يبدو أنّ بوابة "محاربة داعش" تُواصل التوسع والتمدّد، حتى باتت تتسع لدخول الجميع على اختلاف تناقضاتهم من دول ومنظمات وقوى مختلفة، ومنها يلج كل طرف لتحقيق مصالحه الخاصة، بينما تُترك "ثورة الشعب السوري" يتيمة منبوذة.
وفي هذا الإطار، جاء ما أوردته صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية بشأن موافقة ضمنية أميركية على مشاركة روسيا وإيران في القتال إلى جانب نظام بشار الأسد، بحجة توحيد الجهود لمحاربة تنظيم "داعش". والمشاركة الروسية المشار إليها بحسب الصحيفة الإسرائيلية، تتمثل في قدوم طيارين روس إلى سورية وتنفيذهم طلعات جوية مستخدمين مروحيات قتالية ومقاتلات تابعة لسلاح الجو الروسي ضد أهداف "داعش"، وضد "المليشيات الإسلامية المتطرفة".
وأهم ما يلفت في هذه المعطيات هو الموقف الأميركي الذي يتجه إلى غض الطرف عن الدور الروسي-الإيراني الجديد، وانتقاله من الدعم السياسي والعسكري واللوجستي لنظام الأسد، إلى المشاركة الفعلية والفاعلة في القتال إلى جانبه، بغية حسم الحرب التي توشك على التسبب في انهيار النظام بشكل تام.
والموقف الأميركي الذي طالما غض النظر عن الدعم الإيراني المفتوح لنظام الأسد، وبدأ يتقبل فكرة أن إيران يمكن أن تكون فاعلاً رئيسياً في محاربة "داعش" على الجبهتين العراقية والسورية، يتجه أيضاً كما يبدو لتقبل فكرة مشاركة روسيا العلنية في القتال إلى جانب النظام، بحجة محاربة "داعش"، على الرغم من حقيقة أن الهزائم الرئيسية التي لحقت بقوات النظام خلال الأشهر الأخيرة لم تكن على يد التنظيم بل بواسطة القوى التي تصنفها واشنطن بالمعتدلة، خصوصاً في إدلب وحماه ودرعا، فضلاً عن وجود معطيات عديدة عن تنسيق ما بين قوات النظام و"داعش" لإضعاف ما يوصف بالقوى المعتدلة في المعارضة السورية خدمة للطرفين. فالنظام يريد أن يكرس مقولة إما هو أو "داعش"، والأخير يعتبر تلك القوى لا تقل خطورة عليه من النظام، وهو بأحسن الأحوال لا يميز بين النظام وتلك القوى باعتبار أن الجميع يمثلون عقبة على طريق تحقيق طموحاته في بناء دولته الإسلامية المزعومة.
والواقع أن روسيا التي طالما تمسكت بموقفها الداعم لنظام الأسد، نجحت كما يبدو حتى الآن في تسويق منطقها الذي يتجاهل أساس المشكلة في سورية، فيركز على "محاربة الإرهاب" كمدخل وحيد لحل القضية السورية، مع حصر هذا الإرهاب في تنظيم "داعش" في المرحلة الأولى على أن يتوسع لاحقاً ليضم مجمل التشكيلات الإسلامية التي يصنّفها محور النظام (دمشق، موسكو، طهران) كمنظمات إرهابية، وهي تشمل عملياً معظم القوى التي تقاتل النظام.
اقرأ أيضاً: الروس في سماء سورية بموافقة ضمنية أميركية
وهذا التصور الروسي للحل الذي يريد جمع النظام والمعارضة في خندق واحد ضد "الإرهاب"، وإن كان لا يلقى صدى واضحاً من واشنطن، من غير المرجح أن يُكتب له النجاح، بسبب ممانعة القوى الرئيسية الفاعلة على الأرض والتي تعتبر أن معركتها الرئيسية هي مع النظام الذي يُمثّل من وجهة نظرها ذروة الإرهاب، وما تنظيم "داعش" سوى ظاهرة عرضية من إنتاج النظام وحالة التخاذل الدولي تجاه المسألة السورية، وأنه بمجرد سقوط النظام، سوف تتلاشى ظاهرة "داعش".
وفي سبيل التغلب على هذه العقبة، أي التصادم مع القوى السورية المعارضة، اجتهدت روسيا خلال الأشهر الماضية في محاولات متكررة لجمع "معارضة سورية" ودفعها للتوافق على هذا الهدف، أي أولوية "محاربة الإرهاب"، كما سعت للعمل على الفكرة نفسها مع بعض الدول الإقليمية. لكن ما غاب عن هذه الاستراتيجية الروسية هو أن القوى السورية التي تعمل على إقناعها بمثل هذه الحلول، ليست فاعلة على الأرض، وليس لها تأثير يذكر على التطورات الميدانية.
وما تثبته الوقائع باستمرار، أن الواقع على الأرض أكبر وأعقد من تصورات الجميع، حتى عند الحديث عن تأثير القوى الإقليمية على الداخل السوري، وهي قوى متعددة ومتنوعة ولا يمكن إقناعها جميعاً بالفكرة نفسها، فضلاً عن العامل الأهم، وهو أن القوى العسكرية العاملة على الأرض استطاعت أن توجد لنفسها آليات تغذية ذاتية بحيث لا تتأثر كثيراً بأي انقطاع للدعم الخارجي.
وبالنسبة للقوى السياسية السورية، فطالما عبرت عن اعتقادها بأن ما تسعى إليه روسيا حقيقة هو إعادة تعويم نظام الأسد، من بوابة الحرب على الإرهاب، بما يتضمن من نسف لصيغة جنيف للحل السياسي في سورية القائمة على تشكيل هيئة حكم انتقالية يتنحى معها الأسد عن الحكم وتُختتم بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وهي صيغة خضعت أيضاً للطعن من جانب المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي قدّم أخيراً رؤيته للحل والتي تقوم على تشكيل عدة لجان تعمل بالتوازي، من دون الإشارة إلى مصير الأسد.
ويبدو أنّ جميع هذه الاجتهادات والمناورات مرتبطة بالمصادقة على الاتفاق النووي الإيراني الذي إن تم قد يجعل الحضور الإيراني ومعه الروسي في الملف السوري، وبقية ملفات المنطقة، فاعلاً بشكل رسمي، وربما بتفويض دولي اقتراباً من مقاربة محاربة الإرهاب أولاً، وهي مقاربة تصطدم بشدة بالفاعلين السوريين على الأرض، ما يعني أن الصراع السوري ليس على أبواب حل، بل سيشهد فصول مماطلة جديدة.
اقرأ أيضاً: إيران تؤكد استمرار دعم محور المقاومة وعدائها لأميركا