يواجه مجلس الجهات والأقاليم والانتخابات المحلية التحضيرية في تونس انتقادات عديدة بشأن طريقة التصعيد من القواعد إلى المركز عبر القرعة، وسط غموض تنظيم هذه المحليات والجهات والأقاليم، وحدود صلاحياتها، وعلاقتها بباقي السلطات.
وانتقد سياسيون "ضبابية" المراسيم التي أصدرها الرئيس قيس سعيّد لإحداث المجالس المحلية والجهوية، وعلاقة مجلس الجهات والأقاليم بالبرلمان، وعلاقة المحليات (القاعدية) بممثلي الدولة من سلطة محلية وجهوية، ممثلة في المعتمدين والمحافظين المعينين لتمثيل السلطة التنفيذية من قبل وزير الداخلية ورئيس الجمهورية.
وأعلن رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة، خلال افتتاح الدورة النيابية العادية الثانية للبرلمان، الأسبوع الماضي، أنه من بين أهم التشريعات التي تتطلّبها المرحلة "القانون المنظّم للعلاقة مع المجلس الوطني للجهات والأقاليم"، مؤكداً أنه "سيُعمل وفق ما تتيحه الآليات الدستورية على استحثاث إحالة هذه المبادرات التشريعية على المجلس، حتى يتمكّن من دراستها وتعميق النظر فيها في متّسع من الوقت".
ونص الدستور، الذي صاغه الرئيس سعيّد بمفرده وعرضه على استفتاء في 2022، على أن "المجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم يتكون من نوّاب منتخبين عن الجهات والأقاليم". وعلى أن تُعرض "وجوبا على المجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم المشاريع المتعلّقة بميزانيّة الدّولة ومخطّطات التّنمية الجهويّة والإقليميّة والوطنيّة لضمان التّوازن بين الجهات والأقاليم. ولا تتمّ المصادقة على قانون الماليّة ومخطّطات التّنمية إلاّ بأغلبيّة الأعضاء الحاضرين بكلّ من المجلسين، على ألاّ تقلّ هذه الأغلبيّة عن ثلث أعضاء كلّ مجلس".
ودعا الرئيس سعيّد إلى انتخابات محلية في 24 ديسمبر/كانون الأول، في دورة أولى قد تقود إلى دورة انتخابية ثانية.
وتدور الانتخابات المحلية على مستوى العمادات (أصغر منطقة إداريا) التي تنتخب ممثلاً واحداً عنها، ثم يجرى اختيار المجلس الجهوي (على مستوى المحافظة) عبر القرعة بين أعضاء المجلس المحلي.
وأما مجلس الإقليم فيجرى الترشح له من الأعضاء المنتخبين في المجالس الجهوية، وكل مجلس جهوي ينتخب ممثلاً واحداً له بمجلس الإقليم.
كما ينتخب كل مجلس جهوي 3 أعضاء لتمثيل جهتهم في المجلس الوطني للجهات والأقاليم (الغرفة الثانية للبرلمان).
وأفاد أمين عام حزب التكتل من أجل العمل والحريات خليل الزاوية، في تعليق لـ"العربي الجديد"، بأن "هناك ضبابية وغموضاً في دور المجالس المحلية التي ستُنتخب وعلاقتها مع السلط المحلية وكيفية عملها وموازنتها وأجور أعضائها، فالنصوص لم توضح العديد من النقاط الغامضة التي تفتح أبواب التساؤل عن الجدوى من انتخاب هذه المجالس، وستجعل الناخب غير مكترث بالذهاب للتصويت في الانتخابات".
وبين الزاوية أن "الانتخابات ثم المرور للاختيار عبر القرعة والحظ والصدفة ستنتج مجلس الصدفة، وهو تعبير عن عملية التصعيد القاعدي التي يريد أن يؤسس لها الرئيس لبناء نظام هلامي بعيد عن الديمقراطية الحقيقية". واعتبر أن "هناك غموضاً في علاقة المجلسين الغرفتين، ودورهما في الوظيفة التشريعية التي يمكن أن تصبح معطلة للعمل التشريعي".
وقال عضو جبهة الخلاص الوطني القيادي في "حركة النهضة" رئيس اللجنة الانتخابية بالبرلمان المنحل بدر الدين عبد الكافي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "ما يحدث هو تجاوز الفوضى التشريعية والمؤسسية إلى مرحلة العبث بالدولة، بل هي مهزلة تتجسد في هذا الجهاز الذي يريد الرئيس تشكيله لتنفيذ برنامجه"، مشيراً إلى أن" كل شيء يحفه الغموض حول صلاحيات المجالس المحلية والجهوية ودورها وتمويلها، وعلاقاتها مع باقي السلط، كما يحف الغموض العلاقة بين مجلس الجهات والأقاليم مع البرلمان وما قد يحدث من تداخل وتضارب".
وأضاف أن "التجربة مع الانتخابات التشريعية بيّنت، علاوة على العزوف الكبير ونسبة المشاركة المنخفضة جداً، أداء هذا البرلمان الصوري والشكلي في مقابل الشيء الوحيد الواضح وهو هدف الرئيس الاستحواذ على كامل السلطة"، مستنتجاً أن "هذا المجلس لن يختلف كثيراً عن البرلمان فهو سيكون مجلسا مواليا".
ولفت إلى أنه "لا أحد يملك إجابة حول الجدوى من هذا المجلس وماذا سيقدم للتونسيين وكيف سيحل مشاكل البلد".
واستغرب عبد الكافي "من ازدياد الأزمة عمقاً في مقابل مضي الرئيس في الانتخابات من دون مبالاة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي وطوابير الخبز والسكر والزيت والمواد الأساسية.. بالإضافة إلى وضع عشرات المعتقلين ودخولهم في إضراب جوع، ووضع القضاء والعدالة، وقمع الحريات وتكميم الأفواه".
من جهتها، أكدت المتحدثة الرسمية باسم حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري مريم الفرشيشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحزب لن يشارك طبعاً في انتخابات المجالس المحلية، لأننا نعتبر أن ما حصل في 25 يوليو 2021 هو انقلاب ولا معنى له ولا شرعية ولا دستورية".
وبينت أن "هذه المجالس التي سيقع انتخابها محليا ومجالس الجهات والأقاليم لا يمكن أن يكون لها دور تشريعي، ونحن نعتقد أنه يفترض أن تكون مجالاً لاتخاذ قرارات تهم التنمية".
وتساءلت الفرشيشي: "ما هو دور هذه المجالس وماذا ستوزع من موارد غير موجودة، والإشكال أن كل البلاد تحتاج تنمية وكل المناطق تنتظر التنمية، وبالتالي كان الأجدى أن تخلق السلطة الثروة لتحقيق التنمية، لا خلق مجالس لتوزيع التنمية من دون موارد"، بحسب تعبيرها.