رفع الطوارئ في السودان: أي شيء لإرضاء صندوق النقد

03 يونيو 2022
تتمسك قوى سودانية بمطلب وقف العنف ضد المتظاهرين (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -

تنقسم الآراء والمواقف السياسية في السودان من قرارات رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، رفع حالة الطوارئ، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، لغرض تهيئة المناخ بين أطراف الأزمة السياسية في البلاد.

وكان البرهان فرض أحكام الطوارئ في اليوم الأول من انقلابه في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وبموجب تلك الأحكام منح البرهان سلطات واسعة لأجهزة الأمن، للتعامل مع الاحتجاجات الشعبية ضد الانقلاب، بما في ذلك تفريق التظاهرات بالقوة، وحق الاعتقال التحفظي. يُضاف إلى ذلك منحهم حصانات من المحاسبة والملاحقة القضائية إلا بإذن منه.

اعتبر "تجمع المهنيين" أن هناك 4 أسباب رئيسية دفعت الانقلابيين لاتخاذ قرار رفع حالة طوارئ

وكانت النتيجة مقتل 98 شخصاً منذ اليوم الأول للانقلاب وحتى الآن، وإصابة نحو 3 آلاف، واعتقال المئات بموجب قانون الطوارئ. عدا أن إعلان الطوارئ منح البرهان فرصة تجميد العديد من بنود الوثيقة الدستورية، حتى يتمكن من ممارسة صلاحيات واسعة لم تمنحها له الوثيقة.

مبادرة أممية للحوار بين الأطراف السياسية

وفي الثامن من يناير/كانون الثاني الماضي تدخلت بعثة الأمم المتحدة المناط بها حماية الانتقال الديمقراطي في البلاد. وتقدمت يومها بمبادرة للحوار بين الأطراف السياسية لإنهاء أزمة ما بعد الانقلاب، وهي المبادرة التي انضم إليها لاحقاً الاتحاد الأفريقي ومنظمة إقليمية هي الهيئة الحكومية الدولية للتنمية "إيغاد".

لكن قوى سياسية، في مقدمها تحالف قوى "إعلان الحرية والتغيير"، رفضت التعاطي الإيجابي مع المبادرة، إلا بتحقيق مجموعة شروط، على رأسها رفع حالة الطوارئ ووقف العنف تجاه المتظاهرين السلميين، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، لضمان تهيئة المناخات السليمة لإجراء حوار بين مختلف أطراف الأزمة.

وهذا ما اقتنعت به الوساطة الدولية الثلاثية، وضغطت على البرهان للاستجابة له. غير أن تلك الاستجابة لم تتم إلا يوم الإثنين الماضي، حين أصدر البرهان، بناء على توصية من مجلس الأمن والدفاع، مرسوماً برفع حالة الطوارئ، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين لتهيئة المناخ للحوار.

"تجمع المهنيين السودانيين": لا جدوى لقرارات البرهان

وتتباين المواقف وردود الأفعال حول ما أقدم البرهان عليه. ويرى "تجمع المهنيين السودانيين"، الرافض لأي تقارب أو مهادنة مع عسكر الانقلاب، عدم جدوى القرارات، لأنه في اليومين التاليين لصدورها، استمر عنف الأجهزة الأمنية، وتواصلت معها الاعتقالات خارج نطاق القانون، والإبقاء على الصلاحيات المطلقة للأجهزة الأمنية في الاعتقال التحفظي، ومنحها الحصانات لتمارس العنف المطلق حيال المتظاهرين.

ويوضح المتحدث باسم "تجمع المهنيين" السودانيين مهند مصطفى، لـ"العربي الجديد"، أن هناك 4 أسباب رئيسية دفعت الانقلابيين لاتخاذ قرار رفع حالة طوارئ. وأشار إلى أن أولها أن الانقلابيين، حين فرضوها، اعتقدوا خطأ أن بمقدورها الحد من الحراك الثوري المناهض لهم، إلا أنه ثبت عكس ذلك. فالشوارع المنتفضة غير آبهة تماماً للطوارئ، "التي قابلها الشعب السوداني بصمود مبهر، حتى أصبحت عديمة الأثر".

ويشير إلى أن السبب الثاني يتلخص في رغبة الانقلابيين في حفظ ماء وجه البعثة الأممية، التي قال رئيسها فولكر بيرتس في آخر تقاريره لمجلس الأمن إن نسبة العنف تجاه المتظاهرين السلميين انخفضت في الأسابيع الأخيرة. أما ثالث الأسباب، عند الناطق باسم "تجمع المهنيين"، فهو محاولة الانقلابيين استرضاء الخبير المستقل لحقوق الإنسان أداما ديينغ، الذي بدأ زيارة إلى الخرطوم أمس الأول الأربعاء، قبل أن يقدم قريباً تقريره إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

ويضيف مصطفى، أن الدافع الأخير وراء رفع حالة الطوارئ هو الاستجابة لضغوط صندوق النقد الدولي، الذي منح قادة الانقلاب فرصة أخيرة لتسليم السلطة للمدنيين، حتى يتسنى للصندوق استئناف دعمه للاقتصاد السوداني. 

ولا يستبعد مصطفى أن يكون للقرار هدف آخر هو محاولة استمالة القوى السياسية الراغبة في التسوية عكس مبدأ الشارع. ويشير إلى أن قرار فرض الطوارئ في حد ذاته كان باطلاً وخارج صلاحيات قائد الانقلاب. 


شهاب إبراهيم: رفع حالة الطوارئ يأتي كخطوة تكتيكية من الانقلابيين للخروج من مآزقهم

ويستدرك مصطفى بأن تراجع البرهان برفع الطوارئ بمثابة فصل ثانٍ من فصول هزيمة الانقلاب، بعد أن سبقه من قبل التراجع عن إعفاء رئيس الوزراء عبد الله حمدوك من منصبه، وستكتمل بقية الفصول بانتصار الثورة وتحقيق كل شعاراتها ومبادئها، على حد قوله.

رفع الطوارئ نتاج قوة الجماهير

من جهته، يعتبر المتحدث باسم قوى "إعلان الحرية والتغيير" شهاب إبراهيم أن قرار رفع حالة الطوارئ نتاج ضغط داخلي من القوة الجماهيرية الرافضة للانقلاب، وضغط آخر خارجي بالتلويح بالعقوبات. ويقول إن صدور القرار يأتي كخطوة تكتيكية من الانقلابيين للخروج من مآزقهم، ولا تحمل في طياتها إرادة حقيقية للدخول في عملية سياسية جادة.

ويبين إبراهيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قوى "الحرية والتغيير" لن تقبل بتنفيذ مطلب واحد من 4 مطالب نادت بها قبل الدخول في أي عملية سياسية. ويوضح أن المطالب تشمل بالإضافة إلى رفع حالة الطوارئ، إلغاء المراسيم والأوامر المرتبطة بقانون الطوارئ، مثل منح القوات النظامية حصانات مطلقة، وسحب سلطة الاعتقال من جهاز المخابرات، والتي أعيدت له عقب الانقلاب.

ومن المطالب، حسب إبراهيم، إلغاء كل القرارات الخاصة بإعادة عناصر نظام الرئيس المخلوع عمر البشير للسلطة والخدمة المدنية، وإطلاق سراح كل المعتقلين، بما في ذلك كوادر لجان المقاومة، ووقف العنف تجاه الحركة الجماهيرية، على أن تصدر القرارات بذلك كحزمة واحدة وبمراسيم دستورية، مثل تلك التي كان البرهان أصدرها سابقاً.

ويتفق رئيس القطاع الإعلامي للتجمع الاتحادي محمد عبد الحكم، مع ما ذهب شهاب إبراهيم إليه. ويقول عبد الحكم، لـ"العربي الجديد"، إن رفع حالة الطوارئ خطوة مهمة، وتراجع مهم من الانقلابيين. ويعتبر أن هذا الأمر تحقق عبر الضغط المتواصل للحراك الثوري، والتضحيات الجسام التي ظل الشعب السوداني يقدمها من أجل استعادة الانتقال الديمقراطي، وتحقيق الدولة المدنية الديمقراطية الكاملة، وعودة العسكر للثكنات، ومحاسبة قتلة الشهداء.

مطالب بخطوات أخرى

ويشير عبد الحكم إلى أن التجمع الاتحادي يرى ضرورة إلحاق خطوة رفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين، بخطوات أخرى مهمة للغاية، لفتح الطريق أمام عملية سياسية تفضي لإنهاء الانقلاب، واستعادة مسار التحول الديمقراطي، ووقف المحاكمات السياسية التي يدثرها الانقلابيون بثوب جنائي، وإطلاق سراح شباب لجان المقاومة الذين أقحموا في هذه الاتهامات جزافاً. ويشدد على أنه "لا بد أيضاً من تهيئة المناخ المناسب للعملية السياسية، بالوقف الفوري للعنف ضد المتظاهرين السلميين".

ويشير عبد الحكم إلى أن مواكب ذكرى فض اعتصام القيادة، اليوم الجمعة، ستشكل اختباراً حقيقياً للانقلابيين في ما يتعلق بمطلب وقف العنف في وجه التظاهرات السلمية. ويشدد على وجوب "المراجعة الفورية للقرارات الارتدادية للانقلابيين منذ 25 أكتوبر"، والتي كرست عودة نظام الإخوان، ومنحتهم صكوك السيطرة على مؤسسات البلاد بعد تفكيك كبير طاول بنية نظامهم.

التغيير الحقيقي بعودة العسكر للثكنات

ويعتبر عبد الحكم أن "التغيير الحقيقي سيكون بعودة العسكر للثكنات لأداء دورهم الطبيعي في حماية الدستور والحدود، واستلام المدنيين لزمام الحكم بشكل كامل، وتحقيق العدالة بمحاكمات عادلة لكل الجناة وقتلة الشهداء". 

لكن رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي يرى أنّ قرار رفع حالة الطوارئ يفتح الطريق لخطوات مقبلة، ويسحب البساط تماماً من تحت أقدام القوى السياسية، التي ظلت تتعلل بتنفيذ الطوارئ كمانع لهم من الدخول في حوار، ما أدى إلى تعطيل التسوية السياسية التي ستنهي، حسب تقديره، الموت اليومي في الكثير من مناطق السودان، وستوقف الصراعات القبلية، وتخفف من المعاناة الاقتصادية، بعد 3 سنوات من الشراكة غير المنتجة بين العسكر والمدنيين.


عطاف محمد مختار: شواهد ما بعد رفع الطوارئ تثبت أن القرار مجرد حبر على ورق

ويبدي المهدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، ثقته في التوصل إلى اتفاق بين الأطراف وفق برنامج مرشد لحكومة انتقالية مدنية مستقلة، وتحديد دور واضح للجيش وبقية القوات النظامية خلال الفترة الانتقالية، والترتيب للانتخابات العامة. ويُبين أن ذلك هو ما ترمي إليه الآلية الثلاثية المسهلة للحوار.

وحول أسباب استمرار العنف أثناء التظاهرات السلمية، رغم رفع حالة الطوارئ، يذكر المهدي أن هناك غبنا وسط الشباب نتيجة لتردي الوضع الاقتصادي، وعدم وجود فرص توظيف، وغياب العدالة بشأن حوادث قتل إخوانهم. ويبين أن العنف ليس في الخرطوم وحدها بل في كل السودان، وإذا لم تتم معالجة جذوره بتسوية سياسية تنتهي بإجراء الانتخابات، فإن السودان سيتحول مثل ليبيا وسورية وغيرها من البلدان المضطربة.

أما عطاف محمد مختار، رئيس تحرير صحيفة "السوداني"، فيفسر، لـ"العربي الجديد"، إقدام البرهان على قراراته الأخيرة بإحساسه بالمتاهة التي أدخل نفسه فيها، وعجزه وفشله في إنجاز أي من وعوده في بيانه الأول، إضافة إلى إحساسه بالعزلة الدولية، وعدم حصوله على أي دعم، حتى من الذين وعدوه قبل الانقلاب.

قرار رفع الطوارئ حبر على ورق

ويلفت إلى أن شواهد ما بعد قرار رفع الطوارئ تثبت أن القرار مجرد حبر على ورق، وهذا ما ثبت خلال اليومين الماضيين، خصوصاً العنف في حي بري بالخرطوم ضد المتظاهرين الأربعاء الماضي، بما في ذلك محاصرة الحي ومداهمة المنازل. 

ويستبعد مختار حدوث تسوية سياسية في تلك الأجواء، إلا إذا أتت تحت الطاولة، وفي هذه الحالة ستجد الرفض الكامل من الشارع، الذي لم يعد يثق بالمرة في المجلس الانقلابي. ويعتبر أن نجاح التسوية مرهون فقط بحصر الحوار مع المؤسسة العسكرية، وليس مع جنرالات الانقلاب.