محافظات عراقية تطالب بتدخل برّي أميركي لمواجهة "داعش"

13 أكتوبر 2014
يأس من إمكان تقدم الجيش (حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -

بعد فشل الغارات الجوية للتحالف الدولي على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بتحقيق تغيير ملموس على الأرض العراقية، وفي ظل اعتراف مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية لوكالة "فرانس برس" بأن القوات الحكومية العراقية "في وضع هش" وبحاجة ملحّة إلى التدريب لتتمكن من مواجهة التنظيم في غربي العراق، تعالت أصوات مسؤولين عراقيين سياسيين وحكوميين مطالبة بتدخل برّي أميركي سريع قبل انهيار الجيش العراقي بشكل كامل واقتحام العاصمة بغداد من قِبل التنظيم، الذي يبدو في حالة قتالية جيدة على الرغم من مرور نحو شهرين على أول الضربات الجوية الأميركية في العراق على مواقعه.

ويكشف نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار فالح العيساوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مجلس المحافظة صوّت بالإجماع على طلب تدخل قوات برية أميركية أو دولية غربية في المحافظة لإيقاف تنظيم "داعش" وتحرير مدن المحافظة التي يسيطر عليها منذ أشهر.

ويوضح العيساوي أن "المجلس أرسل الطلب وفقاً للدستور العراقي الفقرة 21 للعام 2008 إلى الحكومة الاتحادية في بغداد، لمخاطبة منسّق التحالف الدولي الجنرال جون آلن حول ذلك".

ويلفت إلى أن "مجلس الأنبار باعتباره أعلى سلطة تشريعية في المحافظة، يرى أن التدخل البري بات ضرورياً قبل أن يكتسح "داعش" جميع مدن الأنبار التي تمثل ثلث البلاد"، مؤكداً أن "القرار حظي بموافقة ومباركة من زعماء القبائل الرافضين لداعش".

ويأتي تصويت مجلس الأنبار على القرار بالتزامن مع اجتماع مغلق استمرساعات عدة بين زعماء قبليين ومسؤولين من المحافظة مع السفير الأميركي في بغداد ستيوارت جونز، عُقد ليل الجمعة بحضور زعيم قوات الصحوة العشائرية أحمد أبو ريشة.

وبحسب مصدر مطلع، فإن السفير الأميركي وعد المسؤولين بنقل طلبهم إلى الإدارة الأميركية والرد عليه في أسرع وقت ممكن.

ويكشف المصدر نفسه، وهو أحد أعضاء الوفد المشارك في الاجتماع، لـ"العربي الجديد"، أن "جونز شارك المسؤولين العراقيين رأيهم في صعوبة تمكّن القوات العراقية بمفردها من كسر تنظيم داعش أو تحرير المدن التي يستولي عليها"، موضحاً أنه في الوقت نفسه أكد لأعضاء الوفد أن "تيارات معينة ترفض هذا التدخل تماشياً مع أجندة طهران".

ويشير المصدر إلى أن "التفويض الممنوح للتحالف بتدخل بري، وفي حال الموافقة عليه، سيكون في الأنبار فقط وفقاً للقانون إذا ما وافقت حكومة بغداد على ذلك".

من جهته، يدافع عضو مجلس الأنبار مزهر الملا، عن قرار الموافقة على تفويض أميركي للتدخل في المحافظة، بالقول إن "الجيش العراقي بات غير قادر على حماية نفسه وهو ينهار كل يوم في مدينة ما، والأسلحة التي حصل عليها من الغرب أخيراً أصبحت بيد "داعش"، كما أن لا مجال للحديث عن نجاح التدخل الجوي لأنه لم يحسم معركة في تاريخ الحروب الحديثة والقديمة"، داعياً "المعترضين على القرار بحجة السيادة وانتهاكها، ليعلموا أن السيادة منتهكة حالياً من "داعش" الذي يرفع علمه وينصب محاكمه في أجزاء واسعة من العراق، ويتصرف كدولة في داخله".

ويرى الملا في حديث لـ"العربي الجديد" أن "تأهيل الجيش العراقي سيتطلب على الأقل خمس سنوات ليصبح قادراً على احتواء المشاكل، وبالتالي فإن بقاءنا على هذا الحال يعني أن داعش سيبتلع بغداد أيضاً"، متسائلاً "هل الحل بأن نبقى نتفرج على مدننا بحجة السيادة ونخسر دماء وأرواح المئات يومياً، ونحن والجميع نؤمن بألا أحد قادر على هزيمة "داعش" في العراق أو سورية سوى القوات البرية الأميركية"، متوجّهاً للمعترضين بالقول "إن القوات البرية الغربية ستنسّق مع بغداد، لكن "داعش" لا ينسّق معها حالياً".

ولا يبدو أن المطالبة بتدخل بري أميركي قد اقتصرت على الأنبار فقط، إذ كشف مسؤول نافذ في الحكومة العراقية لـ"العربي الجديد" عن وصول طلبات مشابهة لقرار الأنبار بتدخل بري أميركي، في صلاح الدين ونينوى.

ويوضح وزير في حكومة حيدر العبادي، أن "طلبات فردية قُدّمت من مسؤولين بارزين وزعماء قبليين إلى السفارة الأميركية ومنسّق التحالف الدولي تطالب بتدخل أميركي عبر قوات خاصة للبدء في اقتحام المدن".

ويعيد الوزير الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، "ارتفاع الأصوات المطالبة بالتدخل الغربي لأسباب مختلفة، أهمها يأس القادة السياسيون والحكومة من إحراز الجيش العراقي تقدم، واستغلال ضربات التحالف في تحقيق نتائج على الأرض، إضافة الى تنامي قوة "داعش" وزيادة بطشه، فضلاً عن مخاوف من هيمنة المليشيات الشيعية الموالية لإيران والتي تتحرك بأوامر منها، على مدنهم وارتكابها مجازر فيها بدوافع طائفية وإحداثها تغييراً ديموغرافياً، خاصة في مناطق صلاح الدين وديالى وجزءاً من نينوى وحزام بغداد".

وفيما يشير الوزير نفسه إلى "وجود تحسس لأطراف حليفة لإيران من أي تدخل عربي في العراق"، يشدد على أن هناك "رفضاً وعداءً واضحاً لإيران من سنّة العراق حتى من أولئك الذين أعلنوا الحرب ضد "داعش"، وهم يفضّلون قوات غربية على تلك المليشيات التي ترفع شعارات طائفية وتورطت في السابق في مجازر وعمليات تطهير أثنية".

في المقابل، اعتبرت قيادات عراقية حليفة لإيران ازدياد الدعوات المطالبة بالتدخل البري بداية لتنفيذ مخطط لتقسيم العراق أُعد له مسبقاً، مطالبة برفض تلك الدعوات.

وقال رئيس كتلة "الدعوة الإسلامية" ضمن "التحالف الوطني" الحليف لإيران، خلف عبد الصمد، إن "المطالبة بتدخل بري أميركي يمكن وصفها بأنها تندرج ضمن خطة تقسيم العراق".

وأضاف عبد الصمد في بيان أن "هناك شكوكاً في نوايا التحالف الدولي وجديته في محاربة تنظيم "داعش"، وهذا يفسر عدم إحراز التحالف أي تقدم على الأرض، وقد يكون ذلك وسيلة للضغط على العراقيين للمطالبة بتدخل بري شامل في العراق"، معتبراً أن "قرار الأنبار بتفويضها نشر قوات برية أميركية أمر خاطئ وقد يندرج ضمن تقسيم العراق".

أما زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، فهدّد بسحب مليشياته من المواجهة مع "داعش" في حال دخول قوات برية أميركية الى العراق.

وقال الصدر في بيان إن "تواجد القوات الغازية وقيامها بعمليات عسكرية داخل الأراضي العراقية يستدعي منا عدم التدخل في تلك الحرب والانسحاب منها، وعلى الحكومة ألا تجعل من التدخل الأميركي وتحالفه ثغرةً لتفكيك العراق، فهم لا يريدون بنا إلا الشر".

وبينما لا تزال الحكومة العراقية تلتزم الصمت إزاء دعوات التدخل البري الأميركي في العراق، يؤكد مصدر عسكري في وزارة الدفاع العراقية معلومات سابقة حصلت عليها "العربي الجديد" حول إمكانية موافقة رئيس الحكومة العراقية حيد العبادي على تدخل برّي محدود في مناطق معينة من العراق تصنف ضمن "المناطق المستعصية معالجتها" من قِبل الجيش العراقي، متخذاً من تفويض حكومات تلك المناطق حجةً وغطاءً يدافع به عن نفسه أمام خصومه في "التحالف الوطني".

ويضيف المصدر الذي يشغل رتبة عميد ركن في هيئة رئاسة أركان الجيش العراقي، لـ"العربي الجديد" أن "كل المؤشرات تشير إلى فشل الجيش العراقي وعجز فتوى الجهاد التي أطلقها المرجع الديني علي السيستاني في حشد العدد الكافي لاستعادة المدن أو إيقاف تقدم "داعش". وهو ما يعني استنفاذ كل الأوراق الموجودة وزيادة مخاوف اقتحام بغداد وسامراء الذي سيشعل حرباً أهلية حقيقية ومخيفة تمتد إلى دول أخرى في المنطقة، لذلك سيكون اللجوء إلى الخيار المر وهو المطالبة بتدخل عسكري أميركي تحت غطاء شرعي يتم منحه تفويضاً لستة أشهر قابلة للزيادة".

ويؤكد المصدر أن "الحيرة داخل الأروقة الحكومية ليست في كيفية معالجة دخول القوات البرية الأميركية أو المتعددة الجنسيات الغربية تحت غطاء قانوني سيادي، لكن هناك مخاوف من رفض تلك الدول مساعدة العراق برياً أو تأخّرها في تلبية الطلب لأشهر عدة، وإبقاء وتيرة الغارات على حالها، في الوقت الذي يزداد فيه داعش نمواً وشراسة".

وفي السياق نفسه، يعتبر القيادي في "الحزب الشيوعي" العراقي جمال أحمد، أن دخول القوات البرية الأميركية أمراً لا بد منه "وهو كالدواء المرّ".

ويرى أحمد في حديث لـ"العربي الجديد" أن "على الولايات المتحدة أن تُصلح ما أفسدته في العراق في العام 2003 عندما مزّقته وأضعفته وحوّلته إلى دولة مليشيات وإرهاب، وهذا واجب أخلاقي عليها"، مشيراً الى أن "الوضع الحالي ينبئ بألا شمس ستشرق في العراق قريباً في ظل ضربات الجيش العراقي غير المؤثرة في خاصرة داعش".