قاآني في العراق: فشل إبعاد الصدر عن حلفائه

31 يناير 2022
يقول الصدر إن عودة المحاصصة ستؤجج التظاهرات مجدداً (فرانس برس)
+ الخط -

بعد تعثّر جهود قائد "فيلق القدس" الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني، لدفع المعسكرين السياسيين الشيعيين في العراق، التيار الصدري و"الإطار التنسيقي"، إلى تفاهم يمكّنهما من تجاوز أزمة تشكيل الحكومة، بدأ المسؤول الإيراني تحركات جديدة تجاه قوى سياسية سنّية وكردية عراقية لبحث الأزمة، تبدو هي الأخرى متعثرة حتى الآن.

ويسعى قاآني من خلال حراكه الجديد، إلى سحب دعم هذه القوى لمشروع زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر بتشكيل حكومة أغلبية، وهو ما لم ينجح فيه حتى الساعة، وفق ما تؤكد مصادر عراقية مطلعة لـ"العربي الجديد".

تحركات إسماعيل قاآني في العراق

وشهدت الساحة العراقية خلال الساعات الماضية تحركات جديدة لقاآني، الذي كان وصل إلى العراق يوم الثلاثاء الماضي، في محاولة لحلحلة ملف تشكيل الحكومة في بغداد.

وأظهرت صور نشرتها منصات عراقية مختلفة، زيارته، أول من أمس السبت، مدينة سامراء شمالي بغداد، في أول توثيق لتواجده الثاني في العراق خلال شهر يناير/كانون الثاني الحالي، بعد زيارته الأولى، والتقاطه صوراً في مدينة النجف جنوبي البلاد في 16 من الشهر الحالي. وتسربت معلومات عن لقائه خلال زيارته الحالية، شخصيات عديدة في أربيل وبغداد.

يواجه قاآني صعوبات في ما يتعلق بسحب دعم القوى السنّية والكردية لمشروع الصدر

وقال مصدران سياسيان بارزان في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أمس الأحد، إن قاآني دشّن سلسلة تحركات جديدة خارج إطار القوى السياسية الشيعية، عبر تواصله مع قوى وأحزاب سنّية وكردية، طالبها بعدم الاصطفاف مع أي طرف من الأطراف الشيعية ضد الآخر.

قاآني يمنع تفكك "الإطار التنسيقي"

وقال أحد المصادر، إن قاآني نجح في منع تفكك "الإطار التنسيقي"، وذهاب قسم منه مع الصدر، "وهو يحاول أن يُبقي الصدر في جانب، وباقي القوى السياسية الشيعية في جانب آخر، وقد ضغط على (رئيس الوزراء الأسبق) حيدر العبادي و(رئيس هيئة الحشد الشعبي) فالح الفياض و(رئيس تحالف الفتح) هادي العامري في هذا الإطار".

ولفت المصدر إلى أن الجنرال الإيراني تحرك باتجاه قوى سياسية سنّية وكردية، بهدف إقناعها بعدم الاصطفاف مع طرف سياسي ضد الآخر في الأزمة السياسية، لتؤكد تلك القوى أنها ليست طرفاً في الأزمة، وستكون مع أي جهة تستطيع تشكيل الحكومة الجديدة.

وأشار المصدر إلى أن قائد "فيلق القدس" يواجه صعوبات في ما يتعلق بسحب دعم القوى السياسية السنّية والكردية لمشروع الصدر بحكومة أغلبية وطنية.

مصدر آخر مقرب من "التيار الصدري"، كشف لـ"العربي الجديد"، أن قاآني لم يلتقِ الصدر في زيارته الحالية، لكنه أوصل رسائل إيرانية رافضة لتشكيل الحكومة من دون مشاركة الأطراف السياسية الشيعية الأخرى.

وأكد المصدر أن الصدر من جهته، "لا يزال مصراً على موقفه لغاية الآن"، والمتمثل بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، بعدما تصدرت كتلته نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

هذه المعلومات أكدها ضمناً القيادي في "التيار الصدري"، بدر الزيادي، بقوله لـ"العربي الجديد"، إن "الضغوط السابقة والحالية، لن تنفع في دفع التيار الصدري وشركائه في تشكيل حكومة توافقية تعيد المحاصصة الطائفية والفساد والفشل من جديد".

واعتبر الزيادي أن "هذا الأمر سيدفع الشعب العراقي إلى التظاهر من جديد، كون حكومة المحاصصة لن تحل الأزمات، بل ستفاقمها وتزيد من الفساد في مؤسسات الدولة العراقية، وهو ما شرحناه للجميع".

وأكد الزيادي أن "التيار الصدري ومن معه من حلفاء، ماضون في تشكيل الحكومة وفق الأغلبية"، مضيفاً أن "الباب لا يزال مفتوحاً أمام بعض قوى الإطار التنسيقي لكي تكون جزءاً من حكومة الأغلبية، التي من مهامها الرئيسية محاربة الفساد وفرض هيبة الدولة والقضاء على السلاح المنفلت".

ورأى القيادي في "التيار الصدري" أن "توجه الإطار التنسيقي نحو المعارضة لن يعرقل تشكيل حكومة الأغلبية، فالكتلة الصدرية ومن معها من القوى الشريكة، تملك المقاعد البرلمانية الكافية لتشكيل الحكومة، بأغلبية مريحة، من دون أي عرقلة إطلاقاً".

أوصل قاآني رسائل إيرانية للصدر رافضة لتشكيل الحكومة من دون مشاركة الإطار التنسيقي

في المقابل، قال القيادي في "الإطار التنسيقي" عائد الهلالي، إن تواجد قائد "فيلق القدس" في العراق حالياً هو لـ"تقريب وجهات النظر بين كافة الأطراف السياسية، وليس بين القوى الشيعية فقط".

وأضاف الهلالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "اجتماعات قاآني في العراق لم تقتصر على القوى الشيعية، بل كانت له لقاءات واجتماعات مع أطراف سياسية سنّية وكردية، والهدف من هذه الاجتماعات تأكيد وحدة الصف العراقي، لمنع أي توتر سياسي قد تكون له تأثيرات جانبية على المشهد العراقي بصورة عامة".

حوارات جديدة لتشكيل الحكومة العراقية

وكشف القيادي في "الإطار التنسيقي" عن أن "الساعات المقبلة ستشهد انطلاق جولة حوارات جديدة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، بهدف الوصول إلى اتفاق نهائي حول الحكومة الجديدة، ومن سيشارك فيها"، مشدداً على أن "الإطار مصمم وعازم على التوجه بكل قواه نحو الحكومة أو نحو المعارضة، بل ربما يكون الخيار هو المقاطعة، وهذا الأمر مطروح بقوة داخل أروقة الإطار".

ويصرّ زعيم "التيار الصدري" على تشكيل حكومة أغلبية وطنية، مستنداً على تصدّره نتائج الانتخابات البرلمانية والنجاح في تأسيس تحالف مع قوى سياسية سنّية وكردية.

وتمكّن هذا التحالف من إثبات تماسكه في أول اختبار بالتصويت على رئيس البرلمان (محمد الحلبوسي) ونوابه في التاسع من الشهر الحالي، على الرغم من رفض القوى المنضوية في "الإطار التنسيقي"، الذي يجمع الكتل المقربة من طهران.

ويثير التقارب الواضح بين "التيار الصدري" وتحالفي "عزم" و"تقدم" والقوى الكردية، وتوجهها نحو تشكيل حكومة أغلبية وطنية، مخاوف "الإطار التنسيقي" من تحجيم خياراته للمرحلة المقبلة.

ويشترط الصدر استبعاد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي من المشهد الحكومي المقبل، محملاً إياه مسؤولية الفساد والانتهاكات وما آلت إليه الأوضاع في البلاد خلال فترة حكمه، وآخرها اجتياح تنظيم "داعش" مساحات واسعة من شمال وغربي البلاد، قبل هزيمته في أواخر عام 2017.

في المقابل، ترفض قوى "الإطار التنسيقي" التخلي عن المالكي وتحالفه (دولة القانون) وتصر على المشاركة سوية من دون استثناء لأي طرف.

مقتدى الصدر لن يتراجع

وتعليقاً على ما يجري، قال القيادي في تحالف "متحدون"، محافظ الموصل الأسبق أثيل النجيفي، إن مهمة قاآني في العراق متعثرة لغاية الآن.

وأضاف النجيفي: "نحن مع ألا تكون الأطراف السياسية السنّية مع طرف ضد آخر، كما نعتقد أن الخلاف الشيعي - الشيعي يجب أن يُحل داخلياً، ولا تكون القوى السنّية مشاركة به ولا مؤيدة لطرف على حساب آخر"، معرباً عن ثقته في "أن القوى السياسية الشيعية سوف تتفق مرة أخرى في ما بينها وسوف تنقلب الأمور على من يقف مع طرف ضد آخر".

وفي هذا الإطار، أعرب النجيفي عن خشيته "من أن يكون هناك نوع من الانتقام من القوى السياسية السنّية التي تحاول أن تتفق مع أي طرف شيعي، علماً أن القوى السياسية الكردية قادرة على حماية نفسها، عكس القوى السنّية".

وحول مآلات جولة قاآني، رأى المحلل السياسي العراقي غالب الدعمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المعطيات الحالية تؤكد أن الصدر لن يتراجع عن موقفه بتشكيل حكومة الأغلبية من دون مشاركة زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، على الرغم من الحوارات والاجتماعات التي عقدها قائد فيلق القدس مع الكثير من الأطراف السياسية العراقية".

وأضاف الدعمي أن "المشهد السياسي العراقي حالياً، أمام خيارين، إما أن يذهب جزء من الإطار التنسيقي مع التيار الصدري ويشكل الحكومة الجديدة، أو تذهب قوى الإطار إلى المعارضة، ويتم تشكيل حكومة أغلبية من قبل الصدر"، معتبراً أن غير ذلك "لن يحدث على الرغم من كل المحاولات الخارجية والداخلية".

أما بالنسبة للقوى السياسية السنّية والكردية، فرأى المحلل السياسي أنها "ماضية في الاتفاق مع زعيم التيار الصدري نحو تشكيل الحكومة، على الرغم من الضغوط التي تمارس عليها، سواء من قبل قوى داخلية أو خارجية، لإبعادها عن التحالف مع الصدر وعدم الوقوف مع قوى الإطار التنسيقي".

وأكد الدعمي أخيراً أن "الحكومة العراقية الجديدة ستشكل وفق ما تريده القوى الكبيرة (الكتلة الصدرية، الديمقراطي الكردستاني، تحالف السيادة)، وهذا هو الأقرب للمشهد العراقي المقبل". 

 

المساهمون