زيارة شي إلى روسيا: طموح صيني بتسجيل اختراق جديد

20 مارس 2023
من تظاهرة في بروكسل ضد الغزو، مارس 2022 (تييري موناسي/Getty)
+ الخط -

يصل الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى العاصمة الروسية موسكو، اليوم الإثنين في أول جولة خارجية له بعد بدئه رسمياً ولايته الثالثة، وسط مؤشرات على محاولة قيام بكين بدور أكثر فاعلية لحلّ الأزمة الأوكرانية.

وتعدّ زيارة شي إلى روسيا الأولى له منذ بدء روسيا الحرب على أوكرانيا، في 24 فبراير/شباط 2022، وتأتي أيضاً بعد أيام قليلة من إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للاشتباه في ارتكابه جرائم حرب، كما تأتي في وقت تشهد فيه الدبلوماسية الصينية حراكاً غير مسبوق بعد تسجيل اختراق كبير في ملف المصالحة السعودية - الإيرانية. وكانت بكين قد طرحت نفسها أخيراً وسيطاً لحل الأزمة بين موسكو وكييف، وهو الأمر الذي رفضته واشنطن.

جميع هذه العوامل تجعل من زيارة الرئيس شي إلى روسيا محط أنظار القوى الغربية التي تراقب عن كثب التقارب الروسي - الصيني، نظراً لما قد يترتب عليه من تداعيات تتعلق بمسار الحرب، وتؤثر بشكل كبير على ميزان القوى بين طرفي النزاع، خصوصاً بعد تحذيرات غربية للصين من مغبة إمداد روسيا بالسلاح.

وكانت الصين أصدرت في شهر فبراير الماضي وثيقة بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للحرب الروسية في أوكرانيا، قالت فيها إن محادثات السلام هي الحل الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء الأزمة، ودعت إلى اتخاذ إجراءات لتجنب خروج الوضع في أوكرانيا عن السيطرة. وقد رفضت واشنطن المبادرة الصينية، كما رفض الاتحاد الأوروبي الوثيقة ووصفها بأنها منحازة للمطالب الروسية.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين، في إفادة صحافية يوم الجمعة الماضي، إن زيارة شي تهدف إلى تعزيز السلام العالمي. وأضاف: "نعتقد دائماً أن الحوار السياسي هو السبيل الوحيد لحلّ النزاعات والخلافات، وأن إشهار السيوف والعقوبات الأحادية والضغط الشديد لن تؤدي إلا إلى تكثيف التناقضات وزيادة التوترات، وهو ما لا يتماشى مع مصالح وتوقعات معظم الدول في العالم".

من جانبه، أعرب وزير الخارجية الصيني تشين قانغ، في محادثة هاتفية مع نظيره الأوكراني دميترو كوليبا، قبل يومين، بأن الصين تأمل في أن تبقي أوكرانيا وروسيا الباب مفتوحاً للحوار والمفاوضات، وألا تغلقه أمام تسوية سياسية. وأضاف أن بلاده ستواصل لعب دور بناء في تعزيز وقف إطلاق النار وتخفيف الأزمة واستعادة السلام.

الفرصة سانحة لاختراق صيني

في تعليقه على زيارة شي إلى روسيا، أوضح الخبير في الشؤون الدولية تشين قوه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك أكثر من قراءة للزيارة، جميعها لها علاقة بالتطورات الأخيرة والمصالح المتشابكة بين جميع الأطراف. ولكن ما يهم، بحسب قوله، هو فهم الأسس التي تنطلق منها الدبلوماسية الصينية التي حافظت على التواصل مع جميع أطراف النزاع في أثناء الحرب.

فمن جهة، يمكن القول، بحسب رأيه، إن الأمر لا يعدو كونه زيارة بين دولتين صديقتين، وبالتالي فهي زيارة صداقة وتعاون وسلام تنطوي على تعزيز وتوثيق العلاقات والمصالح المشتركة، خصوصاً أن موقف بكين من الأزمة الأوكرانية ظل ثابتاً منذ اندلاع الحرب ولم يخضع لأي ضغوط أو اعتبارات أخرى. ومن جهة أخرى، أضاف الخبير أنه يمكن البناء على ما أنجزته الصين أخيراً في ملف الأزمة بين الرياض وطهران، وهو أمر يرفع من سقف الطموحات والتوقعات، ويقدم الصين وسيطاً موثوقاً لجميع الأطراف، ويجعلها تدخل بقوة في هذا الملف من أجل إيجاد حلّ سلمي للأزمة الأوكرانية.

تشو يونغ: حل القضية الأوكرانية لا يخضع لرغبة وسلطة الصين

ولفت تشين قوه إلى أنه انطلاقاً من ذلك، فإن القيادة الصينية ترى أن الفرصة سانحة لتحقيق اختراق عجزت عنه القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي انحازت لصالح طرف على آخر وقدمت الدعم المالي واللوجستي وحتى العسكري، وهو ما يتناقض مع الأعراف الدولية في فترة الحروب والنزاعات.

وتابع تشين قوه أن الصين قدمت ورقة من 12 نقطة تضمنت اقتراحاً مجدياً لحل الأزمة، وحسب قوله، فإن الورقة تنفي تهمة الانحياز الصيني للطرف الروسي، حيث أظهرت بنود الوثيقة مدى واقعية الصين وموضوعيتها وجهودها الحثيثة في التواصل مع جميع الأطراف لحل الأزمة عبر الحوار وعلى أسس سلمية. وأكد أن بكين هي اليوم أكثر استعداداً من أي وقت مضى للعب دور بناء في القضايا المحورية على الصعيدين الدولي والإقليمي، وأن ذلك ينسجم من موقعها ومكانتها باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، وقوة سياسة واقتصادية لا يستهان بها.

مقاربة صينية خاطئة لفرصة الوساطة

في المقابل، شكّك الباحث في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث (مقره هونغ كونغ)، تشو يونغ، في حديث مع "العربي الجديد"، بقدرة الصين على أداء دور الوسيط في الأزمة الأوكرانية. وقال تشو يونغ: "لا شك في أن حرب أوكرانيا ستكون على جدول أعمال شي في موسكو، نظراً لأن بكين لديها الإرادة الحقيقية لتعزيز محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا، ولكن يجب عدم رفع سقف التوقعات".

ولفت الباحث إلى أن ضعف التوقعات، بنظره، يعود إلى سببين: الأول هو أن حل القضية لا يخضع لرغبة وسلطة الصين، بل يعتمد على مدى توفر الإرادة عند طرفي النزاع، أما الثاني فهو عدم وجود أي نقاط التقاء بين الأزمة الأوكرانية والملف السعودي - الايراني، باعتبار أن روسيا تخوض حرباً في أوكرانيا، بينما الخلاف القائم بين الرياض وطهران هو صراع عقائدي لا يفضي بطبيعة الحال إلى نشوب حرب. وبرأيه، فإن كان بالتالي من السهل تحقيق اختراق في الملف الأخير، ما جعل الصين تعتقد بأنها قادرة على تكرار التجربة في الأزمة الأوكرانية، وهذه مقاربة خاطئة، بحسب قوله.

تشي جيانغ: لدى الصين أولوية بعد إعادة انتخاب شي، في تعزيز التبادلات التجارية مع دول العالم

وعن الدوافع الصينية، قال تشو يونغ، إنه ربما لمست بكين ضعفاً في موقف البلدين بعد مرور عام على الأزمة، فأوكرانيا لا تزال ترزح تحت الحرب، وقد فقدت العديد من جنودها، فضلاً عن تشريد سكّانها وانهيار اقتصادها، أما روسيا فقد بات موقفها صعباً مع تشديد العقوبات وإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق فلاديمير بوتين، رغم استحالة تنفيذ ذلك، وبالتالي شعرت القيادة الصينية بأن الظرف الدولي الراهن والتطورات الأخيرة المرتبطة بحراكها الدبلوماسي، يجعلها مؤهلة للعب دور الوسيط، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة. ولفت إلى أنه حتى في حال فشل الصين في تقديم أوراق اعتمادها كوسيط في الأزمة، فإن ذلك يرفع من أسهمها إذ يعزز صورتها كراع للسلام، ويدحض الرواية الغربية، من منظور صيني، بأن بكين تمثل تهديداً للأمن والسلم في العالم.

دوافع اقتصادية

من جهته، شدّد الخبير الاقتصادي تشي جيانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، على ضرورة عدم إغفال البعد التجاري للزيارة، حتى وإن طغى عليها الجانب السياسي، موضحاً أن الصين لديها أولوية بعد إعادة انتخاب الرئيس شي وتسمية أعضاء الحكومة الجديدة، في تعزيز التبادلات التجارية مع دول العالم بعد فترة الركود التي تسببت بها جائحة كورونا على مدار السنوات الثلاث الماضية، وذلك لتحقيق معدل النمو المستهدف والبالغ 5 في المائة، بالإضافة إلى إرساء الاستقرار في الأسواق وسلاسل التوريد.

ولفت جيانغ إلى أن التبادلات التجارية بين الصين وروسيا، حقّقت زيادة منذ مطلع العام الحالي بنسبة 26 في المائة على أساس سنوي لتصل إلى 33 مليار دولار، وهو أمر يظهر مرة أخرى أن أساس التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي لا يزال قوياً رغم الاضطرابات التي عصفت في البلدين خلال الفترة الماضية.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن روسيا أصبحت مصدراً رئيسياً لواردات الصين من النفط والغاز الطبيعي والفحم. كما أن القيمة الإجمالية للسلع المتداولة بين البلدين وصل خلال العام الماضي إلى مستوى قياسي بلغ 190 مليار دولار. وبالتالي، برأيه، فإن هناك أولوية لتوثيق هذه التبادلات بما يخدم مصالح البلدين.

وتوقع تشو يونغ أن يتم التوقيع خلال زيارة شي على مجموعة من اتفاقيات التعاون خصوصاً في مجال الطاقة والكهرباء والغاز الطبيعي، مضيفاً أن هذه الاتفاقيات ستعود بفائدة كبيرة على كلا الجانبين بعيداً عن زخم الوساطة والتأويلات السياسية.


 

المساهمون