جدل بشأن مرسوم انتداب العسكريين وعسكرة الوظائف المدنية في الجزائر

03 اغسطس 2024
تبون يحيي الجيش الجزائري خلال عرض عسكري في الجزائر العاصمة، 05 يوليو 2022 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **مرسوم رئاسي جديد وانتقادات واسعة:** وقع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مرسوماً يسمح بانتداب ضباط وعسكريين لشغل مناصب مدنية لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، مما أثار جدلاً حول عسكرة الوظائف المدنية.

- **مواقف متباينة من المرسوم:** عبد الرزاق مقري انتقد المرسوم، معتبراً أنه يعزز من سيطرة المؤسسة العسكرية، بينما دافع الهاشمي جعبوب عنه، مشيراً إلى أن الانتداب ليس جديداً ويضيف تضييقات مقارنة بالقوانين السابقة.

- **تبعات المرسوم على المجتمع والاقتصاد:** الباحث فيصل ازغدارن أشار إلى أن المرسوم قد يؤدي إلى عسكرة المجتمع والحد من الحريات النقابية، مما يثير مخاوف النخب المدنية والاقتصادية من تأثيره السلبي على التوظيف وهجرة الأدمغة.

عاد الجدل والنقاشات السياسية في الجزائر بشأن مضمون مرسوم رئاسي حول انتداب العسكريين والضباط لشغل بعض المناصب والوظائف لدى الإدارات المدنية العمومية، وإدارة المؤسسات العامة والحيوية، ضمن سياق المخاوف مما يوصف بـ"عسكرة الوظائف" واستنساخ التجربة المصرية، بعد نشر شخصيات سياسية بارزة ومسؤولين حكوميين سابقين مواقف وتقديرات متباينة بشأن هذه الخطوة.

وفي 8 يوليو/ تموز الماضي، وقع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مرسوماً رئاسياً يسمح بانتداب ضباط وعسكريين لشغل مناصب ووظائف مدنية، ويحدد شروط ذلك، وينص المرسوم الجديد على أنه "يتم انتداب الضباط العمداء والضباط السامين لشغل بعض الوظائف العليا في الدولة ضمن القطاعات الاستراتيجية والحساسة من حيث السيادة والمصالح الحيوية للبلاد، وتمديده حصرياً بعد الموافقة المسبقة لرئيس الجمهورية، بموجب مقرر من وزير الدفاع الوطني وبالتنسيق مع السلطة المسؤولة عن الإدارة المدنية العمومية المعنية".

ويسمح النص الجديد بإمكانية انتداب العسكريين في الوظائف المدنية لمدة أقصاها ثلاث سنوات، على أن يبقى هؤلاء على تبعية كاملة لمجموع الواجبات القانونية الأساسية التي تحكم حالة العسكري، يتقاضون رواتبهم وفق النظام العسكري، وتستمر وزارة الدفاع الوطني في تسيير مسارهم المهني.

ونشر الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، كبرى الأحزاب المعارضة النيابية في الجزائر، عبد الرزاق مقري، تقدير موقف، انتقد فيه بشدة المرسوم الجديد، واعتبر أنه يرسّخ توجه عسكرة يتعارض مع مبدأ تمدين العمل السياسي. واعتبر مقري أنّ "تسيير القطاعات المدنية بإطارات من المؤسسة العسكرية يؤشر على توجه سياسي قائم وثقافة تنمو باطراد في الجزائر نحو مزيد من الإغلاق السياسي والتحكم الكامل في كل مناحي الحياة من طرف السلطة الحاكمة بالاعتماد على المؤسسة العسكرية والأمنية، ولن يكون ذلك أبداً في مصلحة البلاد"، مشيراً إلى أنه "يتنافى تماماً مع معايير الحكم الراشد، ومنها الشفافية والمساءلة والعدالة في الفرص، ذلك أن لا أحد يستطيع - عملياً - أن يسأل المؤسسة العسكرية ولا محاسبتها عن معايير التوظيف ولا عن الإخفاق إذا وقع، وهي تجربة مجربة في بلد من البلاد العربية ولم تزدد هذا البلد إلا فساداً وضعفاً واضطراباً"، في إشارة منه إلى التجربة المصرية.

وقرأ مقري صدور هذا المرسوم على نحو يعكس مؤشراً بأنه "لا توجد كفاءات مدنية في الدولة وهذا طعن في منظومة التعليم وفي المنظومة الإدارية الجزائرية، وهو إعلان فشل للنظام السياسي، إلى الحد الذي يدفع إلى اللّجوء إلى إطارات المؤسسة العسكرية"، لافتاً إلى أن ذلك من "شأنه أن يعمّق عدم ثقة المواطنين والإطارات بمؤسساتهم المدنية، وسيؤدي إلى مزيد من هجرة الكفاءات"، مشدداً على أنه ليس من مهام المؤسسة العسكرية إدارة المؤسسات المدنية، بينما دورها المركزي يتعلق بتطوير اختصاصاتها المتعلقة "بتطوير قدرتها الاستخبارية، والقدرات التسليحية والعملياتية العصرية، والمؤثرة في التوازنات عن بعد، والتفوق التكنولوجي إلى الحد الذي يجعلها رائدة في الابتكار كما هو حال الدول العظمى، وفي حماية الحدود والقدرة على التأثير في الأعماق الاستراتيجية الإقليمية وفي إقامة التحالفات وحمايتها بما يحفظ المنطقة كلها".

لكن وزير العمل والتجارة السابق الهاشمي جعبوب، ردّ سريعاً في إطار مناكفة سياسية على التقدير الذي نشره مقري، وكتب مرافعة قانونية يوضح فيها تسلسل الوقائع المرتبطة بانتداب العسكريين وأفراد الجيش في الإدارات المدنية العمومية، وأكد أنّ المرسوم الجديد، ليس طارئاً بحكم أن سلسلة مراسيم سابقة صدرت في السياق نفسه، بداية من مرسومين صدرا في أكتوبر/ تشرين الأول 1969، واللذين يقرّان بمبدأ انتداب أفراد الجيش لدى الإدارات المدنية أو المؤسسات العمومية أو الجماعات المحلية أو المنظمات الوطنية والدولية بحكم الاحتياجات الوظيفية في تلك الفترة الأولى من استقلال البلاد، حيث كانت الجزائر تعاني نقصاً كبيراً في الإطارات.

وأكد جعبوب أنّ شهر فبراير/ شباط من عام 2006، شهد صدور القانون الأساسي العام للمستخدمين العسكريين، والذي رسّخ إمكانية وضع العسكري في حالة الانتداب لشغل منصب عمل في الإدارة المدنية العمومية أو لدى هيئة دولية أو في إطار القيام بمهمة تعاون مع دولة أخرى، وحددت مدة الانتداب بسنة واحدة قابلة للتجديد ثلاث مرات على الأكثر، قبل صدور المرسوم الأخير في الثامن من يوليو/ تموز الماضي.

وأشار إلى أنه، وبخلاف ما يعتقد البعض، فإنّ المرسوم الجديد الذي يحدد شروط وكيفيات إحالة العسكريين على وضعية الانتداب لدى الإدارات المدنية العمومية "أضاف تضييقاً وهو تحديد الانتداب بمرة واحدة طيلة المسار المهني للعسكري"، كما أنه "لا يضيف أية صلاحيات إلى المؤسسة العسكرية عن طريق انتداب أفرادها لدى الهيئات المدنية مقارنة بما كان عليه الوضع سابقاً، ولا مجال في نظري لإثارة مثل هذه المخاوف"، موضحاً أن هناك نماذج في دول غربية تتيح الأمر نفسه، على غرار القانون الفرنسي الذي يجيز وبشكل أوسع انتداب العسكريين لدى الإدارات والمؤسسات العمومية والخاصة ولدى الجماعات المحلية والجمعيات والهيئات الوطنية والدولية.

مرسوم انتداب العسكريين في الجزائر.. أي تبعات؟

بين هذين الموقفين، يطرح الباحث المتخصص في النظم والسياسات، فيصل ازغدارن، في مقالة حديثة، وجود تبعات مختلفة إيجابية وسلبية لمرسوم انتجاب العسكريين الجديد، ويوضح أنه "في جميع الديمقراطيات، يعد الجيش وسيلة للاستقرار الأمني ​​وحماية الأمة، وفي حالة الجزائر فإنّ المؤسسة العسكرية حاضرة بقوة في كل المراحل المفصلية للدولة وفي قلب المشروع الوطني للتنمية"، مضيفاً أنّ هناك مخاوف مشروعة لدى الكثير من النخب بشأن أن "يؤدي هذا الإجراء إلى عسكرة المجتمع، فانتداب إطارات عسكرية في مناصب مدنية، وفي شركات كبرى،  بحكم أن هذه الإطارات تقع تحت القانون العسكري، قد يؤدي إلى الحد من نشاط السلطة المضادة من منظمات تعاونية عمالية ونقابات عمالية، والذي من شأنه أن يحد من الحريات النقابية، الفردية منها والجماعية، على المستوى الاقتصادي".

وأضاف أنه "قد يتبادر إلى الذهن أن هذا الانتداب، سيأخذ أبعاداً كبيرة في المستقبل، فثمة مخاوف لدى الجامعيين والنخب المدنية في القطاع الاقتصادي، من كساد اليد العاملة الفنية والإطارات المسيرة، بسبب تطبيق هذا المرسوم، الشيء الذي بإمكانه إحداث خلل في التوظيف، وهجرة الأدمغة، التي استفحلت مؤخراً وفي كل القطاعات في الجزائر".

المساهمون