مؤتمر اللاجئين: النظام السوري وحلفاؤه يسعون إلى تعويم ملف إعادة الإعمار

11 نوفمبر 2020
تشارك نحو 27 دولة و12 منظمة دولية غير حكومية في المؤتمر (أحمد الأطرش/فرانس برس)
+ الخط -

غابت تركيا التي تستضيف 3.5 ملايين لاجئ سوري، وحضرت روسيا والصين والهند وفنزويلا وباكستان وإيران وسلطنة عمان والإمارات التي لا تستضيف أي لاجئ سوري، في "مؤتمر اللاجئين السوريين" الذي انطلق في دمشق اليوم الأربعاء، والمستمرّ حتى مساء غد الخميس، برعاية كبيرة من روسيا التي ساهمت في تنظيم المؤتمر والترويج والدعوة إليه بصفتها رئيساً مشاركاً فيه، فيما بدا النظام السوري غير متحمّس للمؤتمر وفكرة عودة اللاجئين، إذ لم يقم وزير خارجية النظام وليد المعلم بافتتاح المؤتمر والترحيب بالمشاركين، وأسند المهمة إلى معاونه أيمن سوسان، فيما ألقى رئيس النظام السوري كلمته للمؤتمر عبر دائرة تلفزيونية من دون حضوره، على الرغم من أن مكان انعقاد المؤتمر يبعد عن القصر الجمهوري 10 كيلومترات فقط.

وبمشاركة 27 دولة وعدد من المنظمات غير الحكومية، بحسب خارجية النظام، انطلق "مؤتمر اللاجئين السوريين"، بمقاطعة غربية ودولية، فحضرت الدول الصديقة للنظام أو التي لا تزال ترتبط به بعلاقات لم تقطعها حين لجأت أكثر من 100 دولة حول العالم إلى سحب تمثيلها الدبلوماسي من دمشق على خلفية استخدام النظام للقوة تجاه المتظاهرين والمناطق الثائرة بعد اندلاع الثورة عام 2011، فيما شاركت الأمم المتحدة في المؤتمر بصفة مراقب.

وافتتح الأسد كلمته المصوّرة للمؤتمر، بشكر روسيا على دعم انعقاد المؤتمر، منتقداً المحاولات الدولية لإفشاله، كذلك توجه بالشكر لإيران على دعم نظامه خلال الحرب، وأعاد محاولات تعويم ملف "إعادة الإعمار"، مستغلاً انعقاد المؤتمر وورقة اللاجئين بالقول: "نواجه اليوم قضية مركبة من ثلاثة عناصر مترابطة، ملايين اللاجئين الراغبين في العودة، مع مئات المليارات من بنية تحتية مدمرة بنيت خلال عقود، مع إرهاب ما زال يعبث في بعض المناطق السورية".

وهذا الملف يحاول الأسد البدء بتنفيذه منذ سنوات، مقدماً إياه زمنياً على ملف "عودة اللاجئين"، إلا أن دولاً غربية، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، لا تزال تضع خطوطاً حمراء للبدء بمرحلة إعادة الإعمار قبل إنجاز التسوية السياسية للأزمة السورية، بناءً على القرار الدولي 2254 والمسارات الأممية للحلّ.

وسبق تلويح الأسد بورقة "إعادة الإعمار" خلال كلمته في افتتاح المؤتمر، طرحه للموضوع ذاته خلال اللقاء الذي جمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الأول، حين شدد على معالجة أسباب فرار السوريين من ديارهم وجعلهم لاجئين، وحصرها بدمار البنية التحتية، ما يعني إعادة تأهيل تلك البنية من خلال البدء بمرحلة إعادة الإعمار.

وعلى ذات المنوال، عرج مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، خلال كلمة ألقاها بالنيابة عن وزير خارجية بلاده سيرغي لافروف، على "إعادة الإعمار"، بالإشارة إلى أن "روسيا تقدم دعماً متعدّد الاتجاهات لسورية باستمرار، ونبذل جهودنا لضم عدد كبير من المنظمات المتخصصة للمشاركة باستعادة البنى الحيوية في سورية". إلا أن ميخائيل ميزينتسيف، رئيس مركز التنسيق الروسي السوري لإعادة اللاجئين، ذهب أبعد من ذلك، بإعلانه خلال كلمته في افتتاح المؤتمر، أن موسكو خصّصت أكثر من مليار دولار لإعادة إعمار الشبكات الكهربائية والصناعات وأغراض إنسانية أخرى في سورية، بحسبه، مضيفاً أن الوزارات الروسية تدفع بمشاريع في عدد من المجالات المهمة، مثل التعليم والطب، واستثمار الموارد الطبيعية وبناء المساكن، والتجارة والاقتصاد والتعاون العلمي التقني.

بدوره، نقل كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خاجي، خلال كلمته في المؤتمر، مقترح بلاده لإنشاء صندوق دولي لإعادة إعمار سورية، مشيراً إلى لأهمية إعادة الاعمار وتأثير ذلك في عودة اللاجئين، مضيفاً: "إن بعض الدول عرقلت هذا المؤتمر لأسباب سياسية بدلاً من المشاركة الفعالة فيه، وإيران ترى لزوم متابعة المؤتمر نظراً للأزمة الحالية في سورية، وترى أن قضية عودة اللاجئين وإعادة الإعمار وإعادة البنى التحتية، يجب أن تحظى بدعم المجتمع الدولي".

وألقى ممثلو إيران وروسيا ولبنان والصين كلمات لهم في الجلسة الافتتاحية، فيما قال سفير سلطنة عمان لدى دمشق تركي بن محمود البوسعيدي إن "السلطنة تدعم المؤتمر، وهي تقف مع سورية ونحن متفائلون بالمستقبل"، مؤكداً دعم بلاده للنظام ورئيسه الأسد بالقول: "إن سورية ستعود كما كانت بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد".

وامتنع النظام عن دعوة تركيا إلى مؤتمر اللاجئين، علماً أنها تستضيف أكثر من نصفهم من المنتشرين حول العالم، حيث أشار معاون وزير خارجية النظام أيمن سوسان إلى أنه تم توجيه الدعوة إلى كل البلدان للمشاركة في المؤتمر باستثناء تركيا، على اعتبار أنه "لا يمكن تأمل أي أمر إيجابي من قبل نظام أردوغان الداعم الأول للتنظيمات الإرهابية في سورية"، موضحاً أن بعض الدول تعرضت لضغوطات لثنيها عن المشاركة في المؤتمر.

وتشير مصادر "العربي الجديد" من واشنطن، إلى أن الولايات المتحدة قادت جهوداً واسعة للدفع نحو مقاطعة غربية ودولية للمؤتمر، وأضافت المصادر أن واشنطن أبلغت موسكو بعدم الحضور ومقاطعة المؤتمر، وأنها نسقت لعدم حضوره من قبل حلفائها وشركائها الغربيين، موضحة للجانب الروسي أن معالجة مشكلة اللاجئين تكون في جنيف وعبر قرارات الأمم المتحدة، وليس عبر أي مسار آخر، وتلك معلومات أكدها الدبلوماسي السابق والمنشق عن النظام، بسام بربندي، عبر صفحته في "فيسبوك".

وعشية انطلاقه، أعلن الاتحاد الأوروبي مقاطعته للمؤتمر عبر بيان صادر عن الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي أشار إلى أن بعض وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي تلقوا دعوة لحضور مؤتمر اللاجئين، إلا أنه أكد أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي وبلدانه لن يشاركوا في المؤتمر المذكور.

وأوضح أن الأولوية في الوقت الراهن هي "لتأمين الظروف التي تساهم في عودة السوريين إلى أراضيهم بشكل آمن وطوعي ومشرّف، في إطار القانون الدولي"، حيث إن "الظروف الراهنة في سورية لا تسمح بالعودة الطوعية للسوريين"، مبيناً كذلك أنّ "من المبكر الآن عقد مؤتمر كهذا".

وتشير إحصائية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أنها سجلت حتى 14 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي 5,570,382 لاجئاً سورياً، يتوزعون وفق الآتي: 3,626,734 في تركيا، و879,529 في لبنان، و659,673 في الأردن، و242,704 في العراق، و130,085 في مصر، و31,657 في دول شمال أفريقيا (تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا، السودان)، وهذا بحسب الإحصائيات الرسمية والأعداد المسجلة لدى المفوضية فقط، فيما تقول الدول إن الأعداد الحقيقية أكبر من ذلك، إذ لا يزال هناك جزء كبير من اللاجئين غير مسجلين.

ولا تشمل هذه الإحصائية اللاجئين في أوروبا، لكونهم يقعون تحت حماية الدول الأوروبية المستضيفة لهم، ويفوق عدد اللاجئين هناك مليون لاجئ، إذ تستضيف ألمانيا بمفردها 600 ألف لاجئ سوري. هذا عدا عن النازحين داخلياً والمهجرين قسراً، الذين تبلغ أعدادهم نحو 6 ملايين نازح ومهجر، ما يعني أن نصف السوريين اليوم بعيدون عن بيوتهم.

المساهمون