رجحت مصادر مصرية خاصة، لـ"العربي الجديد"، أن يكون الرد الذي تلقاه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، من ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت، خلال لقائهم الثلاثاء الماضي في مدينة شرم الشيخ، حول أزمة سد النهضة الإثيوبي، وقضية المياه بشكل عام، سبباً رئيسياً في عدم إشارة البيانات الرسمية الصادرة بعد اللقاء، إلى أنه جرت مناقشة هذا الموضوع. وقالت المصادر، إن الجانبين الإسرائيلي والإماراتي، عرضا مساعدة مصر في هذا الإطار، لكن أنواع المساعدة كانت محبطة إلى حد بعيد.
سد النهضة: السيسي يطلب تدخل الإمارات وإسرائيل
وبينما لم يُعلن عن فحوى الاجتماع الثلاثي بين السيسي وبينت وبن زايد، إلا أن مصادر خاصة ووسائل إعلام إسرائيلية، قالت إنه ركّز بالأساس على "الملف النووي الإيراني، واقتراب الغرب من توقيع اتفاق لإحياء الاتفاق النووي، ورفع تصنيف الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأميركية".
وقالت المصادر إن الاجتماع تناول بالإضافة إلى ذلك "سبل مساعدة تل أبيب للقاهرة في توفير المياه، ومتطلبات البلاد من الحبوب، وبخاصة القمح، الذي أصبح المخزون الاستراتيجي له مهدداً بسبب الحرب الروسية الأوكرانية".
طلب السيسي من بينت وبن زايد التدخل لمحاولة إقناع أديس أبابا بقبول مبدأ التفاوض بشروط
وبحسب ما أعلن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية بسام راضي، فإن القمة الثلاثية تناولت بالأساس تداعيات التطورات العالمية، خصوصاً ما يتعلق بالطاقة واستقرار الأسواق والأمن الغذائي، فضلاً عن تبادل الرؤى ووجهات النظر تجاه آخر مستجدات عدد من القضايا الدولية والإقليمية، من دون مزيد من التفاصيل.
وأوضحت المصادر، لـ"العربي الجديد" أن الجانب المصري حاول أن يستغل المحادثات التي جرت في شرم الشيخ، وكانت تتركز أصلاً حول موضوعات الطاقة، في أن يعرض السيسي قضية سد النهضة، ويطلب من بينت وبن زايد التدخل لمحاولة إقناع أديس أبابا بقبول مبدأ التفاوض بشروط. وأهم هذه الشروط ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني شامل وملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، باستخدام علاقة بلديهما الوثيقة بإثيوبيا، فكل منهما لديه استثمارات ضخمة في منابع النيل الأزرق.
عرض المساعدة بتحلية المياه
لكن بحسب المصادر، اقتصر عرض المساعدة من الجانبين الإسرائيلي والإماراتي، على إمداد مصر بتكنولوجيا تحلية المياه، وهو المجال الذي يقول الجانب الإسرائيلي إنه يتفوق فيه، ويمتلك شركات كبرى تعمل فيه، إلى جانب الشركات الإماراتية العاملة في هذا المجال أيضاً.
وقالت المصادر إن تل أبيب أكدت للقاهرة قبل ذلك أن "إسرائيل دولة ذات قدرات مائية ولديها الحلول المبتكرة، وتستخدم تقنيات ذكية للحفاظ على المياه مثل إعادة تدوير المياه"، مضيفة أن مضمون هذا الرد تكرر من بينت في شرم الشيخ، وهو ما أشعر السيسي بمزيد من الإحباط.
وكانت صفحة "إسرائيل في مصر" التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، قالت الأسبوع الماضي إن إسرائيل "أعادت استخدام ما يقرب من 90 في المائة من مياه الصرف الصحي في البلاد في عام 2020، وأن مياه الصرف المطهرة تسمح لإسرائيل بتحويل الصحراء إلى أراض زراعية".
وأشارت الصفحة إلى أنه في مجال تحلية المياه، "فإن هذه العملية تحول مياه البحر إلى مياه شرب عالية الجودة"، مضيفة أن "إسرائيل تحلي نحو 585 مليون متر مكعب من مياه البحر سنوياً".
لا تعويض عن مياه النيل
وأكدت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أنه "حتى لو سخّرت إسرائيل كل قدراتها التكنولوجية في مجال تحلية المياه، لمساعدة مصر، فإن ناتج التحلية الذي تتحدث عنه إسرائيل والذي يقدر بـ585 مليون متر مكعب سنوياً، لا يمثل سوى 1 في المائة من حصة مصر من مياه النيل والتي تقدر بـ55.5 مليارات متر مكعب من المياه العذبة التي ترد من النيلين الأزرق والأبيض، من دون أن تتكلف مصر دولاراً واحداً".
وأضافت المصادر أن "أي مساعدة في تكنولوجيا تحلية المياه تتلقاها مصر من إسرائيل أو من الإمارات سوف تعود بالفائدة عليهما وليس على مصر، لأن تلك المشاريع والتقنيات سوف يدفع ثمنها الشعب المصري، بواسطة قروض، تراكم فوائد الديون المرتفعة أصلاً على مصر، من دون الحصول على فائدة حقيقية".
اقتصر عرض المساعدة من الجانبين الإسرائيلي والإماراتي على إمداد مصر بتكنولوجيا تحلية المياه
ويأتي ذلك "لأن ناتج تحلية المياه مهما كان، لن يعوّض الفاقد من مياه النيل، إذا استمرت إثيوبيا على نفس النهج الرافض لإشراك كل من مصر والسودان في إدارة وتشغيل سد النهضة، بما يمنع وقوع أي ضرر على دولتي المصب"، بحسب المصادر.
وكانت المرة الأولى التي يعلن فيها الجانب المصري رسمياً عن تدخّل إسرائيل في قضية سد النهضة، عندما زار بينت مصر للمرة الأولى في سبتمبر/ أيلول الماضي. وقال السيسي، آنذاك، إنه وجد "تفاهماً مشتركاً" مع بينت حول سد النهضة الإثيوبي. وأضاف السيسي: "قلت له إننا نحاول معالجة أزمة السد في إطار من التفاوض والحوار وصولاً إلى اتفاق بالموضوع الهام بالنسبة لنا"، والذي يعتبره الرئيس المصري مسألة "حياة أو موت".
وقالت المصادر إن "حديث السيسي عن قضية سد النهضة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في المرة الماضية، أربك الأخير، الذي لم يُبدِ حماساً، وأكد للرئيس المصري أنه لا يملك أن يدخل في هذه القضية، لكنه يملك أن يساعد مصر تقنياً في مجال تحلية مياه البحر، ومعالجة مياه الصرف الصحي".
وقبل أيام، أكد وزيرا خارجية مصر والسودان، سامح شكري وعلي صادق علي (وزير الخارجية المكلف)، في بيان مشترك، أهمية استمرار السعي نحو مفاوضات جادة تحت رعاية رئاسة الاتحاد الأفريقي حول سد النهضة، بحيث يفضي ذلك إلى اتفاق قانوني ملزم يحقق مصالح الدول الثلاث، مع دعوتهما الجانب الإثيوبي إلى الانخراط الفعّال في هذه المفاوضات في أسرع وقت ممكن.
وقال دبلوماسي مصري سابق وخبير في القانون الدولي، إن "أي محاولة لحل أزمة سد النهضة بعيداً عن التوصل إلى اتفاق قانوني شامل وملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، كما ينص اتفاق إعلان المبادئ، الموقّع بين مصر والسودان وإثيوبيا في الخرطوم عام 2015، هي محاولة لتضييع حقوق مصر التاريخية في مياه النيل إلى الأبد".
وأضاف المصدر أنه بينما "تواصل إثيوبيا إتمام عمليات بناء وتشييد السد وتشغيل التوربينات، تواصل كل من الحكومتين المصرية والسودانية، تضييع الوقت، في طلب الوساطات، ومحاولة إقناع الأطراف الدولية الفاعلة بالتدخل لحل الأزمة، من دون جدوى".