فتح تحرك "الإدارة الذاتية" الكردية في شمالي وشرقي سورية نحو الحصول على "اعتراف سياسي" بها كسلطة لها كيان ونفوذ في جزء واسع من البلاد، الباب على أسئلة حول العوائق التي ستقف في وجه هذا الاعتراف. وتبدو فكرة الاعتراف بـ"الإدارة الذاتية" الكردية مرضياً عنها غربياً، لا سيما في أوروبا، بعد زيارة وفد "الإدارة" إلى فرنسا، الأسبوع الماضي، ولقائه بالرئيس إيمانويل ماكرون، حيث جرى بحث هذه النقطة بالتحديد.
ويعدّ انتشار عناصر "الكردستاني"، المصنف إرهابياً على القوائم الأميركية وقوائم بعض الدول الغربية وتركيا، في كافة مفاصل "الإدارة"، لا سيما على المستويين العسكري والسياسي، وحتى على مستوى التحكم بالموارد الاقتصادية، من أبرز العوائق أمام حصول "الإدارة" على اعتراف دولي بها. كذلك فإن من العوائق الارتباط الوثيق بين "العمال الكردستاني" وحزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي في سورية، والمشار إليه من قبل كثيرين على أنه نسخة سورية من "الكردستاني"، ذي الهوية الكردية، والتركي المنبع والتأسيس.
لا ترغب واشنطن وباريس بفتح باب للمواجهة مع أنقرة
ويتطلب اقتناع الغرب، لا سيما فرنسا والولايات المتحدة، بمنح "الإدارة الذاتية" اعترافاً سياسياً دولياً، أو المساعدة لحشد يفضي إليه على الأقل، حلّ هذه المعضلة، إذ لا بد من السير في أحد طريقين لتحقيق ذلك. ويتمثل الطريق الأول في الضغط على "الاتحاد الديمقراطي" و"الإدارة"، وحتى على "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، المدعومة بالمطلق من قبل واشنطن و"التحالف الدولي"، لفكّ الارتباط مع "الكردستاني" بطريقة أو بأخرى، وبالتالي عودة عناصر الأخير وقياداته من سورية إلى مخابئهم في جبال قنديل، شمالي العراق. أما الطريق الثاني، فهو برفع "الكردستاني" عن قوائم الإرهاب، ما يزيل عقبة تغلغل كوادره داخل "الإدارة".
لأسباب كثيرة، يمكن القول باستحالة الخيار الثاني، إذ من الواضح عدم الرغبة الأميركية والغربية بفتح مواجهة مع أنقرة التي تضع "العمال الكردستاني" على رأس لائحة أعدائها التقليديين خلال العقود الأربعة الماضية، والتي خاضت ضده حروباً كلّفت الطرفين الكثير من الأرواح. ومن الصعوبة أن تقبل أنقرة بمثل هذا الطرح أو الحلّ لهذه المشكلة. أما الخيار الأول، فسيكون تطبيقه منطلقاً لفتح مواجهة محتملة بين "الاتحاد الديمقراطي" و"الكردستاني"، أو بالأحرى بين العناصر السورية في "الكردستاني"، وغير السورية داخله، لا سيما أن هذا الحزب وقياداته يعتبرون أنفسهم أوصياء على "الاتحاد الديمقراطي" وعلى "الإدارة الذاتية"، وأن ما قدموه في شمال وشرق سورية من تضحيات لا يمكن التفريط بمكاسبها بسهولة.
هذه المواجهة باتت أمراً محتملاً، لا سيما مع التمهيد لها من كلا الطرفين. ففي نهاية العام الماضي، جاء اعتراف القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي بوجود للحزب وعناصره في شمالي وشرقي سورية، نقطة لبداية صراع داخلي كردي بين "الكردستاني" و"الاتحاد الديمقراطي"، أو بين الأول و"الإدارة الذاتية"، وجناحها العسكري "قسد" على الأقل. ففي حين ثمّن عبدي، الذي كان أحد قيادات "الكردستاني"، تضحيات مقاتليه في سورية، لا سيما في محاربة تنظيم "داعش"، بعد تقديمهم 4 آلاف مقاتل قضوا في المواجهات، فإنه أشار إلى اتفاق بوساطة أميركية بين الأطراف الكردية في سورية على الانسحاب التدريجي للحزب من البلاد. لكن جميل بايق، الذي يعتبر قائداً لـ"العمال الكردستاني" بالإنابة عن زعيم الحزب عبد الله أوجلان المعتقل في تركيا، أشار إلى أن عناصر "الكردستاني" قدموا تضحيات في سورية، وانسحب منهم العناصر غير السوريين، فيما بقي السوريون منهم يدافعون عن بلادهم. وهذا يعطي إشارة إلى عدم تفريط هذا الحزب بالمكتسبات في سورية، لا سيما الهيمنة على الجانب العسكري عبر "قسد" والتحكم بالموارد، في مقدمها النفط.
كذلك فإن معضلة ارتباط "العمال الكردستاني" بـ"الاتحاد الديمقراطي"، تعتبر عائقاً أمام التوصل إلى صيغة تفاهم أو التقاء بين الأطراف الكردية السورية نفسها، إذ يصّر المجلس الوطني الكردي، الذي يعتبر طرف الحوار الكردي - الكردي أمام أحزاب الوحدة الوطنية التي يقودها "الاتحاد"، على فكّ الارتباط بـ"الكردستاني"، لإنجاز التفاهم ضمن الحوار الذي لم يفرز حتى الآن نتائج حقيقية، على الرغم من الدفع الأميركي لتحقيق تقدم فيه.
في هذا السياق، اعتبر عضو المجلس الوطني الكردي شلال كدو أن الطريق للاعتراف بـ"الإدارة" يمر بإنجاح الحوار الكردي وتشكيل إدارة من كافة مكونات المنطقة، ومن ثم تمثيل هذه الإدارة في أجسام المعارضة السورية ودخولها على خطّ المشاركة في اللجنة الدستورية السورية، ليصار إلى إدراج مصطلح "الإدارة" في الدستور الجديد. ورأى أن ذلك هو الذي سيفرض على المجتمع الدولي التعامل مع "الإدارة" شرعياً، وغير ذلك فإنه "مضيعة للوقت".
الطريق للاعتراف بـ"الإدارة" يمر بإنجاح الحوار الكردي
وأعرب كدو، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن عدم اعتقاده بأن باريس وواشنطن بصدد تقديم اعتراف جدي بـ"الإدارة الذاتية" بشكلها الحالي، نظراً للعوائق القانونية والسياسية حيال ذلك. وبرأيه، لا يمكن الاعتراف بـ"الإدارة" من دون توصيفها كإدارة ذاتية في دستور البلاد، ما يعتبر مخالفة للقانون الدولي، مشيراً إلى أن الرغبات لدى بعض الأطراف الكردية شيء، والواقع شيء آخر.
وحول ارتباط "الكردستاني" بـ"الاتحاد"، أشار كدو إلى أن التصريحات الأخيرة لألدار خليل، عضو الهيئة الرئاسية في "الاتحاد"، والمشار إليه كذلك بأنه أحد قيادات "الكردستاني"، تعبر عن حقيقة الارتباط الوثيق بين الطرفين. وكان خليل قد اعتبر قبل أيام، أنه إذا شارك "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، الذي يعد أحد الأحزاب الحاكمة في إقليم كردستان العراق، "الاحتلال التركي في هجماته على الكريلا (الجناح العسكري لـ"العمال الكردستاني")، فلن نقف مكتوفي الأيدي".
وأعرب كدو عن اعتقاده بأن مسألة رفع "العمال الكردستاني" من قوائم الإرهاب بسبب العلاقة القوية التي تجمع "الاتحاد الديمقراطي" و"قسد" بالولايات المتحدة، أمر مستبعد بالمطلق. وأضاف أن "الاتحاد والعمال يسعيان لتحقيق هذا الهدف على حساب القضية الكردية، لكن هذا الأمر لا يمكن تحقيقه على الأقل في المرحلة الحالية، ومن الصعوبة تحقيقه كذلك مستقبلاً".