غزة على أبواب المجاعة الشاملة

29 يناير 2024
من عملية توزيع الطعام في رفح، الجمعة (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -

يواجه قطاع غزة في هذه الفترة خطر المجاعة الشاملة، مع اقتراب نهاية الشهر الرابع للحرب. وقد ظهرت عدة مؤشرات إلى حصول كارثة كبيرة، كما صدرت تحذيرات وتقارير دولية تشخص الوضع، وتدعو إلى تدارك الأمر.

يعاني القطاع منذ بدء الحرب من نقص في المواد الأولية، بسبب منع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية التي كان يتلقاها بمعدل 600 شاحنة في اليوم الواحد، ولم يُسمح بمرور جزء يسير جداً بمعدل 3 في المائة إلا بعد مرور حوالي أسبوعين، حسب أرقام وزارة الصحة الفلسطينية.

وفي تقرير له حول وضع سكان غزة قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ذكر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) أن "80 في المائة من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الدولية".

وأشار إلى أن العيش في غزة في عام 2022 يعني الحبس في واحد من أكثر الأماكن اكتظاظاً بالسكان في العالم. وظلت مسألة استمرار تدفق المساعدات الدولية مثار مساومات دولية مع حكومة إسرائيل، التي رفضت تقديم تسهيلات ملموسة، ولم تستجب حتى لضغوط الولايات المتحدة، وبقيت كميات كبيرة من الأغذية والأدوية مكدسة في مطار العريش المصري.

رقابة إسرائيلية تمنع وصول الأدوية

وفرضت إسرائيل رقابة صارمة على كمية ونوعية المواد التي تدخل يومياً القطاع، وأصرت على تفتيشها في ممر العوجة ومن ثم إعادة ما تسمح به ليدخل إلى معبر رفح من الجانب المصري حيث لا تمتلك إسرائيل أي حقوق سيادية أو حدود أو اتفاقيات مع مصر تخولها القيام بذلك.

وأدت الإجراءات الإسرائيلية إلى منع القسم الأكبر من الأدوية، وتقنين في الأغذية، ما تسبّب في نقص كبير، وعكس موقفاً إسرائيلياً صريحاً بأن سياسة منع الغذاء والدواء والمياه هي جزء من الحرب الشاملة في إطار الانتقام الجماعي من قطاع غزة.


أسامة حمدان: لا يزال يعيش في شمال غزة 600 ألف فرد يواجهون خطر الموت جوعاً

ونجحت الضغوط الدولية جزئياً في زيادة المساعدات لتصبح 4 في المائة بعد شهر من الحرب على غزة، وصار، بالأرقام، نصيب الفرد في القطاع، الذي يسكنه 2.3 مليون إنسان، يعادل 70 غراماً من الطعام و17 مليلتراً من المياه، يومياً.

وذلك في وقت تحدثت تقديرات الأمم المتحدة عن أن أكثر من 1.7 مليون شخص في غزة أصبحوا مُهجرين، ويقيم حوالي مليون منهم في أكثر من 150 مركز إيواء تابعاً لـ"أونروا" في أنحاء القطاع. وبدأت إسرائيل العمل بالإجراءات العقابية منذ بداية الحرب على غزة، وقامت بالتوازي مع العمليات العسكرية بقطع الكهرباء والمياه والاتصالات والإنترنت عن القطاع، وربطت كل الخطوات بتطورات الحرب، وصارت تساوم عليها كأوراق تفاوضية.

وسارت هذه الإجراءات مع التدمير المنهجي للمستشفيات والمدارس والبنى التحتية والمرافق السكنية والبيوت، بهدف جعل القطاع منطقة غير قابلة للحياة، وهذا ما أدى إلى إخراج أكثر من ثلثي المباني السكنية عن الخدمة، وباتت إما مدمرة كلياً، أو أنها غير قابلة للسكن.

صمد القطاع لفترة بفضل بعض المخزون الذي لم يطاوله التدمير، وقد بدأت في الأسبوع الماضي تظهر بوادر نفاد ذلك، من خلال قيام بعض السكان باستهلاك علف الحيوانات، كما جاء في تقارير نقلتها وسائل إعلام ومنظمات دولية.

مظاهر المجاعة بدأت عندما بدأت المعلبات، التي اعتمد عليها أهالي القطاع في غذائهم منذ بدء الحرب، تختفي من الأسواق، وتبعها دقيق القمح الذي خلت منه الأسواق، ليتجه الفلسطينيون إلى طحن حبوب الذرة والشعير المخصصة لصناعة أعلاف الحيوانات.

وتحدث صاحب مطحنة للحبوب بمخيم جباليا عن نفاد الدقيق الأبيض من الأسواق بشكل كامل، وأشار إلى أن ما يوجد في السوق الآن هو دقيق الذرة فقط. وقال إنهم كانوا يطحنون الأرز، ولكن بسبب ارتفاع أسعاره توقفوا عن ذلك وبدأوا بصنع الدقيق من الذرة وحبوب الشعير المخصص لأعلاف الحيوانات.

وحسب مصادر فلسطينية، فإن هذا الخيار بدأ يلقى رواجاً رغم التحذيرات الطبية من الآثار المترتبة عليه، ومنها أن القيمة الغذائية لعلف الحيوانات تفتقر إلى عناصر أساسية لتغذية الجسم البشري. كما أن طعم الخبز صعب المذاق، ولا يتناوله البشر بسهولة.


صارت الغالبية العظمى من سكان غزة تكتفي بوجبة واحدة مخففة يومياً

عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من شمال غزة، أسهم ذلك في تحقيق انفراجة، فوصلت أيدي المواطنين إلى مستودعات طعام الحيوانات، وتمكنت من حلحلة أزمة الجوع بضعة أيام، إذ عملوا على طحن القمح الرديء والشعير والذرة وحبوب العدس، وحتى طعام العصافير والقطط، للحصول على ما يشبه الدقيق، لكن هذه الانفراجة سرعان ما تبددت بسبب الجوع الذي يضرب في قطاع غزة.

نقص المواد الغذائية في غزة

نقص المواد الغذائية يعود إلى نفاد المخزون، وعدم كفاية المساعدات التي تدخل القطاع من الخارج تحت إشراف إسرائيل، بالإضافة إلى استهلاك الأعلاف، كل هذا بدأ يؤدي إلى نتائج خطيرة، من أهمها اعتماد أهالي غزة على تخفيف الوجبات الغذائية.

وبدلاً من تناول ثلاث وجبات أو وجبتين، صارت الغالبية العظمى تكتفي بوجبة واحدة مخففة، تفتقر إلى المكونات الأساسية، وحتى هذا يُؤمّن بصعوبة شديدة، ما أدى إلى تفشي المجاعة في مناطق عدة من القطاع. وبحسب أرقام وزارة الصحة الفلسطينية، فإن أكثر من نصف مليون فلسطيني يعيشون مجاعة حقيقية في محافظة شمال القطاع.

وأوضح عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" أسامة حمدان أنه "لا يزال يعيش في شمال غزة 600 ألف فرد يواجهون خطر الموت جوعاً، وتمر عليهم أيام من دون أن يدخل جوف أحدهم أي طعام، على العالم التحرك لوقف هذه المهزلة".

وصار واضحاً أن المناطق التي تجد انتشاراً كبيراً للقوات الاسرائيلية هي الأكثر حرماناً من غيرها، خصوصاً تلك الواقعة في الشمال مثل بيت حانون وبيت لاهيا.

وهذا ما وصفه برنامج الأغذية العالمي بـ"جيوب المجاعة". بحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن 98 في المائة من سكان قطاع غزة يعانون المجاعة، ونحو 64 في المائة منهم يضطرون إلى تناول حشائش وطعام غير ناضج لتلبية حاجاتهم.

وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين: "يواجه سكان غزة خطر الموت جوعاً وهم على بعد أميال قليلة من شاحنات مليئة بالأغذية، كل ساعة تعرض أرواحاً لا حصر لها للخطر، فجميع الفلسطينيين في غزة لا يحصلون على وجبات كافية في اليوم، بينما يلجأ عدد من الراشدين إلى حرمان أنفسهم من الغذاء لتقديمه إلى أطفالهم".

خطر المجاعة الشاملة في غزة

ونبّه برنامج الأغذية العالمي إلى خطر المجاعة الشاملة منذ مطلع الشهر الماضي. وقال إن الجوع ينتشر بشكل واسع في أنحاء قطاع غزة، وإن الناس يشعرون بيأس متزايد في محاولة إيجاد الغذاء لإطعام أسرهم. وأفاد بتزايد حالات الجفاف وسوء التغذية بشكل متسارع في القطاع.

وأظهر رصد أجراه البرنامج بالهواتف، في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن ما بين 83 و97 في المائة من الأسر لا تستهلك ما يكفي من الطعام، وفي بعض المناطق، ما يصل إلى 90 في المائة من الأسر لا يتناولون أي غذاء طيلة يوم وليلة كاملين. وكدليل على تفشي المجاعة بسرعة، فإن 18 في المائة من تلك الأسر مرت بتلك الظروف في أكثر من 10 أيام خلال الشهر الذي سبق الاستطلاع.


من 83 إلى 97 في المائة من الأسر لا تستهلك ما يكفي من الطعام

وفي 22 يناير/كانون الثاني الحالي، ارتفع التحذير إلى درجة أقصى من قبل برنامج الغذاء العالمي، الذي تحدث عن كميات قليلة جداً من المساعدات الغذائية تجاوزت جنوب قطاع غزة إلى شماله منذ بداية الحرب، مؤكدة خطر تشكل جيوب مجاعة في مناطق بالقطاع.

وبعد يوم من ذلك، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" أن 750 ألف شخص في قطاع غزة يواجهون جوعاً كارثياً. وحددت الأسباب التي تقف وراء الإعلان بنقص المساعدات من جهة، ومن جهة ثانية القتال العنيف ورفض وصول الإعانات وانقطاع الاتصالات، ما يعوق قدرتها على تقديم المساعدات بأمان وفعالية.

ولا يقتصر الأمر على الإجراءات الإسرائيلية فقط، فـ"أونروا" تطرح مشكلة أخرى وهي عدم قدرة الأمم المتحدة على استقبال شحنات المساعدات في الآونة الأخيرة، بسبب عدة عوامل منها قلة عدد الشاحنات داخل غزة، مع عدم قدرة بعضها على التحرك من المناطق الوسطى التي عُزلت عن الجنوب.

ومن العوامل الأخرى انقطاع الاتصالات، وزيادة عدد الموظفين غير القادرين على التوجه إلى معبر رفح بسبب الأعمال القتالية. واعتبر نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي كارل سكاو، في بيان، بعد زيارة إلى القطاع، أنه "مع انهيار القانون والنظام، فإن أي عملية إنسانية ذات جدوى باتت مستحيلة". وأضاف: "لدينا طعام على متن الشاحنات، ولكننا بحاجة إلى أكثر من معبر واحد. وبمجرد دخول الشاحنات، نحتاج إلى ممر حر وآمن للوصول إلى الفلسطينيين أينما كانوا".

ويحاول موظفو الأمم المتحدة أن يلخصوا المسألة في المصاعب التقنية، ولكن من الواضح منذ بداية الحرب أن إسرائيل تعي ماذا تريد من وراء تحويل الغذاء إلى سلاح من أسلحة الحرب بهدف التهجير والضغط على الحاضنة الاجتماعية، وتوجيه النقمة ضد الفصائل الفلسطينية.

وبدأت منظمات دولية مثل "أطباء بلا حدود" تحذر من نتائجه الكارثية والمروعة لسياسات إسرائيل، وهو ما يلحق بالأطفال بسبب نقص الحليب، ويؤدي إلى أمراض قد يصعب الشفاء منها في مرحلة لاحقة. التهجير خط أحمر، وفي نفس مستوى الخطورة يجب وضع المجاعة. وظهر حتى الآن أن النداءات والبيانات الصادرة عن المنظمات الدولية غير كافية وحدها، وحتى تصبح مسموعة، تحتاج إلى حملة إعلامية دولية موجهة، وخاصة في ظل الأزمة التي تمر بها "أونروا" اليوم.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية
المساهمون