مجزرة خان شيخون: جهود محاسبة الأسد بلا نتائج

04 ابريل 2021
قضى أكثر من 100 مدني اختناقاً بغاز السارين في مجزرة خان شيخون (بهجت نجار/الأناضول)
+ الخط -

صبيحة الرابع من إبريل/نيسان عام 2017، ظنّ المدنيون في خان شيخون بمحافظة إدلب، أن التحليق الكثيف لطيران النظام، يندرج ضمن الأمور الاعتيادية، التي ألفها سكان إدلب ومحيطها، بعد احتدام الحرب السورية. لكن كل ذلك تبدد عند الساعة الثامنة صباحاً، حين نفّذت طائرات نحو 15 غارة جوية، مستهدفة وسط المدينة وأحياءها، بصواريخ وقنابل تحمل غاز السارين السام، ما حوّل المشهد في المدنية إلى كارثي خلال لحظات، إذ قتل أكثر من 100 مدني، بعد أن قضوا اختناقاً باستنشاقهم هذا الغاز، الذي لوث الهواء في خان شيخون.
وعلى الرغم من أن الجريمة كانت من أفظع الجرائم المرتكبة خلال سنوات الحرب السورية، إلا أنها على غرار المجازر الأخرى التي ارتكبها النظام السوري؛ سواء باستخدام السلاح الكيميائي أو غيره؛ ومنها مجزرة الغوطة الشرقية في دمشق صيف عام 2013 التي راح ضحيتها قرابة 1400 مدني، استطاع النظام الإفلات من العقاب بعد ارتكابها. وبدا ذلك أشبه بتواطؤ دولي متواصل، لا سيما بعد مجزرة الغوطة، إبان ولاية الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، الذي توصل إلى صفقة مع الروس، تقضي بتدمير ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية لتفادي القيام بعمل عسكري أميركي ضد النظام، ناسفاً بذلك خطه الأحمر حيال استخدام الأسلحة الكيميائية في حرب الأسد ضد السوريين.

ظلّت الأصوات المطالبة بمحاسبة النظام السوري مرتفعة

وقبل فترة من خروجه من البيت الأبيض، أقر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في سبتمبر/أيلول 2020، بأنه كان ينوي فعلياً معاقبة الأسد على ارتكابه مجزرة خان شيخون، عبر اغتياله، غير أنّ وزارة الدفاع عارضت الخيار. واكتفى ترامب بقصف مطار الشعيرات بريف حمص، الذي خرجت منه الطائرات الحربية لتنفيذ الجريمة، بـ 59 صاروخاً موجهاً من نوع "توماهوك"، وذلك في السابع من إبريل/نيسان من العام 2017، أي بعد ثلاثة أيام على الحادثة. تلك الضربات شلّت قدرة المطار لفترة وجيزة، قبل استعادة نشاطه من جديد، بتحريك الطائرات وشنّ الضربات الجوية ضد السوريين، في مناطق الوسط والشمال.
وظلت الأصوات المطالبة بمحاسبة النظام مرتفعة في الأروقة الدولية وعبر المنظمات الفاعلة في هذا الشأن، حتى بعد عام على ارتكاب الجريمة في خان شيخون. لكن بعد أيام من الذكرى الأولى للمجزرة، ردّ النظام بارتكاب مجزرة أخرى في مدينة دوما شرقي دمشق، في 7 إبريل 2018، وأودت بحياة أكثر من 100 شخص، كلهم من المدنيين، بالإضافة إلى مئات المصابين، ليؤكد بذلك أنه ماض في استخدام السلاح الكيميائي.
وحول التحقيقات الدولية بهدف تحديد الجهة المنفذة لمجزرة خان شيخون، بالأدلة القانونية، قال مدير "مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية"، نضال شيخاني، إن "بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، حققت بهذه الجريمة وأحالت تقريرها بشأنها إلى آلية التحقيق المشتركة (بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة) (جيم)، والتي بدورها دانت نظام الأسد باستخدام مادة السارين في خان شيخون. وبالتالي قُدمت دعوى إلى المدعي العام الفيدرالي الألماني في العام 2020، من أجل بدء محاكمة في هذا الشأن، وما زلنا نعمل على تسليم الأدلة للقضاء"، مشيراً إلى مشاركة المركز في التحقيقات المتعلقة بالحادثة.

وفصّل شيخاني، في حديث مع "العربي الجديد"، دور المركز ومسار التحقيقات، بالقول إنه "بعد الحادثة مباشرةً، أي في منتصف إبريل، توجهنا مع بعثة تقصي الحقائق من أجل جمع الأدلة والاستماع إلى إفادات الشهود". وأضاف: "من ثم أصدرت بعثة تقصي الحقائق تقريرها الأول الذي أشار إلى استخدام مادة السارين لأغراض عدائية، من دون تحديد الجهة المسؤولة عن ذلك. وفي العام نفسه، وبقرار من مجلس الأمن، تم تشكيل آلية التحقيق المشتركة (جيم)، والتي عملت بدورها على تحقيقات جنائية، وخلصت إلى أنّ النظام السوري مسؤول عن هجوم بمادة السارين على مدينة خان شيخون". وأوضح شيخاني أنه "بعد تحقيقات متكررة، وأدلة لا يمكن الطعن بها، نؤكد على وجود مخزون لا يقل عن 600 طن من غاز السارين، فضلاً عن صواريخ سكود طويلة وقصيرة المدى، لديها إمكانية حمل رؤوس كيميائية، بالإضافة إلى حوالي 22 منشأة للتصنيع والتخزين، معظمها موجود في المناطق الساحلية السورية، والتي لم يتمكن فريق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من الوصول إليها".
وحول إمكانية محاسبة النظام على ارتكابه مجازر باستخدام الأسلحة الكيميائية، أشار شيخاني إلى أنه "لا يوجد فرصة لحدوث ذلك أمام المحكمة الجنائية الدولية، لأنّ النظام السوري لم يوقع على اتفاقية المحكمة". كما لفت إلى أنّ "مركز التوثيق" الذي يديره، قدم مقترحاً إلى وزارة الخارجية الأميركية في أغسطس/آب الماضي للعمل على محاسبة النظام. ولاحقاً عمل المدعي العام الألماني على فتح دعوى خان شيخون والغوطة الشرقية في آن.
وكان رئيس آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيمائية، إدموند موليت، أشار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017، خلال إحاطة حول أحدث النتائج المتعلقة في مجزرة خان شيخون، إلى أن "الآلية فحصت ثمانية سيناريوهات محتملة، بما في ذلك أنّ الحادثة ربما يكون قد تم تدبيرها لإلقاء المسؤولية على الحكومة السورية". وأضاف: "لقد جمعت الآلية بعناية أجزاء من حجج معقدة لا تزال بعض أجزائها مفقودة، ولم تستطع التأكد على وجه اليقين من أن الطائرة التي حملت المواد الكيميائية، أقلعت من قاعدة الشعيرات الجوية، أو نوع الطائرة المستخدمة، لكن الطائرات السورية كانت في المنطقة المجاورة مباشرة لخان شيخون وقت القصف. وحدد الخبراء أن الحفرة التي خلفها القصف كانت ناجمة على الأرجح عن تأثير قنبلة جوية تنتقل بسرعة عالية". وتابع موليت: "كشفت دراسة معملية متعمقة في كيمياء السارين، أن غاز الأعصاب المستخدم كان على الأرجح مصنوعاً من المادة الكيميائية السابقة نفسها، التي جاءت من المخزون الأصلي في سورية، بناءً على علامات فريدة"، مؤكداً أنّ "اللجنة واثقة من أنه عند جمعها معاً، فإنّ كل هذه العناصر تشكل دليلاً لا لبس فيه على أن سورية (النظام) كانت مسؤولة عن استخدام غاز السارين في خان شيخون".

هناك مخزون لا يقل عن 600 طن من غاز السارين بيد النظام

وفي إطار محاسبة النظام ورئيسه بشار الأسد على الهجمات الكيميائية التي استهدف بها المدنيين، استطاع المجتمع الدولي التوصل إلى القرار الأممي 2235، الصادر في 2015، والقاضي بتشكيل لجنة تحقيق مشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة، للتحقيق بمن يقف وراء الهجمات الكيميائية في سورية. وحددت اللجنة مسؤولية النظام بالوقوف وراء ثلاث هجمات باستخدام غاز الكلور، جميعها في إدلب (سرمين، قيمناس، تلمنس)، من دون أن تتطرق لثلاثة من المجازر الكبرى التي استُخدم فيها غاز السارين، في الغوطة وخان شيخون ودوما. وتم التمديد للجنة مرتين، وسط عراقيل كثيرة من قبل الروس، قبل أن ينتهي عملها بعد أن وجهت الاتهام للنظام بالوقوف وراء هجوم خان شيخون الكيميائي. إذ رفضت روسيا هذه الاتهامات، واستخدمت حق النقض الفيتو لإفشال عمل اللجنة في أكتوبر/تشرين الأول 2017.
وشهد شهر يوليو/ تموز عام 2019، تشكيل فريق تحقيق خاص بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، هو أول فريق لديه سلطات تتيح له توجيه اتهامات لمنفذي الهجمات. وفي أول تقرير له مطلع إبريل من العام الماضي، حدد الفريق مسؤولية النظام عن الوقوف وراء ثلاث هجمات كيميائية باستخدام غازي السارين والكلور السامين في بلدة اللطامنة بريف حماة، إلا أنّ الفريق أيضاً لم يتطرق إلى هجمات الغوطة وخان شيخون ودوما.
وفي ظل عدم تعاون النظام وحلفائه مع لجان التحقيق الأممية وتلك التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيمائية لتحديد هوية منفذي الهجمات الكيميائية في سورية، قدمت فرنسا خريف العام الماضي، مسودة قرار بالنيابة عن 46 دولة عضوة في المنظمة، لتعليق حقوق وامتيازات سورية في المنظمة، على أن يتم التصويت على هذا المشروع خلال اجتماع كامل أعضاء المنظمة في إبريل الحالي.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية كشفت نهاية العام الماضي، وقبيل انتهاء ولاية ترامب، عن تقرير أرسلته إلى الكونغرس، يؤكد مواصلة نظام الأسد مساعيه للحصول على مكونات لبرامج الأسلحة الكيميائية والصواريخ، حيث يسعى لتطوير إمكانياته وقدراته في إنتاج أسلحة استراتيجية، كانت قد تآكلت خلال الحرب الدائرة منذ سنوات. وأشار التقرير إلى أنّ الخارجية تراقب عمليات الشراء التي يقوم بها النظام لدعم منظومة الأسلحة الكيميائية لديه وبرامجه الصاروخية، وسط مخاوف من ضلوع إيران في مساعدة النظام على التزوّد بصواريخ بالستية تدعم ترسانة غازي السارين والكلور لديه.
وفي الثاني من مارس/آذار الماضي، رفعت مجموعة من الناجين من الهجمات الكيميائية ومنظمات حقوقية سورية، دعوى جنائية في فرنسا لفتح تحقيق جنائي حول الهجمات بالأسلحة الكيميائية على الغوطة الشرقية في أغسطس 2013. وأيضاً لم تشمل تلك الشكوى حادثة مجزرة خان شيخون. لكن دعوة مشابهة كانت قدمت أمام القضاء الألماني في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بشأن هجمات السارين بين عامي 2013 و2017 على الغوطة وخان شيخون، بحكم إثبات تورط النظام بكل من المجزرتين.
وعلى الرغم من أنّ القرار الدولي الرقم 2118 (2013) الخاص بنزع السلاح الكيميائي لدى النظام السوري، كان بمثابة إنقاذ للأخير الذي توقع العالم نهايته بعد ارتكابه مجزرة الغوطة عام 2013، إلا أنه كذلك لا يزال يشكل كابوساً بالنسبة للنظام. ويقضي القرار بانضمام سورية إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية، وسحب وتفكيك ترسانتها الكيميائية، وهذا ما يقول النظام إنه طبّقه، إلا أنّ المقلق بالنسبة له هو فرض عقوبات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، في حال استخدم السلاح الكيميائي مجدداً، وفقاً للقرار الأممي.

المساهمون