تعديل نظام هيئة التفاوض السورية يفجّر خلافات: تطوير آليات العمل أم مصالح شخصية؟

23 يوليو 2024
بدر جاموس في أنطاليا، الأول من مارس 2024 (هارون أوزالب/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تعديلات هيئة التفاوض السورية**: قامت هيئة التفاوض السورية بتعديل نظامها الداخلي لزيادة مدة تكليف القيادة إلى عامين، وتعديل شروط العضوية، وإضافة اختصاصات جديدة مثل المكتب القانوني، مما أثار جدلاً واسعاً بين منصات الهيئة.

- **ردود الفعل المعارضة**: رفضت منصات مثل "منصة موسكو" و"منصة القاهرة" التعديلات، معتبرةً إياها خدمة لمصالح ضيقة وتهديداً لدور الهيئة، ودعت إلى تدخل عربي للمساعدة في توحيد المعارضة.

- **تحديات الهيئة والمشهد السياسي**: تأسست الهيئة عام 2015 لمفاوضات مع النظام السوري، لكنها تواجه انتقادات بسبب أدائها السياسي الضعيف وتبعيتها لأجندات دول إقليمية، مما يعكس تخبط المشهد السياسي المعارض.

عدّلت هيئة التفاوض السورية التابعة لقوى المعارضة مواد في نظامها الداخلي لـ"تطوير آليات العمل الإداري"، إلا أن هذه التعديلات لم تجد قبولاً لدى منصات في الهيئة اتهمت بعض الأطراف بـ"اللعب بالنظام الداخلي لتحقيق مصالحها الخاصة والشخصية". 
وفي ختام اجتماعها الدوري، أعلنت هيئة التفاوض السورية الاثنين الماضي تعديل مواد في نظامها الداخلي، أبرزها زيادة المدة المحددة لتكليف قيادة الهيئة، لتصبح عامين بدل عام واحد، قابلة للتمديد مرة واحدة فقط، بهدف "منح رئاسة الهيئة فرصة زمنية كافية لتنفيذ الخطط المطروحة، ودعم مسارات العملية التفاوضية"، و"إتاحة أوسع مجال للهيئة لاستثمار علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع الفاعلين الإقليميين والدوليين". 

تعديل هيئة التفاوض السورية شروط العضوية

كما عدلت هيئة التفاوض السورية شروط العضوية، وأضافت عدداً من الاختصاصات إلى مكاتب الهيئة، ومنها المكتب القانوني بهدف "تطوير آليات العمل الإداري". وبموجب هذه التعديلات ربما يبقى بدر جاموس الذي يرأس الهيئة منذ أكثر من عام في منصبه نحو خمس سنوات، في سابقة في مؤسسات المعارضة السورية التي كانت تراعي مسألة تداول المناصب خلال مدد زمنية قصيرة. وأشارت هيئة التفاوض السورية في بيان إلى أنه تم الاتفاق على التعديلات بحضور مكوناتها كافة وبتصويت أغلبهم، لافتة إلى أنها "كيان وظيفي مكلف بإدارة العملية السياسية التفاوضية"، وأن قرارها "مستقل" وأنه "لا يحكمها إلا قضية الشعب السوري العادلة".

واستبقت "منصة موسكو" في الهيئة إعلان التعديلات بالقول إنها جاءت لـ"خدمة مصالح أطراف تسعى لعمليات تجديد وتمديد تشكل إساءة كبرى للمؤسسة المعارضة المعنية بالتفاوض وبتطبيق القرار 2254"، مشيرة إلى أن هذه التعديلات لا تصب "في مصلحة تطوير عمل الهيئة". وقالت المنصة في بيان: الهيئة إذا انزلقت إلى إجراء من هذا النوع، خدمة لمصالح ضيقة لهذا الطرف أو ذاك، ولهذا الشخص أو ذاك، فإنها تضع نفسها على طريق سريع نحو انتهاء دورها الوظيفي. وأكدت أن التعديلات "ستجعلنا نفكر جدياً في جدوى وجودنا فيها"، في الهيئة.

استنساخ عقلية "الحزب القائد"

من جهته، قال عضو "منصة موسكو" في هيئة التفاوض السورية مهند دليقان، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "كان المفترض بالمعارضة أن تقدم نموذجاً جديداً ديمقراطياً"، مضيفاً: "هذا التعديل ينسف أي فرصة لإقناع الشعب السوري بذلك، لأنه استنساخ حرفي لسلوك الحزب القائد وعقليته". وتابع: "وضع المعارضة الرسمية تجاه ما تدعي أنه حاضنتها هو بالأصل غير جيد، وهذا الإجراء (التعديلات)، وفي هذا التوقيت سيؤدي إلى مزيد من التردي والضعف لهذا الوضع". وأشار دليقان إلى أن "هيئة التفاوض ليست مؤسسة أبدية، وظيفتها التفاوض لتطبيق 2254، وبأسرع وقت"، مضيفاً: "تمديد رئاستها إلى سنتين يرسل إشارة للسوريين أن الهيئة مرتاحة لوضعها وتعمل على المدى الطويل، وهذا يعني أن الأزمة أيضاً مستمرة لفترة طويلة وأنه ليست هنالك نيّات جادة بحلها سريعاً". 

مهند دليقان: التعديل استنساخ حرفي لسلوك الحزب القائد وعقليته

كما لم ترحب "منصة القاهرة" بالتعديلات التي من المتوقع أن تثير المزيد من الجدل في المشهد السوري المعارض الذي يعاني أصلاً اختلاف تياراته المتعددة المشارب السياسية والأهداف، وهو ما يحول دون تشكيل مرجعية سياسية متماسكة لهذه المعارضة. وفي هذا الصدد، بيّن القيادي في "منصة القاهرة"، فراس الخالدي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المنصة منذ تأسيس هيئة التفاوض السورية تمسكت بالقرار الأممي 2254 "كونه المخرج الوحيد من نفق الأزمة السورية، ولأنه شكّل توافقاً أميركياً روسياً أوروبياً انتظره الشعب السوري".

وأشار إلى أن المنصة التزمت "الوقوف إلى جانب باقي مكونات هيئة التفاوض السورية وعدم الخوض في منافسات من شأنها زعزعة استقرارها"، مضيفاً: تفرد الائتلاف بقيادة هيئة التفاوض السورية واللجنة الدستورية والحكومة المؤقتة على مستوى الرئاسات الثلاث، من دون أن يبدي أي منا نحن أعضاء منصة القاهرة، أو منصة موسكو أو هيئة التنسيق، أي اعتراض يفضي إلى خلاف يعطّل عمل مؤسسات المعارضة.

زرع بذور الشقاق داخل الهيئة

وبيّن الخالدي أن "منصة القاهرة" لم تتدخل في شؤون الائتلاف الوطني، بينما الكتلة المتحكمة به عملت على زرع بذور الفتنة والشقاق داخل باقي المكونات في الهيئة. وتابع: "أفعال بعض أطراف المعارضة لا تختلف عن نظام (بشار) الأسد في شيء، فالأسد ولكي يصبح رئيساً عدّل الدستور في ربع ساعة، ورئيس هيئة التفاوض السورية (بدر جاموس) عدّل النظام الداخلي في 5 دقائق". وتابع: "على صعيد الإنجازات يمكن اعتبار فترة ولاية الرئيس الحالي الأسوأ بين كل من سبقه، فالملف السوري بات حبيس أدراج الدول التي خفضت مستوى تمثيلها بما يتلاءم مع حجم المعارضة التي تتصدرها مجموعة من عديمي الكفاءة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، يتبادلون فيما بينهم رئاسة الائتلاف والحكومة المؤقتة وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية، وجميعهم منخرطون في تنفيذ أجندات هدفها تفريغ القرار 2254 من مضمونه من خلال القبول باللعب بأولويات القرار". واتهم الخالدي مجموعة داخل الائتلاف لم يسم أعضاءها بـ"الإقصائية المتطرفة"، داعياً إلى تدخل عربي للمساعدة في "لملمة أوراق المعارضة السورية وحشد طاقاتها".

وانبثقت هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية من مؤتمر "الرياض 1" الذي عقد في العاصمة السعودية الرياض أواخر العام 2015، وذلك من أجل خوض المفاوضات مع النظام السوري تحت إشراف أممي، بوفد موحّد من المعارضة. وتشكّلت هيئة التفاوض السورية من "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة"، و"منصة القاهرة" التي شاركت في المؤتمر في خانة المستقلين، وهيئة التنسيق الوطني (معارضة الداخل) وبعض الفصائل المسلحة، إضافة إلى شخصيات مستقلة.

وفي مؤتمر "الرياض 2"، الذي دعا إليه السعوديون في 22 و23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، اختارت المعارضة السورية أعضاء النسخة الجديدة من الهيئة العليا للمفاوضات، التي تضم في المجموع خمسين عضواً. ومن بين هؤلاء عشرة من أعضاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وستة أعضاء من هيئة التنسيق الوطنية، وعشرة ممثلين للفصائل العسكرية، وأربعة من "منصة القاهرة"، وثلاثة من "منصة موسكو"، التي تتماهى تماماً مع الرؤية الروسية، والتي أُدخلت الهيئة، تحت ذريعة "توسيع قاعدة التمثيل والقرار"، إضافة إلى 16 عضواً من المستقلين. وجرى استبعاد عدد من "الصقور" في المعارضة السورية عن الهيئة، أبرزهم رياض حجاب الذي رأس الهيئة في الدورة الأولى لها، بينما اختارت شخصيات أخرى الانسحاب من المشهد نهائياً.

دعا فراس الخالدي إلى تدخل عربي للمساعدة في لملمة أوراق المعارضة السورية وحشد طاقاتها

وهيئة التفاوض هي الجهة المعترف بها من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للتفاوض مع النظام ممثلة للمعارضة السورية تحت المظلة الأممية، وعلى أساس القرار الدولي 2254 الذي ما يزال من دون تطبيق بسبب تعنّت النظام ورفضه تسهيل مهام الأمم المتحدة. ويبدو الشارع السوري المعارض غير راض عن أداء مؤسسات المعارضة السورية، بسبب ترهلها وأدائها السياسي الذي يُوصف بـ"الضعيف" ما أدى إلى تراجع الاهتمام بالقضية السورية في المحافل الدولية وهو ما يصب في مصلحة النظام. وعبّر هذا الشارع عن استيائه من أداء مؤسسات المعارضة السورية من خلال المظاهرات الأسبوعية التي تخرج في الشمال السوري ومن خلال حراك السويداء جنوب البلاد.

وتُتهم هيئة التفاوض السورية بالتبعية لأجندات دول إقليمية، خصوصاً تركيا التي شرعت في تقارب مع النظام السوري ربما يلقي بظلاله على المشهد السوري المعارض برمته، وهو ما يُقلق الشارع المعارض الذي يخشى من تقديم هيئة التفاوض السورية تنازلات لصالح النظام استجابة لضغوط تركية. وعصفت خلال السنوات الماضية خلافات بين مكونات الهيئة وصلت في عام 2021 إلى حد طلب بعض المنصات من المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، التدخل لفض الخلافات بينها، وهو ما عكس في حينه حالة من التخبط ما يزال كما يبدو الحاكم للمشهد السياسي السوري المعارض.

المساهمون