عين الجزائر على الأزمة التونسية: توجس من التدخلات الخارجية والمآلات

20 فبراير 2022
خلال زيارة تبون إلى تونس في ديسمبر الماضي (حسن مراد/Getty)
+ الخط -

لا تغفل عين الساسة في الجزائر عن التطورات السياسية المتلاحقة في الجارة تونس، إذ تراقب أطراف جزائرية كثيرة، رسمية وغير رسمية، الأزمة ومخرجاتها. وتتركز المخاوف من حدوث ارتدادات قد لا تكون في صالح الجزائر، لا سيما أن الأمر يتعلق بدولة تمثّل عمقاً حيوياً بالنسبة للجزائر على الصعيد الأمني والسياسي والاستراتيجي.

الجزائر تريد إبقاء الوضع في تونس تحت السيطرة

وفيما تتباين المواقف والقراءات السياسية في الجزائر إزاء الأزمة، تُبقي المؤسسة الرسمية الموقف الجزائري ضمن سياق ومحددات السياسة الخارجية التي تنأى عن التعليق أو التدخل في الشأن الداخلي للدول.

لكن ذلك لم يمنع وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة من زيارة تونس ثلاث مرات في غضون أسبوعين خلال شهر أغسطس/ آب الماضي. ويفسّر ذلك بوضوح رغبة الجزائر في استجلاء كافٍ لخطط الرئيس التونسي قيس سعيّد.

لم تعترض الجزائر على المسار الجديد بشكل معلن، لكنها كانت معنية بالحصول على ضمانات كافية بإبقاء الوضع في تونس تحت السيطرة، وألا يتسبب هذا المسار في خلق أزمة جديدة في المنطقة المغاربية.

الجزائر معنية بالحصول على ضمانات كافية بإبقاء الوضع في تونس تحت السيطرة

وخلال زيارة لعمامرة إلى القاهرة في يناير/ كانون الثاني الماضي، جرى الإعلان بعد لقائه وزير الخارجية المصري سامح شكري، عن أن المسألة التونسية كانت ضمن الملفات التي تمت مناقشتها.

ويشير ذلك إلى أن الجزائر على علم بتدخلات مصرية في الوضع في تونس، ما يفرض عليها إبلاغ القاهرة بالاشتراطات الجزائرية، خصوصاً في ما يتعلّق برفض الجزائر تطبيق سياسات استئصالية في تونس، قد تثير قلاقل واضطرابات تجد فيها الجزائر نفسها معنية بتبعاتها كدولة جارة، لا سيما أنها تحملت أعباء أمنية خلال السنوات الماضية في مجال مكافحة الإرهاب على الحدود بين البلدين.

ويُؤخذ بعين الاعتبار هنا وجود فارق كبير في الموقف بين الجزائر والقاهرة إزاء وجود قوى الإسلام السياسي في تونس، إذ لا تتشارك الجزائر مع مصر ودول عربية أخرى، في فكرة استئصال قوى الإسلام السياسي من تونس، ممثلة في حركة النهضة.

وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد أكد احترامه لتجربة "النهضة" في الاندماج داخل التجربة الديمقراطية، وقال في حوار مع صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية في يونيو/ حزيران الماضي، إن "الإسلام السياسي لم يكن عقبة في طريق التنمية في بلدان مثل تونس وتركيا أو مصر، فمثل هذا النموذج لا يزعجني، لأنه لا يعلو فوق قوانين الجمهورية التي ستطبق بحذافيرها".

سوء في التقديرات الجزائرية تجاه مشروع قيس سيعّد؟

وتعتقد بعض القراءات السياسية في الجزائر أن هناك سوءاً في التقديرات تجاه التطورات الحاصلة في تونس. ورأى عبد الرزاق مقري، رئيس حركة "مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب المعارضة في الجزائر، أن السلطة الجزائرية أخطأت في تقدير الموقف حيال المشروع السياسي للرئيس التونسي قيس سعيّد.

وقال مقري، في منشور عبر صفحته في موقع "فيسبوك"، قبل نحو أسبوع، إن "من أسباب المطبات التي وقعت فيها السياسة الخارجية في بلادنا، سوء تقدير التطورات في عدد من الملفات الإقليمية الدولية، ومنها الملف التونسي".

ولفت مقري إلى أن "قيس سعيّد يشيّد نظاماً دكتاتورياً بقرارات لا شرعية ولا عقلانية، توّجَها بحل المجلس الأعلى للقضاء".

وتابع "انتفضت ضد هذه القرارات مختلف القوى الوطنية التونسية، وترفضها الأمم المتحدة ومختلف المنظمات الحقوقية الدولية، والجزائر لا تراعي هذا كله، فتتورط في دعمه والإنفاق عليه بلا احترام لقطاعات واسعة من الشعب التونسي، وبلا خوف على سمعة الجزائر في المحافل الدولية وأمام الرأي العام العالمي".

لا تتشارك الجزائر مع مصر ودول عربية أخرى في فكرة استئصال قوى الإسلام السياسي من تونس

يبني مقري موقفه على الزيارة التي قام بها تبون إلى تونس في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والتي فُسرت من قبل البعض على أنها تأييد سياسي من قبل الجزائر لسعيّد وخياراته، التي يرفضها قطاع واسع من التونسيين.

لكن على العكس تماماً، أظهرت الزيارة تراجع تبون والسلطة السياسية في الجزائر خطوة إلى الوراء، وإجراء مراجعة سريعة لتقديرات الموقف إزاء تونس، مقارنة بحديث سابق لتبون مدح فيه سعيّد ووصفه بالرجل الديمقراطي.

وتلافى الرئيس الجزائري خلال الزيارة، أي حديث عن دعم خيارات سعيّد أو إظهار ذلك، وكان حذراً في تصريحاته بشأن الوضع الداخلي في تونس، خصوصاً أن التقارير التي كانت تصل إلى هرم السلطة في الجزائر، كانت تشير بوضوح إلى أن قوى أجنبية تحاول الإحاطة بالمتغيّرات في تونس، وهو أكثر ما يقلق الجانب الجزائري.

تقارير عربية
التحديثات الحية

توجس الجزائر من التدخلات الخارجية بالشأن التونسي

لكن مواقف أخرى تعتبر أن السلطة السياسية في الجزائر تتعاطى مع الملف التونسي كشأن داخلي يخص التونسيين، وترفض التعليق أو القيام بأي خطوة أو اتخاذ أي مواقف قد يفهم منها أنها تدخل في الشأن التونسي.

وفي السياق، قال محيي الدين عميمور، الكاتب والمستشار السابق للرئيس الراحل هواري بومدين، إن "الجزائر تراقب التطورات السياسية في تونس بشكل حذر".

وأضاف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "السياسة الخارجية للجزائر لناحية التعامل مع الشأن التونسي هي كما في غيرها، مرتبطة بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهذا المبدأ ما زال يمثّل عمق القرار السياسي للجزائر تجاه أزمات دول الجوار، وهذا لا يمنعها من تقديم النصح والمشورة انطلاقاً من مقتضيات الأخوة وحسن الجوار".

عميمور: الجزائر منتبهة إلى تدخل قوى إقليمية في الشأن التونسي

ولفت عميمور إلى أن "الجزائر منتبهة إلى تطور الأزمة في تونس، وإلى تدخل قوى إقليمية في الشأن التونسي والضغط لتوجيه الأحداث إلى اتجاهات معينة، قد لا تصب في مصلحة الجزائر، ضمن محاولات متعددة لمحاصرة الجزائر بمزيد من الأزمات في الجوار".

وأشار إلى أن "هذا يفسّر تصريحات الرئيس تبون في وقت سابق بقوله إن أمن الجزائر من أمن تونس، وإن الجزائر ترفض التدخلات الأجنبية في الشأن التونسي، وهو ما دفع إلى الاعتقاد بأن الدبلوماسية تقوم بفعل ما يلزم لمنع ذلك من دون إفصاح".

وبالنسبة لبعض التحليلات السياسية، فإن فهم الموقف الجزائري مما يحدث في تونس، يفرض العودة إلى التقديرات الجزائرية لما بعد ثورة 2011 ضمن موجة الربيع العربي، إذ كانت الجزائر تنظر إلى الحالة التونسية بكثير من الريبة والحذر، خوفاً من تصدير الثورة وحراك الشارع إلى الجزائر في تلك الفترة، واختارت الانتظار مع أخذ الحيطة الأمنية على الحدود.

لكن مرور السنة الأولى من ثورة تونس بسلام، وعدم حدوث تطورات مقلقة بالنسبة للجزائر، جعل السلطة في الأخيرة تستقبل الحكام الجدد لتونس من الإسلاميين، من دون التمادي معهم في أي من مستويات التعاون في تلك الفترة الانتقالية، التي سرعان ما شهدت مرحلة من الفوضى على أثر الاغتيالات السياسية عام 2013.

ومع عودة المنظومة القديمة بقيادة أحد أصدقاء الجزائر، الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، إلى الحكم، أصبحت الجزائر تتعامل بأريحية أكبر مع السلطة التونسية، خاصة بعد إنجاز توافقات بين السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي.

مخاوف جزائرية من فوضى في تونس

في السياق، اعتبر الأستاذ المحاضر في جامعة ليون الفرنسية، رئيس جمعية "الاندماج المغاربي" مقداد إسعاد (جزائري تونسي)، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "طبيعة النظام الرئاسي في الجزائر تشجع الأخيرة على الدفع نحو وجود نظام شبيه في تونس".

وأوضح أنه "بعد الحراك الشعبي في الجزائر تغيّرت الوجوه الحاكمة، جاء الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم تقريباً في فترة رحيل رجل في تونس كان مبعث طمأنينة بالنسبة للجزائر، وهو الباجي قايد السبسي".

طبيعة النظام الرئاسي في الجزائر تشجع الأخيرة على الدفع نحو وجود نظام شبيه في تونس

وتابع "ولأن النظام الجزائري في صلبه نظام رئاسي بامتياز، وجدت الجزائر في 25 يوليو/ تموز (تاريخ بدء المرحلة الاستثنائية التي أعلنها سعيّد) المخرج، وقررت التعامل مع تونس الرسمية ممثلة بقصر قرطاج، حتى ولو أنها لا تعرف حاكمها الجديد المجهول المسار والفكر والخيارات".

وأشار إسعاد إلى أن "الخوف من وقوع انهيار في تونس وانتشار الفوضى، ما قد يضر باستقرار المنطقة كلها، هو الذي فرض على الجزائر تقديم مساعدات مالية إلى تونس، أكثر من كونها راغبة في دعم قيس سعيّد، وهو ما يفسّر الزيارة الأخيرة للرئيس تبون إلى تونس".

ولفت إلى أنه "ربما تكون الجزائر لا ترغب في حكم الإسلاميين في تونس، لكنها ترفض إقصاءهم الكامل، وتحبذ تقليص مساحتهم إلى جزء متواضع في المعارضة، أو إلى مستوى ما من المشاركة الديمقراطية بالطريقة نفسها الحاصلة في الجزائر".

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون