درج الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، منذ تسلمه السلطة في ديسمبر/ كانون الأول 2019، على إبداء قدر لافت من الانفتاح على قادة الأحزاب الجزائرية من الموالاة أو من المعارضة، واستقبالهم بشكل متوالٍ في سياق التشاور السياسي.
لكن هذا الانفتاح الذي يحسب كمعطى إيجابي لصالح تبون، يطرح في المقابل تساؤلات حول جدوى هذه اللقاءات على صعيد استجابة السلطة للانشغالات الأساسية، والتي يطرحها قادة الأحزاب، خصوصاً ما له علاقة بتحسين المناخ السياسي والحكامة (إدارة موارد الدولة) الاقتصادية.
أجرى تبون أكثر من 33 لقاء مع قادة الأحزاب الجزائرية
وأجرى تبون أكثر من 33 لقاء مع قادة الأحزاب الجزائرية في غضون السنوات الأربع من ولايته الرئاسية الأولى، ناهيك عن سلسلة لقاءات أخرى مع شخصيات سياسية ونقابية، بينها 14 لقاء مع قادة أحزاب المعارضة.
تبادل التصورات
وجرى خلال اللقاءات الاستماع إلى انشغالات الفاعلين السياسيين بشأن قضايا داخلية ذات صلة بالشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومشاركتهم القدر الممكن من التصورات الرسمية إزاء العديد من القضايا المحلية والإقليمية.
واستقبل تبون، في غضون الأسابيع القليلة الماضية، قادة ثلاثة من الأحزاب الجزائرية. والتقى، الأحد الماضي، رئيس حركة "مجتمع السلم"، أكبر أحزاب المعارضة، عبد العالي حساني شريف، في لقاء هو الثالث من نوعه بين الرجلين، ورئيس حزب "جبهة المستقبل" فاتح بوطبيق، الذي انتخب قبل مدة قصيرة رئيساً للحزب خلفاً للمرشح الرئاسي السابق بلعيد عبد العزيز، فيما استقبل، منتصف الشهر الماضي، رئيس حزب "صوت الشعب" لمين عصماني. ولم تعط تصريحات السياسيين توضيحات دقيقة بشأن المضمون الحقيقي لهذه اللقاءات الرئاسية.
لقاءات تبون مع قادة من المعارضة
حتى الآن، استقبل تبون قادة غالبية الأحزاب الجزائرية الفاعلة في البلاد، بمن فيهم قادة أحزاب معارضة كانت تبدي مواقف متشددة من السلطة، مثل حزب "جبهة القوى الاشتراكية"، وأخرى رفضت في بداية ولاية تبون الإقرار بشرعية رئاسته، على خلفية ظروف إجراء الانتخابات الرئاسية في ذروة رفض الحراك الشعبي خيارات السلطة في ديسمبر 2019، على غرار حزب "العمال".
مع العلم أن الخلاف السياسي بين حزب "العمال" وتبون قد ذاب جليده منذ لقاء الأخير مع الأمينة العامة للحزب لويزة حنون، في أعقاب دعوة الرئاسة حنون إلى احتفالية عيد الثورة، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويمثل حزبان فقط الاستثناء، إذ لم يلتق تبون قياداتهما حتى الآن، وهما "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" بقيادة عثمان معزوز، الذي يرفض حتى الآن الخيارات السياسية والاقتصادية للسلطة، ويضع نفسه على نقيض هذه الخيارات، و"الاتحاد من أجل التغيير والرقي"، الذي تقوده القاضية السابقة زبيدة عسول.
ولم تقم الرئاسة، ولا قائدا الحزبَين من جانبهما، بأي خطوة تسمح بلقاء سياسي على هذا المستوى، ما أبقى على نوع من تشدد السلطات إزائهما بسبب حدة انتقاداتهما، إذ رفضت الترخيص لبعض أنشطة الحزبَين، فيما كانت عرقلت انعقاد اللقاء الصيفي لـ"التجمع" والجامعة الصيفية لـ"الاتحاد".
تعطي الأحزاب السياسية في الغالب تقييماً إيجابياً للقاءات مع الرئيس الجزائري، وتؤكد أنها تتجاوز مسألة التقاط الصور والتسويق السياسي.
صورة إيجابية للقاءات
وفي السياق، قال نصر الدين حدادوش، نائب رئيس حركة "مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب الإسلامية، والتي تصنف نفسها في المعارضة، إن لقاءات الرئيس مع قادة الأحزاب السياسية "جاءت في توقيت سياسي كان يتميز برغبة جامحة في تحييد الطبقة السياسية لصالح قوى المجتمع المدني".
واعتبر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "اللقاءات صورة إيجابية، وفعل سياسي راقٍ، وتقليد رسمي مطلوب، وهي لا تخلو من رمزيات متبادلة".
نصر الدين حدادوش: اللقاءات لا تخلو من رمزيات متبادلة
وأضاف أنه "مهما يكن من ملاحظات إيجابية أو سلبية على هذه اللقاءات، فهي تمثل انفتاحاً مطلوباً بين الطرفين".
ولفت إلى أن "هذا الباب المفتوح لتبادل الأفكار، وتبليغ المواقف، ورفع الانشغالات، والتنبيه إلى الاختلالات، والاستفهام عن الإشكالات، والاستماع إلى الرواية الرسمية بما تملكه من المعطيات، يبقى مهماً في العلاقة بين المؤسسات الرسمية والأحزاب السياسية، في الوقت الذي كان فيه توجه رسمي لإلغاء دور الأحزاب واستبدالها قائماً".
وتابع: "بعيداً عن لغة التثمين أو الإدمان على التشكيك في كل ما هو رسمي، هناك تجاوب وانفتاح وصراحة ووضوح ومكاشفة في النقاش حول ما يُطرح من ملفات سياسية واقتصادية واجتماعية، وقضايا إقليمية ودولية".
مناقشة قضايا الرأي والتضييق
تمنح حزمة هذه اللقاءات المستمرة نقاطاً إيجابية لصالح تبون على صعيد الصورة، لكن المشهد السياسي الجزائري ما زال يعيش حالة انقباض، يترجمه مضمون مختلف البيانات التي تصدرها الأحزاب نفسها، التي تطالب بشكل دائم برفع الإكراه القائم على المشهد السياسي، وبإجراءات تهدئة.
وفي أكثر من لقاء لقيادات المعارضة السياسية، تعلن هذه القيادات أنها ناقشت مع تبون مسائل تخص ضرورات رفض التضييق والإكراه في المشهد السياسي، وفتح المجال بشكل أكبر لوسائل الإعلام أمام الفعاليات، للتعبير عن مواقفها ومقارباتها، والدعوة باستمرار إلى ضرورة اتخاذ تدابير تهدئة سياسية، ومعالجة بعض المشكلات المرتبطة بما يُعرف بمعتقلي الرأي والنشطاء الملاحقين في قضايا الرأي.
استجاب تبون في بدايات حكمه للمسألة الأخيرة، لكن هذه اللقاءات لم تسفر، على الأقل حتى الوقت الراهن، عن أي تطور على صعيد تحرير المشهد السياسي والعودة إلى القدر نفسه من الانفتاح السياسي والإعلامي، الذي كان قائماً في البلاد قبل عام 2019 .
لكن القيادي في حزب "العمال" اليساري جلول جودي رأى أن الحوارات التي يجريها الرئيس مع قادة الأحزاب تسمح تدريجياً بتفكيك مثل هذه القضايا، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن الحزب "لاحظ وجود هوامش إيجابية كثيرة، سواء في المسائل السياسية أو غيرها".
جلول جودي: أولى نتائج اللقاءات وجود نوع من الانفتاح الإعلامي
وأضاف أنه "بالنسبة لحزبنا، كان هناك لقاء واحد للرئيس مع الأمينة العامة لويزة حنون، دام ثلاث ساعات"، معتبراً أن "الوقت هنا له دلالة واضحة، إذ إن الأمر لا يتعلق بمجرد لقاء لأخذ الصور، بل بلقاء وحوار جاد".
وتابع: "من أولى نتائج اللقاءات مع الرئيس وجود نوع من الانفتاح الإعلامي وفتح نقاشات وحوارات في القنوات، وفتح النقاشات السياسية والإعلامية كان من أبرز مطالبنا".
ولفت جودي في السياق إلى "نماذج عن حزمة مشكلات وقضايا أمكن تبليغها إلى رئيس الجمهورية، لم تكن تصل إليه عبر قنواته الرسمية، وأمكنت معالجة بعضها".
وذكر بعض هذه القضايا "على غرار تنبيه الرئيس إلى مخاطر التخلي عن التحويلات والدعم الاجتماعي، وجعل رأسمال البنوك العمومية مفتوحاً، إذ رأينا أن الحكومة تراجعت تماماً عن هذا الخيار".
يأتي ذلك إضافة إلى "قضية توظيف حاملي شهادات الدكتوراه، وضحايا قانون المضاربة ومراجعة ملف أحكام الإعدام بحق شباب (منطقة) الأربعاء ناث إيراثن (جريمة قتل وحرق الشاب جمال بن إسماعيل عام 2021)، وحول معتقلي الرأي، وانشغالات حول قانون الحريات النقابية الذي يمكن أن يكون محل مراجعة". وقال إن "مثل هذه النتائج تعطي مصداقية للحزب السياسي ولدوره".