شهادات مؤلمة عن جرائم إسرائيلية ضد معتقلي "هبّة الكرامة"

16 مايو 2023
شنّت شرطة الاحتلال على مدار شهور حملة اعتقالات على فلسطينيي الداخل في 2021 (Getty)
+ الخط -

بمرور عامين على "هبّة الكرامة" التي فجّرت في مايو/ أيار 2021 مواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي في الداخل الفلسطيني والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، استعرض "مركز عدالة" وقائع وشهادات وتحليلات قانونية حول سياسات القمع والفصل العنصري التي مارستها سلطات الاحتلال ضد فلسطينيي الداخل المحتل.

وسلّط التقرير، الذي وثق شهادات لعشرات الشبان والمعتقلين بشأن الانتهاكات والاعتداءات الوحشية التي تعرضوا لها من قبل أفراد شرطة الاحتلال والمستوطنين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، الضوء على السياسات القمعيّة التي انتهجتها إسرائيل ضمن نظام فصل عنصري.

ومن ضمن هذه السياسات كيفية التعامل مع الملفات من قبل المحاكم والأحكام القاسية وغيرها، إضافة إلى حيثيات استشهاد كل من الشهيد محمد كيوان الذي سقط برصاص الشرطة في أم الفحم، والشهيد موسى حسونة في اللد برصاص المستوطنين، الذي أغلق الاحتلال ملف المشتبه فيهم بقتله.

وأشار التقرير إلى استعمال شرطة الاحتلال العنف المفرط والوحشي خلال قمع المظاهرات، وضد المعتلقين داخل مراكز الشرطة، إضافة إلى الممارسات القمعية الأخرى، كمنع دخول المحامين إلى محطات الشرطة، وانتهاك حقوق القاصرين.

وعقب انتهاء الهبّة في مايو/ أيار 2021، شنّت شرطة الاحتلال على مدار الشهور التي تبعتها حملة اعتقالات واسعة ضد فلسطينيي الداخل المحتل.

وجاء في التقرير أنه "وفقاً لمعطيات الشرطة الإسرائيلية رداً على طلب "حرية معلومات" توجّه به مركز عدالة، نُفِّذ 1845 اعتقالاً في إطار ما سُمي حملة قانون ونظام".

لكن رغم ذلك، يتبين وجود فجوة كبيرة بين هذا المعطى وبين الأرقام الرسميّة التي نشرتها مؤسسات إسرائيلية أخرى. ففي تقريرها عن حملة "قانون ونظام"، الذي نُشر في يونيو/ حزيران 2021، تُشير الشرطة إلى أنّ عدد المعتقلين في الحملة قد وصل إلى 2142، بينما يُشير تقرير "مراقب الدولة" بشأن عمل الشرطة في أثناء هبّة الكرامة في المدن "المختلطة" إلى وجود فجوة كبيرة بين عدد المعتقلين الذي أعلنته وحدة التحقيقات في الشرطة، وذلك الذي أعلنه قسم البحوث والإحصاءات في الشرطة، إذ يُشير الأول إلى وجود ما يقارب 3200 معتقل في أثناء الهبّة وفي حملة "قانون ونظام" التي تبعتها، بينما يُشير الثاني إلى وجود 2200 معتقل فقط.

من بين الـ1845 معتقلاً الذين صرّحت عنهم الشرطة، كان هناك 1671 معتقلاً فلسطينيّاً، مقابل 171 معتقلاً يهوديّاً فقط، على الرغم من الشكاوى العديدة التي تقدّم بها "مركز عدالة" بشأن مناشير تحريضيّة وتهديديّة، وكذلك لهجمات نظّمها المستوطنون بالمئات على الفلسطينيين في المدن "المختلطة".

وتُظهر المعطيات أيضاً أنّ عدد المعتقلين القاصرين دون سنّ الثامنة عشرة قد وصل إلى 291، بالإضافة إلى 1551 معتقلاً بالغاً، بما معناه أنّ 91% من مجمل المعتقلين كانوا فلسطينيين، وأكثر من 15% من المعتقلين كانوا قاصرين.

شهادات التعذيب والتنكيل

وأرفق التقرير شهادات لعشرات المعتقلين حول التنكيل والتعذيب الذي تعرضوا له داخل محطات الشرطة وخارجها، إضافة إلى محامين اعتُدي عليهم، وعابري سبيل ومتظاهرين، وذلك ضمن شكاوى قدّمها مركز عدالة لقسم "ماحاش" المتخصص بالرقابة على أداء الشرطة.

وبيّن التقرير أن جميع الشكاوى أُغلقت دون استثناء.

من بين الحالات الموثقة، حالة الطفل (ي.م) من مدينة يافا (12 عاماً)، الذي كان قد خرج برفقة أصدقائه إلى الحي لاقتناء بعض الحلوى بعد الانتهاء من إفطار رمضان ذلك المساء، فوجد بطريقه قوات كبيرة من الشرطة تطلق قنابل صوتيّة ورصاصاً إسفنجياً بشكل عشوائيّ في الشارع. ولتفادي الإصابة، ركض القاصر نحو شارع جانبيّ باحثاً عن ملجأ يحتمي به، وإذا بشرطيّ يطلق النار عليه مباشرة ويصيبه في ظهره برصاصة إسفنجيّة من مسافة أمتار قليلة فقط، ومن ثمّ تُرك مُلقىً على الأرض، وهو ينزف. بعد مرور دقائق عدّة، عثر عليه أحد أصدقائه، وقدم له مع بعض المارة المساعدة، حيث نُقل على الفور إلى مشفى "وولفسون" لتلقي العلاج. مكث (ي.م) ما يزيد على الأسبوع في وحدة العناية المكثّفة، حيث تبيّن أنّه يعاني من إصابات داخلية عدة، منها إصابات في الرئة والكلية والكبد.

ومن ضمن شهادات التنكيل والاعتقال غير القانوني، ما حدث في قرية طوبا الزنغرية، إذ خرج (م.ع) ليتفقد بوابة منزله بعد سماعه لدوي قنابل كثيف بالقرب منه، وما إن وصل إلى المدخل، حتى بدأ أفراد من الشرطة بملاحقته إلى داخل منزله، لينهالوا عليه بالضرب أمام عائلته وأطفاله، قبل أن تسحبه قوات الشرطة إلى الخارج وتنقله إلى ساحة المجلس المحلّي، حيث تُركَ مكبَّل اليدين والرجلين لساعات طويلة بشكل مهين وتعسّفي، قبل أن يُنقل إلى مركز الشرطة. وبعد مضي ساعات عديدة أُعلِم أنّه معتقل.

ولم يسلم المحامون من التنكيل كذلك. فبالإضافة إلى منعهم من لقاء المعتقلين ومنحهم الاستشارة القانونية، اعتُقل بعضهم، وكانت لمركز شرطة "المسكوبية" في مدينة الناصرة حصة الأسد في التعذيب والتنكيل، إذ يصف المعتقلون غرفة الاعتقال هناك بأنها "غرف التعذيب".

وأضاف البيان: "تظهر هذه الشهادات اقتراف جرائم جنائيّة قاسية ارتكبها أفراد الشرطة والمسؤولون في المسكوبية، وقد شملت الاعتداءات العنف الوحشي الجسدي والكلامي والنفسي تجاه المعتقلين، إضافة إلى منعهم من التقاء المحامين وانتهاك حقوق معتقلين قاصرين".

وتشير الشهادات إلى أن بعض المعتقلين وصلوا إلى محطة الشرطة وهم يعانون من إصابات جسديّة دامية، بينما اعتُدي على آخرين داخل محطة الشرطة.

وقال أحدهم في شهادته: "قام أفراد الشرطة بربطي بذات الأصفاد مع معتقلين آخرين، معتقل من الجهة اليمنى وآخر من الجهة اليسرى، وأمرونا بالجلوس على ركبنا، وجوهنا نحو الجدران ورأسنا للأسفل، ثم بدأوا بضربنا ضرباً مبرحاً بأقدامهم وهراواتهم، شاهدت دماء أحد المعتقلين تسيل على الأرض، إذ تعرّض لضربة على رأسه. صرخ أفراد الشرطة طوال الوقت: "رأسك للأسفل، ممنوع رفع رؤوسكم"".

يروي معتقل آخر في شهادته أنه رأى "أحد المعتقلين مع كسرٍ في أنفه، ووجهه مليء بالدم، على الرغم من ذلك استمروا بضربه. أحد افراد الشرطة كان ملثماً وضرب المعتقلين ببندقية كان يحملها". وفي شهادة أخرى عن وحشيّة الضرب، يؤكّد أحد المعقلين أنه رأى "شرطياً يضرب معتقلاً بواسطة عصا المكنسة نحو يديه وقدميه حتى كُسرت المكنسة. كان يتعالى صوت ضحك أفراد الشرطة وسط الاعتداءات".

سياسة السيطرة

وقال التقرير إنّ السياسات التي انتهجتها السلطات القانونيّة، والنيابة العامة، أعادت التأكيد من جديد انتهاج إسرائيل لسياسة فصل عنصري في تطبيق القانون، تجلّت من جهة بإطباق سياسة سيطرة على الفلسطينيين بوسائل قمع وترهيب، ومن جهة أخرى بتوفير الحصانة القانونيّة للمستوطنين ورجال الشرطة.

وأضاف أن الممارسات الإسرائيلية خلال الهبّة "لم تكن مفصولة عن السياق الإسرائيلي والقانوني العام المبني على نظام الهيمنة والتفوق العرقي، وقد أسست بذاتها لممارسات قمع إضافيّة تمت بلورتها بالأشهر التي تلت الأحداث، من ضمنها استغلال الجريمة و"مخططات مكافحة الجريمة" في المجتمع العربي لتوسيع صلاحيّات الشرطة لزيادة السيطرة على المواطنين الفلسطينيين وانتهاك حقوقهم".

كذلك تبع تلك السياسات التصديق على مخططات حكوميّة بملايين الشواقل، التي كُللت بإعلان وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، في مارس/ آذار 2023، إقامة "الحرس القومي"، إضافة إلى قرارات حكوميّة عديدة أخرى تدعو إلى فرض المزيد من الرقابة والمراقبة تجاه المواطنين الفلسطينيين وتحركاتهم السياسيّة. 

ودعا "مركز عدالة" إلى "تدخل دولي من أجل حماية المواطنين الفلسطينيين من الممارسات القمعية الممأسسة"، وشدد على "وجوب بقاء مؤسسات المجتمع المدني في حالة تأهّب واستعداد دائمة من أجل مواجهة سياسات القمع والسيطرة الإسرائيليّة".

المساهمون