العدالة الانتقالية في تونس: جلسات مؤجلة ومسار متعثر

07 نوفمبر 2024
جلسة حول قضية الزعيم صالح بن يوسف، 12 يونيو 2024 (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعثر العدالة الانتقالية في تونس: بعد سبع سنوات، لم تُحل أي قضية بسبب تأجيل الجلسات القضائية لعدم اكتمال تركيبة هيئة الدائرة المختصة، مما يثير اليأس بين عائلات الضحايا.

- قضايا تاريخية مؤجلة: تشمل قضية اغتيال صالح بن يوسف، حيث يطالب نجله بالاعتراف الرسمي بمسؤولية الدولة وإلغاء الأحكام الصادرة ضد والده.

- التحديات والآمال المستقبلية: يشير الخبراء إلى سياسة ممنهجة لتعطيل العدالة، مؤكدين على أهمية المحاسبة والإصلاح المؤسسي، مع التزام الدولة بتنفيذ 192 توصية لتحقيق المصالحة.

لا يزال مسار العدالة الانتقالية في تونس متعثراً بعد مضي نحو سبع سنوات على انطلاق عمل الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية، ولم يتم البت في أي ملف إلى حد الآن، كما أن الجلسات القضائية تؤجل باستمرار نظراً لعدم اكتمال تركيبة هيئة الدائرة المختصة.

واليوم الخميس، أُجلت عدة جلسات تهم زعماء من الحركة الوطنية في خمسينيات القرن الماضي، ومنها قضية اغتيال الزعيم صالح بن يوسف، وقضية ملاحقة اليوسفيين واغتيال الهادي سليمان ومختار عطية (معارضون للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة) بسبب عدم اكتمال تركيبة الدائرة القضائية.

وقال نجل صالح بن يوسف، لطفي بن يوسف، لـ"العربي الجديد" إنه "تم تأجيل الجلسة إلى 23 يناير/كانون الثاني 2025"، مبيناً أن "هناك تعثراً واضحاً في مسار العدالة الانتقالية، وكأنّ العدالة تنتظر موت عائلات الضحايا، فهذا الطول في البت في الملفات يبعث على اليأس، ما دفع عدة عائلات إلى عدم الحضور للمحكمة".

ولفت إلى أن "سقف التوقعات كان عالياً بخصوص إنصاف الضحايا واسترجاع الحقوق، ولكن لم يحصل ذلك"، مؤكداً أن "التمسك بالعدالة الانتقالية هو الفرصة الوحيدة لكشف الحقيقة، فقضية صالح بن يوسف قضية خاصة، إذ تم اغتيال زعيم وطني من قبل النظام الذي جاء بعد الاستعمار، وكان بن يوسف وفياً لبلده ومناضلاً وصرح منذ 60 سنة بأن الاستقلال كان منقوصاً وهو ما ثبت عبر التاريخ لاحقاً"، مشيراً إلى أنهم "لن يستسلموا، والأولاد والأحفاد متمسكون بكشف الحقيقة التي كانت واضحة، ولذلك سيواصلون المشوار رغم تعثر المسار".

وأضاف أنه "لا طلبات اجتماعية أو مادية لديهم، بل المطلوب اعتراف الدولة بأنها هي التي قامت بالاغتيال، والاعتراف بدور صالح بن يوسف الكبير في منظومة الحصول على الاستقلال، فقضيته واضحة، وبالتالي لا بد من إلغاء الأحكام الصادرة ضده في 1957".

وأكد رئيس الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية، العلمي الخذري، لـ"العربي الجديد" أن "مسار العدالة الانتقالية في تونس متعثر، فدوائر العدالة الانتقالية وبعد عدة سنوات من انطلاقها يوم 29 مايو/أيار 2018 لم يتم الفصل في أي من ملفاتها"، مضيفاً أنه "بعد سنة بيضاء خلال العام الماضي، فإن الدوائر الـ12 تعاني غياباً في تركيبة الهيئات، وخاصة بدائرة تونس، وبالتالي فإن ملفاتها ومنذ بداية العام دائماً تحال على دائرة جنائية عادية بالقاعة عدد 2، و يتولى رئيسها يومي الاثنين والخميس دورياً تأجيل الجلسات لعدم تركيبة الهيئة".

ولفت إلى أنه "كان متوقعاً أن تؤجل جلسات اليوم، لأن رئيسة الدائرة تمت ترقيتها، وبالتالي الدائرة مفرغة من كامل أعضائها، ولهذا ومع كل افتتاح جلسة تؤجل، وكان منتظراً أن يكون التأجيل بالنسبة لقضايا اليوم إلى شهر يناير"، مضيفاً: "يبدو أن تعثر المسار سياسة ممنهجة للتفصي (التخلص) من هذه الملفات، ولكن لا توجد جرأة في إلغاء الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية"، مشيراً إلى أن غياب الحركة القضائية، التي كان من المفروض أن تتم خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول، وعدم اكتمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء، وراء عدم سد جل الشغورات والتي لا يقع تعويضها".

وبيّن أن "جل الضحايا والمعنيين بملف العدالة الانتقالية في تونس في حالة يأس، ولكن لا بد من المحاسبة كي لا تتكرر الأخطاء"، مؤكداً أن هناك فشلاً واضحاً، وهو ما جعل الانتهاكات مستمرة. وأشار إلى أن "العدالة الانتقالية لا تعني فقط جبر الضرر، بل هي إصلاح للمؤسسات، ومنها المؤسسة القضائية وحفظ الأرشيف والذي لا يعرف إلى الآن مصير جزء منه"، مضيفاً أن "هذا التعثر دفع البعض إلى الحديث عن عدم وجود عدالة انتقالية، خاصة أن دستور 2022 لم يأت على ذكرها، وغض الطرف عنها". وأوضح أن "قانون العدالة الانتقالية يضمن الحقوق والحريات، ولكن للأسف البعض لا يكترث ببقية المظالم المسلطة، وكأن الحقوق توزع وفق الجنس والانتماء".

وقال رئيس جمعية الكرامة للحقوق والحريات، حسين بوشيبة، لـ"العربي الجديد" إنه "بعد سنة بيضاء خلال العام الماضي في مجال العدالة الانتقالية، يتواصل هذا العام تأجيل جلسات العدالة الانتقالية باستمرار"، مؤكداً أنه وبحسب ما يُصرَح لهم، فإن السبب يعود إلى استمرار الشغور في جل الدوائر بسبب النُقَل القضائية، وعدم تدريب مزيد من القضاة في مجال العدالة الانتقالية.

وقال إن "هناك ضبابية حول مستقبل الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية، وعلى السلطات المعنية، كوزارة العدل، النظر في هذا الإشكال، خاصة أن المجلس الأعلى للقضاء يعاني بدوره نقصاً في تركيبته". وأضاف أن "تواصل مسار العدالة هو في صالح تونس، إذ إنه من الضروري تجاوز مرحلة التجاذبات ورد الاعتبار للضحايا"، مبيناً أن "أصحاب القرار لم يلتفتوا بعد لهذا الملف رغم أن تواصل المسار له عدة إيجابيات، إذ يمكّن المواطن من استعادة حقوقه، ويساعد كذلك الدولة لأنها ضحية في عدة ملفات، وهي مرحلة ضرورية"، مشيراً إلى أن "الوصول إلى الاستقرار، ووضع حد للفساد والتجاوزات يكون بمراكمة التجارب ووضع حد للانتهاكات".

وبيّن أن التقرير الخاص بمخرجات العدالة الانتقالية في تونس صدر في الرائد الرسمي في يونيو/حزيران 2020 وملزم للدولة، والتقرير الدولي الشامل والذي صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 ملزم أيضاً لأن الدولة التونسية التزمت بـ192 توصية، منها ثلاث توصيات في مجال العدالة الانتقالية، ومنها الاعتذار للضحايا لتتم المصالحة.

يُذكر أن بطاقة إيداع بالسجن صدرت في أغسطس/آب الماضي ضد رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين، بسبب شكاية من أحد أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة موضوعها تدليس التقرير الختامي للهيئة في ارتباط بملف تعويضات الدولة التونسية بالبنك الفرنسي التونسي.

دلالات
المساهمون