تراجع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك عن الوعد الذي أطلقه أثناء خوضه الانتخابات الصيف الماضي بخصوص معاهد كونفوشيوس الصينية في بريطانيا.
وتعهد سوناك، في حال فوزه، بإغلاق هذه المعاهد التي تتجاوز الـ30 معهداً في المملكة، متّهماً الصين بـ"نشر الدعاية والتجسس على الطلاب وتهديد حرية التعبير في الجامعات"، كما تعهّد بـ"طرد الحزب الشيوعي الصيني من جامعاتنا"، معلناً أن الصين هي "أكبر تهديد طويل الأمد لبريطانيا".
ويأتي ذلك بالتزامن مع انتقادات لاذعة وجّهتها رئيسة الحكومة السابقة، ليز تراس، لسوناك من تايوان، حيث تقوم برحلة هي الأولى لزعيم سياسي رفيع المستوى منذ عهد رئيسة الحكومة الراحلة مارغريت تاتشر، وطالبت سوناك بتنفيذ تعهداته وتبنّي خطاب أكثر تشدداً تجاه بكين والتهديد الذي تمثّله على "أمننا القومي".
واعترف ناطق باسم الحكومة البريطانية بـ"الخطر الذي تمثّله معاهد كونفوشيوس عبر تدخّلها في قطاع التعليم لدينا"، لكنه قال إن الحكومة لا ترى أن "حظر تلك المعاهد هو الأمر الصواب في هذه اللحظة"، على أن تتخذ إجراءات تمنع أي تمويل حكومي متعلق بتلك المعاهد، إضافة إلى إلزامها بـ"كامل قيمنا المتمثلة بالانفتاح وحرية التعبير وبالعمل ضمن القانون بشكل شفاف".
إلا أن المسؤولين البريطانيين لم يوضحوا استراتيجية الحكومة لإلزام أكثر من 30 معهداً بتطبيق تلك المعايير التي تحكم أي هيئة دولية في المملكة المتحدة.
ولطالما كانت العلاقة بين المملكة المتحدة والصين مسألة خلافية في صفوف "حزب المحافظين" وبين كافة الأطراف السياسية، بما فيها المعارضة المتمثلة بـ"حزب العمال" التي ترى أن الأولوية الآن تقتضي محاربة روسيا وتفكيك التهديد الذي تمثله على العالم أكثر من الالتفات لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
كما أن ملف العلاقة مع بكين هو من أكثر الملفات الخارجية تعقيداً بالنسبة لسوناك، على الرغم من محاولاته المستمرة "طمأنة" بكين من أن العلاقات في طريقها إلى تحسن "مشروط"، إلا أن معارضيه الكثر لا يرون في تصريحاته أي "شروط"، لا سيما أن الصين تسعى عبر نفوذها السياسي والاقتصادي والتقني إلى فرض نموذجها الجديد.
ويُذكر أن معاهد كونفوشيوس هي مؤسسات صينية منتشرة في جميع أنحاء العالم، وتقدم دورات للغة الماندرين في الجامعات والمدارس بالإضافة إلى إدارة وتنظيم الفعاليات الثقافية. ويوجد في المملكة المتحدة أكثر من 30 معهداً في جامعات عريقة مثل مانشستر وشيفيلد وساوثهامبتون، بالإضافة إلى تعليم لغة الماندرين في المدارس ضمن برنامج تموّله وزارة التعليم.
"عدوان عالمي"
وفي سياق متصل، سيلتقي وزير الدفاع البريطاني بن والاس، غداً الجمعة، بأعضاء وفد من الكونغرس الأميركي بقيادة الجمهوري مايك غالاغر، على هامش زيارتهم إلى العاصمة البريطانية، ومن المتوقع أن تكون العلاقة مع الصين هي محور النقاش بينهم وبين الوزير البريطاني، حيث سيطالبه أعضاء الوفد باتخاذ موقف "أكثر صرامة" من بكين، بحسب صحيفة "ذا غارديان".
وأشارت الصحيفة إلى أن غالاغر يرأس حالياً لجنة في الكونغرس مختصة بالشؤون الصينية أُنشئت حديثاً، وسبق أن دعا إلى فرض "حظر شامل" على تطبيق تيك توك الصيني، وجادل في أول جلسة استماع للجنة، التي بُثت في وقت الذروة في الولايات المتحدة، بأن "الصين وأميركا تخوضان صراعاً وجودياً حول ماهية الحياة في القرن الواحد والعشرين".
ونقلت الصحيفة عن وزارة الدفاع البريطانية رفضها القول ما إذا كان الاجتماع يعني أن والاس "يدعم ويشجع مواقف غالاغر المناهضة للصين"، إذ إن وزراء الحكومة البريطانية يتواصلون باستمرار و"بشكل روتيني مع ممثلين منتخبين من كافة الحكومات لمناقشة القضايا السياسية الرئيسية".
وفي بيان صادر عن غالاغر عشية زيارتهم إلى بريطانيا، أكّد أن "عدوان الحزب الشيوعي الصيني هو عدوان عالمي، وأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تواجهان معاً تهديدات اقتصادية وعسكرية وأيديولوجية مشتركة يفرضها الحزب الشيوعي الصيني"، مطالباً كافة الأطراف بالتوّحد لمواجهة "القمع العابر للحدود والانتهاكات الصارخة لسيادتنا".