- الانقسام بين حكومتي الوحدة الوطنية ومجلس النواب يبرز كنقطة جدل في العملية السياسية، مع تأكيدات على ضرورة تشكيل حكومة موحدة لتسوية الخلافات وتنظيم الانتخابات.
- الدعم الأميركي لجهود نائبة رئيس البعثة الأممية يشير إلى مرحلة تحولات سياسية ودبلوماسية، تهدف إلى توحيد الفصائل المسلحة وتشكيل جبهة أمنية موحدة لاستقرار البلاد وإجراء انتخابات تنهي الانقسام السياسي.
أودع عدد من المرشحين لرئاسة حكومة ليبية جديدة ملفاتهم لدى مكتب رئاسة مجلس النواب منذ نهاية الأسبوع الماضي، في وقت وصلت فيه نائبة رئيس البعثة الأممية لدى ليبيا، ستيفاني خوري، إلى طرابلس.
ولم يعلن مجلس النواب الليبي بشكل رسمي عن بدء قبول مرشحين لحكومة جديدة، إلا أن المستشار الإعلامي لمجلس النواب فتحي المريمي، أفاد في تصريحات صحافية بأن عدداً من المرشحين لحكومة جديدة سلموا ملفاتهم إلى مكتب رئاسة مجلس النواب.
وفيما لم يكشف المريمي في تصريحاته عن عدد المرشحين، أفاد مصدر مقرّب من مكتب رئاسة مجلس النواب، بأن المرشحين هم ثلاث شخصيات فقط حتى الآن.
وأكد المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن المرشحين الثلاثة حصلوا على تزكيات من أعضاء من مجلس الدولة ومجلس النواب، مشيرا إلى أن البعثة الأممية لم تخطر حتى الآن بإجراء البدء في قبول ملفات المرشحين. وأضاف في هذا السياق: "محتمل أن يعلن رئيس مجلس النواب (عقيلة صالح) عن ذلك في الجلسة التي ستعقد غدا في بنغازي"، في إشارة الى جلسة مجلس النواب التي دعا إليها صالح نهاية الأسبوع الماضي.
ومنذ أن طرح رئيس البعثة الأممية السابق، عبد الله باتيلي، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي مبادرته الخاصة بحوار سياسي جديد، شدد صالح على ضرورة أن يكون موضوع الحوار الجديد هو تشكيل حكومة جديدة، ورفض مشاركة رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، في الحوار، باعتباره مُقالا هو وحكومته من مجلس النواب منذ سبتمبر/ أيلول 2021.
وإثر مشاركته في اللقاء الثلاثي الذي جمعه برئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، وقائد مليشيات شرق ليبيا خليفة حفتر، في القاهرة في العاشر من مارس/ آذار الماضي، واتفاقهم على عدة نقاط من بينها تشكيل حكومة موحدة، ظهر صالح في العديد من اللقاءات التلفزيونية، مشيرا إلى وجود مساع لتشكيل حكومة جديدة.
وتحول الانقسام الحكومي الحاصل في البلاد بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وحكومة مجلس النواب في بنغازي، إلى محل جدل أساسي في ملف الانتخابات، حيث نصت القوانين الانتخابية التي أصدرتها لجنة 6+6 المشتركة بين مجلسي النواب والدولة، وأصدرها مجلس النواب في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على ضرورة تشكيل حكومة موحدة للإشراف على الانتخابات، وهو ما رفضه الدبيبة، الذي أصرّ في عديد المرات على موقفه الخاص باستعداده تسليم السلطة لسلطة منتخبة.
تحول الانقسام الحكومي الحاصل في البلاد بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وحكومة مجلس النواب في بنغازي، إلى محل جدل أساسي في ملف الانتخابات
وتعد قضية الانقسام الحكومي وضرورة حلها إحدى القضايا الرئيسية في مبادرة باتيلي، التي تراجع الحديث عنها بشكل كبير إثر إعلان استقالته منتصف الشهر الجاري.
وفيما أٌعلن في الأمم المتحدة عن قبول استقالة باتيلي، إلا أنه لم يجرِ حتى الآن أي حديث بشأن شغور منصبه، في وقت يعتقد فيه قطاع كبير من المتابعين أن نائبته الجديدة، ستيفاني خوري، ستتسلم مهامه، دون أن تعلن الأمم المتحدة بشكل رسمي حيال منصبها حتى الآن.
وظهرت خوري لأول مرة في طرابلس، أمس الأحد، ضمن حفل معايدة دعا له رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي السفراء والبعثات الدبلوماسية في طرابلس، لكن مصدرا حكوميا من طرابلس كشف عن وصول خوري إلى طرابلس منذ يوم الأربعاء الماضي، وأن الحكومة في طرابلس تلقت طلبا من البعثة الأممية لترتيب لقاء بين خوري والدبيبة.
ووفقا لذات المصدر الحكومي، فإن اجتماع خوري بالدبيبة يأتي في وقت تنشط فيه الدبلوماسية الأميركية بشكل كثيف بشأن خطتها الرامية لتوحيد قرار المجموعات المسلحة في غرب البلاد بالتنسيق مع حكومة الدبيبة.
وأوضح المصدر أن جانب الحكومة في التنسيق مع الجانب الأميركي يتحرك فيه الدبيبة ووزير داخليته عماد الطرابلسي "حصرا، وبشكل ثنائي ومباشر".
ومساء أمس الأحد جدد الطرابلسي تأكيده على عزم حكومة الوحدة الوطنية "إخلاء العاصمة طرابلس بالكامل من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية خلال الفترة المقبلة"، واقتصار العمل الأمني على أجهزة وزارة الداخلية.
وفي كلمة له أمام عدد من منتسبي جهاز الشرطة، أكد الطرابلسي قرب افتتاح منفذ رأس جدير الحدودي مع تونس، المغلق منذ 19 مارس/آذار الماضي، مشيرا إلى أن وزارته سيطرت بالكامل على المنفذ، وأنها في طريق السيطرة على المنافذ الجوية في طرابلس وغيرها من المدن.
دفع صالح نحو حكومة ليبية جديدة: فرض مناخ سياسي جديد؟
ولا يرى الباحث في الشأن السياسي عيسى همومه، في خطوة صالح في استقبال ملفات الترشح لحكومة ليبية جديدة سوى محاولة للضغط "وفرض نفسه في مناخ سياسي جديد لم تتبين معالمه، ولا تزال خوري تحتفظ بتفاصيله في حقيبتها"، مشيرا إلى أن "الجميع يشعر بوجود دعم أميركي واضح وراء خوري وفي طرابلس".
ويوضح همومه رأيه في حديث لـ"العربي الجديد"، "باعتقادي أن الجميع لا يعرف مصيره بالتحديد بمن فيهم الدبيبة نفسه، الذي يبدو أنه وجد خيط أمل يتعلق فيه ويعتقد أنه شريك أساسي في التصور الأميركي للحالة الأمنية في غرب البلاد"، مشيرا إلى اعتقاده بأن ترتيب الوضع الأمني والعسكري في غرب البلاد مرتبط أكثر بقادة المجموعات المسلحة.
ويضيف: "مرحليا يبدو أن الحاجة ضرورية للجانب الأميركي لجسم حكومي كالدبيبة والطرابلسي، كما هو الحال في موسكو وحاجتها لخليفة حفتر ومجلس النواب كغطاء شرعي".
ويري همومه أن طبيعة وشكل التحرك الخاص بمغادرة باتيلي ومجيء خوري يؤكد صلات غير معلنة بين الأخيرة والنشاط الأميركي مؤخرا. وأضاف: "بتصوري أن خوري ستؤجل النظر في المسار السياسي والحكومي إلى حين، وسيكون الملف الأمني والعسكري في قائمة أولوياتها تبعا للتصور الأميركي لبناء جبهة أمنية وعسكرية موحدة في غرب البلاد لمواجهة التمدد الروسي في ظل معسكر حفتر في الجنوب والشرق".
حكومة ليبية جديدة: قفزة في الهواء
وإن يصف الناشط السياسي طارق شنيب، خطوة قبول صالح ملفات للترشح لحكومة جديدة بـ"القفزة في الهواء، لا يمكن أن تحقق جديدا في العملية السياسية"، إلا أنه يرى أهمية المسار السياسي بالنسبة للبعثة الأممية.
ويقول شنيب متحدثا لـ"العربي الجديد": "في أحسن الأحوال، خطوة عقيلة صالح هي جس للنبض، فالتسريب جاء على لسان مستشار إعلامي بمجلس النواب وليس بشكل رسمي، كما أنه لم يتم الاتفاق حتى الآن على آليات اختيار رئيس حكومة، وتصرفات عقيلة ستزداد، فجلسة مجلس النواب للغد سيكون موضوعها مناقشة منح حكومة مجلس النواب ميزانية كخطوة أخرى في طريق التأزيم الذي يتعمده".
ويضيف شنيب إن "الوضع يحتم ضرورة وجود حكومة، لكن ارتباط قادة الصراع السياسي بأطراف مسلحة لن يجعل الخيار الأمثل تشكيل حكومة جديدة، بل توحيد الحكومتين، لكن ليس بغرض إجراء الانتخابات التي لم تعد ممكنة، بل لتنفيذ سياسات ضمن صراع النفوذ الأجنبي، الذي بدأ يزداد وتظهر ملامحه بشكل أوضح".