تكشف المداولات القانونية والشرطية في الدنمارك، عن تلاعب الشركة الدنماركية المتخصصة في تجارة نقل الوقود "دان بونكرينغ"، ومقرها مدينة أودنسه وسط جنوب البلاد، بالحظر الأوروبي والأممي للتعامل مع سورية في 2015.
فبحسب "شرطة مكافحة جرائم الاقتصاد الدولية"، فإنّ "دان بونكرينغ"، المملوكة لعائلة تحتل المرتبة السادسة من حيث الثراء في البلاد، لم تنتهك فقط العقوبات الأوروبية على نظام بشار الأسد، بل "ساهمت أعمالها في إنقاذ نظامه من السقوط في 2015".
وتبيّن إحدى مراسلات الشركة عبر البريد الإلكتروني مع قبطان إحدى السفن الروسية، أنّ الشركة الدنماركية زوّدت الروس بوقود للطائرات الحربية "باتجاه بانياس السورية، ولعبت دوراً حاسماً في القصف الإرهابي لمقاتلاتهم لإنقاذ الديكتاتور السوري (بشار) الأسد من السقوط، ولتمكينه من الانتصار في الحرب الأهلية"، بحسب ما ذكرته الصحف في كوبنهاغن، نقلاً عن المحققين.
ووفقاً للرسالة والتنصت على هاتف الرئيس التنفيذي للشركة الدنماركية، فإنّ شرق المتوسط شهد حركة نشطة وسرية، بعد إطفاء أجهزة تعقب سفن النقل، لنقل وقود الطائرات الحربية إلى ميناء بانياس على الشاطئ السوري.
"الشركة الدنماركية زوّدت الروس بوقود للطائرات الحربية، ولعبت دوراً حاسماً في القصف الإرهابي لمقاتلاتهم لإنقاذ الديكتاتور السوري (بشار) الأسد من السقوط"
وعلى الرغم من أنّ المحكمة الابتدائية في أودنسه ما زالت تنظر في وجاهة "قضية جنائية" ضد شركة "دان بونكر"، ولن يصدر عنها بيان للائحة اتهام رسمية قبل منتصف الشهر المقبل، إلا أنّ الكشف عن مزيد من التلاعب بالعقوبات الأوروبية لمصلحة إنقاذ النظام السوري، بات عبئاً على السياسات الأوروبية، بحسب ما ذهبت إليه صحيفة "بوليتيكن"، وهو ما أوردته أيضاً صحيفة "بيرلنغكسا".
وتُعدّ قضية تسليم كميات ضخمة من الوقود، على 33 دفعة أثناء تعتيم نظام مراقبة حركة السفن قبل 6 أعوام، من أكبر القضايا الجنائية التي تنظر فيها المحاكم الدنماركية منذ قيام شركة دنماركية أخرى بتهريب الأسلحة في أواخر سبعينيات القرن الماضي، إلى نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقاً.
وما جرى توصيله من وقود للطائرات الحربية يُعتبر أضخم مما كشف عنه سابقاً في العام الماضي، إذ كشف المحققون عن أنّ 172 ألف طن، وبالتعاون مع شركة "سوفراشت" الروسية، المقربة من وزارة الدفاع في موسكو المتخذة من جيب كاليننغراد الروسي على البلطيق مقراً لها، جرى نقلها إلى سورية لمصلحة الطائرات الحربية.
وتشير الصحف الدنماركية، نقلاً عن المحققين في القضية، إلى أنّ ذلك الوقود ساهم في تغطية حوالي 20 ألف طلعة جوية وغارة روسية حتى 2019، وأن "تلك الغارات أدت إلى مقتل 13 ألف إنسان ونحو 5 آلاف، منهم مدنيون سقطوا ضحايا قصف الروس للمشافي والعيادات الطبية، من بين أمور أخرى"، بحسب ما يُنقل عن منظمات حقوقية سورية.
ويلفت الأستاذ المساعد في أكاديمية الدفاع في كوبنهاغن، بيتر فيكو ياكوبسن، إلى أنه "لم يكن هناك شك في أنّ الأسد كان على وشك السقوط لولا التدخل الروسي بالقصف في 2015".
ورغم ثقل التهم، فإنّ محامي الشركة الدنماركية يعتبرون أنه "لا توجد قضية على الإطلاق" لمثولها أمام المحاكم، معللين ذلك بأنّ "الشركة الدنماركية (دان بونكرينغ) لم تكن تعلم الوجهة النهائية للوقود".
ويواجه المحققون في القضية صعوبات في التحقيق بسبب وقوع المخالفة في ميناء سوري، حيث لا تتمكن شرطة مكافحة الجرائم الاقتصادية والدولية من الاطلاع على وثائق وكاميرات المراقبة، وبالتالي تعتمد على ما توفر من مراسلات واتصالات الشركة مع الروس.
وبموجب المادة 110 من القانون الجنائي الدنماركي، فإنّ توجيه التهم من الادعاء العام يمكن أن يؤدي إلى حكم انتهاك العقوبات بالسجن 4 سنوات، عندما تكون الظروف مشددة، ومصادرة كل الأرباح التي جنتها الشركة، وفرض غرامة مالية كبيرة عليها.
ورداً على ما نشرته الصحافة المحلية، ذهبت شركة "دان بونكرينغ" إلى بيان صحافي، اعتبرت فيه أنه "لا يمكن للشركة التحكم في ما إذا كان سيتم استخدام الوقود من قبل الزبون"، مؤكدة أن "التحقيقات الداخلية في الشركة لم تثبت وجود أشخاص كانوا على علم بانتهاك عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد سورية".
وأوضح المدعي العام في القضية أمام المحكمة الابتدائية في مدينة أودنسه، أندريس ديريفيج ريشندورف، أنّ رسالة البريد الإلكتروني، التي عثر عليها أثناء تفتيش مقر الشركة، تثبت أنّ قبطان الناقلة الروسية "موخالاتكا" أكد وصول الوقود إلى بانياس السورية في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2015، وأنه وقود مخصص للطائرات والقاذفات، وجرت الإشارة بشكل خاص إلى أن الوجهة النهائية "قاعدة حميميم العسكرية الروسية شمالي بانياس، قرب الشواطئ السورية".
ويذهب بعض الصحف الدنماركية إلى أنه ربما تم اعتراض البريد من قبل أجهزة المخابرات الأميركية، في سياق قضية مرفوعة ضد الشركة الروسية "سوفراشت"، بسبب دورها الرئيس كمورد لوجستي لوزارة الدفاع الروسية، وبأن تعاوناً ما جرى بين الأميركيين وشرطة مكافحة الجرائم الدولية في الدنمارك هو ما كشف عن القضية أصلاً.