "هذه المحكمة مختصة في حقوق الإنسان، وقد أقرت انتهاك الدولة التونسية حق المشاركة في الحياة العامة كحق من حقوق الإنسان، والحق في المحاكمة العادلة، وغياب المحكمة الدستورية، وعدم تطبيق المواد المؤسسة لدولة القانون والمؤسسات، وفي ضمانات عدم التكرار والمعالجة".

وشدد على أن "المحكمة طلبت من الدولة التونسية إلغاء الأمر 117 والأوامر الرئاسية اللاحقة، وأمهلت الدولة عامين للعودة إلى الديمقراطية الدستورية، والدولة مطالبة كل 6 أشهر منذ الإعلان عن الحكم بتقديم تقرير حول الوسائل المعتمدة لتطبيق هذا الحكم وتنفيذه".

وبيّن أن "وقع هذا الحكم وصداه على المستوى الخارجي والدولي يتجاوز الجانب الحقوقي والقانوني، وفيه تأثير سياسي محرج للسلطات التونسية".

وكانت المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، قد طالبت في قرارها رقم 017/2021، "بإلغاء الأمر الرئاسي رقم 117 الصادر في 22 سبتمبر/أيلول 2021 (تدابير استثنائية) والمراسيم الرئاسية 69 (إعفاء رئيس الحكومة وزير الدفاع ووزيرة العدل بالنيابة) و80 (تعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة عن النواب) و109 (تمديد إجراءات الأمر 80) الصادرة في 26 و29 يوليو/ تموز 2021 و24 أغسطس/آب 2022 والعودة إلى الديمقراطية الدستورية من تاريخ تبليغ هذا الحكم".

وقالت إنها "تنظر في هذه القضية نظراً لغياب المحكمة الدستورية (في تونس)، ولا توجد محكمة أخرى أو جهاز لدى الدولة المدعى عليها يمكنه النظر في المنازعات الدستورية ذات الصلة بسلطات الرئيس والمرفوعة من طرف الأفراد العاديين".

وأضافت أن "التدابير الاستثنائية المُتخذة من طرف الدولة المدعى عليها (تونس) لم تصدر وفقاً للقوانين المعمول بها في الدولة المدعى عليها، ولم تكن متناسبة مع الغرض الذي اعتُمدت من أجله".

وتابعت المحكمة أن "الدولة المدعى عليها انتهكت حق الشعب في المشاركة في إدارة شؤونه العامة، كما هو مكفول في المادة 13 من الميثاق (الأفريقي لحقوق الإنسان)".

ووفق المحكمة الأفريقية، فإن الدولة التونسية "انتهكت كذلك المادة 1 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان".

وطالبت المحكمة تونس "بإعداد تقرير خلال أجل قدره 6 أشهر ابتداء من تاريخ تبليغ الحكم حول الإجراءات المتخذة لتنفيذه، ومن ثم تقديم تقرير كل 6 أشهر".

وتلقّت المحكمة الأفريقية في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021 عريضة رفعها المحامي لدى التعقيب ولدى المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، إبراهيم بلغيث، ضد الجمهورية التونسية، والتي اعتبر فيها أن الدولة التونسية انتهكت حقوقه المكفولة في الميثاق الأفريقي وعدد من المعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان، إثر صدور عدد من الأوامر الرئاسية سنة 2021.

والمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب هي محكمة قارية أنشئت وفق بروتوكول بين 32 دولة أفريقية عام 1998 دخل حيز التنفيذ في 2004.

وللمحكمة الاختصاص للنظر في جميع القضايا والنزاعات التي ترفع إليها بخصوص تفسير وتطبيق الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وكل صكّ آخر يتعلق بحقوق الإنسان صادقت عليه الدولة المعنية. 

وتتكون هيئة المحكمة من 11 قاضياً منتخبين من قبل الاتحاد الأفريقي من بين مرشحين ترشحهم الدول الأعضاء.

وأعيد انتخاب القاضي التونسي رافع بن عاشور عن إقليم الشمال الأفريقي، لدورة جديدة في عام 2022 خلال اجتماعات المجلس التنفيذي لوزراء الخارجية الأفارقة، والتي تنافس فيها مرشحون من سبع دول أفريقية.

وأصدرت المحكمة حكمها الأول في عام 2009، ومنذ ذلك الحين أصدرت أحكاماً في 23 شكوى. في عام 2013 ، أصدرت المحكمة قرارها الأول بشأن الأسس الموضوعية، في قضية ضد تنزانيا فيما يتعلق بالعملية الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية.

تجدر الإشارة إلى أن الدولة التونسية أصبحت طرفاً في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب في 21 أكتوبر/تشرين الأول 1986، ثم طرفاً في بروتوكول الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشأن إنشاء محكمة أفريقية في 5 أكتوبر 2007، فيما أودعت الجمهورية التونسية في 16 إبريل/نيسان 2017 لدى مفوضية الاتحاد الأفريقي، الإعلان الذي يقضي بقبول اختصاص المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في تلقي الدعاوى المرفوعة من الأفراد والمنظمات غير الحكومية.

وتعيش تونس أزمة سياسية مستمرة منذ 25 يوليو 2021 حين بدأ الرئيس سعيد فرض إجراءات استثنائية، بينها حل البرلمان، ومجلس القضاء، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وتمرير دستور جديد للبلاد في 25 يوليو الماضي.

وتعتبر قوى سياسية، في مقدمتها "النهضة"، هذه الإجراءات "انقلاباً على دستور 2014، وتكريساً لحكم فردي مطلق".

المساهمون