قاعدة حميميم... خط دفاع روسي متقدم بمواجهة الغرب

17 فبراير 2022
وسعت روسيا قاعدة حميميم العام الماضي (Getty)
+ الخط -

تشي المناورات البحرية التي تجريها روسيا في شرق المتوسط بأن قاعدة حميميم على الساحل السوري ربما تكون في قلب أي صراع عسكري محتمل بين روسيا والغرب، خصوصاً بعد توسعتها ونقل أسلحة متطورة إليها. 

وفي زيارة مفاجئة، اطّلع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أمس الأول الثلاثاء، على ما قيل إنها تدريبات بحرية يجريها الأسطول العسكري الروسي، انطلاقاً من ميناء طرطوس على ساحل البحر الأبيض المتوسط. 

مصطفى الفرحات: زيارة شويغو لطرطوس والتدريبات رسالة إلى "الناتو" أن روسيا قوة عظمى

وذكرت وسائل إعلام روسية أن شويغو اطلع رئيس النظام السوري بشار الأسد، في لقاء أمس الأول، "على سير المناورات البحرية الروسية في شرق المتوسط". 

15 سفينة حربية تشارك بالتدريبات

وذكرت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، أن "أكثر من 15 سفينة حربية، من أساطيل المحيط الهادئ وبحر الشمال والبحر الأسود، تشارك في التدريبات على رصد الغواصات المعادية، وفرض السيطرة على الملاحة في البحر، وتنظيم عبور الطائرات في أجواء المنطقة".

وأشارت إلى أن مقاتلات "ميغ -31 ك"، تحمل صواريخ "كينجال" فرط الصوتية المضادة لحاملات الطائرات، وقاذفات "تو-22 م"، وصلت إلى قاعدة حميميم في سورية في إطار التدريبات البحرية.

وقالت: "تم نشر هذه القاذفات في حميميم على خلفية وجود مجموعات جوية تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في منطقة البحر المتوسط، وستشارك في التدريبات البحرية الروسية في الجزء الشرقي من المتوسط". 

وجاءت المناورات الروسية في شرق المتوسط في ذروة تصعيد عسكري ينذر بحرب واسعة النطاق بين روسيا وأوكرانيا، التي تتلقى دعماً كبيراً من الغرب.

كما تأتي هذه المناورات في ظل وجود عدة أساطيل غربية في المتوسط. وأشارت تقارير إعلامية إلى أن حاملة الطائرات الأميركية "هاري ترومان" موجودة في المتوسط، إضافة إلى حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول"، وحاملة الطائرات "كونت إيدي كافور" التابعة للبحرية الإيطالية، مع مجموعة سفن دعم ومدمرات. 

ومن الواضح أن موسكو تعتبر حميميم قاعدة لها أهمية كبرى في أي مواجهة يمكن أن تندلع مع الغرب، في حال عدم حصول الروس على ضمانات أمنية كافية من الغرب، وأهمها عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).

التدريبات الروسية في ميناء طرطوس رسائل للغرب

وتعتبر التدريبات الروسية في ميناء طرطوس رسائل لا لبس فيها للغرب مفادها أن شرق المتوسط بات منطقة نفوذ روسية، وأن لها فيه قوة ضاربة يمكن أن تحدث فرقاً في أي مواجهة محتملة. 

وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة "الوطن"، التابعة للنظام السوري، أمس الأول، عن مصادر وصفتها بـ"واسعة الاطلاع" قولها إن "زيارة شويغو إلى دمشق واجتماعه مع الأسد تتصل بشكل عميق بالتصعيد المتزايد على الجبهة الأوكرانية".

وأشارت إلى أن لقاء "الأسد وشويغو ركّز على الوضع في أوكرانيا، وربط هذه الجبهة بالجبهة السورية". وحسب المصادر، فإن "قاعدة حميميم لم تعد مجرد قاعدة لمحاربة الإرهاب، وأن دورها تجاوز بكثير حدود الجغرافيا السورية، لتكون عسكرياً رأس حربة في حوض المتوسط، والاشتباك الدولي الروسي الغربي".

وكانت وزارة الدفاع الروسية قد وسّعت، مطلع العام الماضي، قاعدة حميميم، التي كانت قد تحولت في العام 2015 إلى منطلق للطيران الروسي، الذي تدخل في سبتمبر/ أيلول من ذاك العام لحماية النظام السوري من السقوط، تحت وطأة ضربات فصائل المعارضة السورية.

وبيّن القيادي في فصائل المعارضة السورية العميد فاتح حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الاحتلال الروسي زود قاعدة حميميم، بعد الانتهاء من إنشاء مهبط ثان، بطائرات قاذفة استراتيجية من طراز توبوليف 22 إم 3، وقد أعادها إلى قواعدها في روسيا بعدما استخدمها في تدمير أهداف أرضية مدنية".

وأشار إلى أنه ما زالت في القاعدة عشرات الطائرات المقاتلة والقاذفة والمروحيات من طرازات متعددة، إضافة لحمايتها بمنظومة دفاع جوي منفصلة تضم صواريخ "بانستير"، ومنظومتي "إس 300" و"إس 400".

التدريبات رسالة إلى "الناتو" أن روسيا قوة عظمى

من جانبه، رأى المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "زيارة وزير الدفاع الروسي إلى طرطوس رسالة إلى أكثر من اتجاه"، وأوضح أن الزيارة والتدريبات رسالة إلى "الناتو" أن روسيا قوة عظمى ولديها انتشار في الشرق الأوسط.

واعتبر الفرحات أن الأزمة الأوكرانية "تأتي في (إطار) استراتيجية صنع الأعداء المتبعة لدى العديد من الدول"، مضيفاً أن "الخلاف لا يستدعي كل هذا التحشيد العسكري والإعلامي. روسيا لا يمكنها مواجهة الغرب، والغرب نفسه لا يريد القضاء على روسيا، فالطرفان لديهما مصالح مشتركة".

طه عبد الواحد: المناورات الروسية استعراض قوة يحمل في طياته رسائل تحذيرية للغرب
 

وأوضح أن قاعدة حميميم "كانت قبل العام 2015 مجرد مهبط حوامات"، وأشار إلى أن روسيا طورت هذا المهبط، بحيث بات قادراً على استقبال كل أنواع الطائرات، بما فيها المدنية.

وبحسب الفرحات، فإن المهابط في القاعدة "طولها 2800 متر"، مشيراً إلى أن روسيا استقدمت صواريخ دفاع جوي متطورة إليها، لكنها لم تستخدم حتى الآن، ولم تفعّل ضد الطيران الإسرائيلي الذي قصف ميناء اللاذقية القريب من القاعدة.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد كرس سطوة بلاده في سورية في أواخر العام 2017، حين زار هذه القاعدة، في رسالة واضحة مفادها أنه بات المتحكم بالبلد. وإثر تلك الزيارة، سرّب الروس مقطع فيديو يظهر ضابطاً روسياً يمنع الأسد من اللحاق ببوتين، في مشهد بدا أنّ الهدف منه إذلال رئيس النظام وإظهاره بمظهر التابع.

قاعدة حميميم مقر قيادة القوات الروسية في سورية

وتضم القاعدة مقر قيادة القوات الروسية في سورية، ويوجد فيها ما يسمّى بـ"مركز المصالحة الروسي"، وغرفة العمليات الرئيسية التي تُدار منها الأعمال القتالية في سورية.

ولفت الباحث السياسي المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "قاعدة حميميم باتت خط تماس متقدماً في المواجهة بين روسيا والغرب منذ أن افتتحها الروس".  وتابع: الآن ومع تصاعد حدة التوتر، تظهر هذه القاعدة وغيرها من المواقع الروسية على الساحل السوري بالنسبة لروسيا بشكل واضح وعملياتي. 

وأشار إلى أن "روسيا تعلن بوضوح، من خلال المناورات في شرق المتوسط، أنها أصبحت أيضاً قوة كبرى في البحر الأبيض المتوسط، ولها وجود دائم ومؤثر هناك، مع قدرات عسكرية تضع نهاية لعهد هيمنة الأسطول السادس الأميركي على المتوسط".

وأضاف عبد الواحد أن الأمر، في ظاهره، يبدو وكأنه رسائل تحذيرية على ضوء التوتر حول أوكرانيا، إلا أنه في البعد الاستراتيجي استعراض قوة يحمل في طياته رسائل تحذيرية للغرب من مغبة التعنت في رفض الاقتراحات حول الضمانات الأمنية التي تصر عليها روسيا، وتشمل عدم توسع الناتو، وعدم انضمام أوكرانيا للحلف، وعدم نشر أسلحة هجومية استراتيجية في أوروبا الشرقية، وغيرها.

ويعتقد عبد الواحد أن الأزمة الروسية مع أوكرانيا "مجرد واجهة"، معتبراً أن المواجهة الحقيقية هي حول إعادة بناء منظومة الأمن الدولي.