حطّ رئيس النظام السوري بشار الأسد رحاله، أول من أمس الأحد، في الإمارات بعد أيام قليلة من زيارته العاصمة الروسية موسكو، والتي سبقتها زيارة الأسد إلى سلطنة عُمان.
وتعكس هذه الزيارات سعي الأسد إلى تعويم نظامه سياسياً من البوابة العربية، في ظل تبدّل طريقة تعاطي السعودية مع هذا النظام بعد اتفاق مع الجانب الإيراني، تشير المعطيات إلى أن الملف السوري في صلبه.
ووفق وسائل إعلام النظام، فإن العديد من الملفات حضرت في المباحثات الرسمية التي جرت بين الأسد ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، منها "ملفات التعاون الثنائي والتطورات الإيجابية في المنطقة والعلاقات بين الدول العربية إضافة للملف الاقتصادي".
وكانت وكالة الأنباء الإماراتية "وام" نقلت عن بن زايد قوله إن "غياب سورية عن أشقائها قد طال وحان الوقت لعودتها إليهم وإلى محيطها العربي". وتشير المعطيات إلى أن الزلزال المدمر الذي ضرب الشمال السوري في 6 فبراير/شباط الماضي، كان غطاء لتقارب دول عربية مع النظام من زاوية "التضامن" مع سورية لمواجهة تبعات هذا الزلزال.
أسباب سياسية واقتصادية
ويبدو أن الأسد يبحث، إضافة إلى المكاسب السياسية، عن دعم اقتصادي من الإمارات التي كانت قد أعادت فتح سفارتها في دمشق أواخر عام 2018، بعد سبع سنوات على إغلاقها، بسبب رفض النظام التعاطي بإيجابية مع جهود الجامعة العربية في عام 2011 للحيلولة دون تفاقم الأوضاع في سورية في ذلك العام.
ويحاول النظام الاستثمار في الزخم السياسي الذي تلا الزلزال، لإحداث اختراق كبير في حائط الصد العربي الذي حال حتى اللحظة دون عودته إلى المحيط العربي. وتقود أبوظبي الجهود الهادفة إلى التطبيع مع نظام الأسد، الذي دشّن تقارباً مع الجانب التركي أواخر العام الماضي، قبل وضعه شروطاً لاستكماله، وأبرزها جدولة انسحاب القوات التركية من شمال سورية.
رشيد حوراني: الموقف الأميركي متراخ حيال التطبيع مع الأسد
وكانت الجامعة العربية جمدت عضوية النظام في عام 2011، وفشلت جهود دول عربية في إعادته إلى "البيت العربي"، إذ ما تزال دول عربية مثل قطر ترى أن الأسباب التي دعت الجامعة إلى تجميد عضوية النظام لم تتغير.
وهناك مؤشرات على أن الرياض تتجه نحو تغيير سياستها تجاه النظام السوري، إذ ترى أن "عزل سورية لا يجدي، وأن الحوار مع دمشق ضروري، خصوصاً لمعالجة الوضع الإنساني هناك"، وفق تصريحات وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان.
ويأتي التوجه السعودي المختلف مع النظام السوري بعد توصل الرياض إلى اتفاق مع طهران، يمهد لعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما والمقطوعة منذ عام 2016. ووفق تسريبات، اتفق السعوديون والإيرانيون على التعاون في العديد من ملفات بما فيها الملف السوري الشائك.
وحرص الأسد، في تصريحات صحافية خلال زيارته موسكو، على توجيه رسائل إيجابية إلى السعودية بشكل خاص، واصفاً الاتفاق الإيراني السعودي بأنه "مفاجأة رائعة ستنعكس إيجاباً على المنطقة بشكل عام، ولا شك ستؤثر على سورية"، مضيفاً أن "السياسة السعودية اتخذت منحى مختلفاً تجاه دمشق منذ سنوات".
وقال الأسد إن شرط ابتعاد نظامه عن إيران لم يعد مطروحاً منذ سنوات، معتبراً أن هناك تفهماً من جانب العرب لعلاقة نظامه مع إيران التي تمتد إلى أربعة عقود.
ويبدو أن قنوات سياسية فُتحت بين دمشق والرياض خلال الأيام القليلة الماضية، وفق وضاح عبد ربه رئيس تحرير صحيفة "الوطن" السورية، المقرب من دوائر صنع القرار في دمشق.
وتحدث في منشور على "فيسبوك" عن لقاء وصفه بـ"المهم" حصل في الرياض "بين مسؤولين سوريين وسعوديين، وكان أول لقاء سياسي بين البلدين"، مشيراً إلى أنه "تم تحديد الخطوات المستقبلية لإعادة العلاقات بين البلدين".
درويش خليفة: موافقة النظام على القرار 2254 أساسية للتطبيع
ووفق عبد ربه: "فقد تم الاتفاق على إعادة فتح القنصلية السعودية في دمشق خلال أسابيع قليلة"، مشيراً إلى أن "وزير الخارجية السعودي سيزور دمشق". وأغلقت السعودية سفارتها في سورية في مارس/آذار 2012 بسبب تمادي النظام في قمع المتظاهرين، ورفضه مبادرة عربية لتطويق الأزمة حينذاك.
ولكن الرياض أبقت على قنوات اتصال استخبارية مع النظام السوري، إذ تحدثت وسائل إعلام تابعة له عن زيارة قام بها في مايو/أيار 2021 رئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان، إلى دمشق. ووفق تسريبات من النظام، زار رئيس مكتب الأمن القومي المشرف على الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، علي مملوك، الرياض في عام 2020.
التطبيع مع النظام السوري
ورأى الباحث في مركز "جسور" للدراسات، رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "البرود الدولي في التعاطي مع النفوذ الإيراني، سواء في المنطقة العربية أو فيما يتعلق ببرنامجها النووي، يبدو أنه دفع السعودية باتجاه احتواء إيران، خصوصاً أن الراعي أو الضامن للاتفاق هو الصين التي ترتبط المملكة معها بعلاقات اقتصادية واسعة، حيث تستورد من السعودية مليوني برميل يومياً، ولديها بالمقابل استثمارات في إيران لمدة 25 عاماً".
ولفت حوراني إلى أن الموقف الأميركي "متراخ" حيال التطبيع مع الأسد، إذ "صرّح المبعوث الأميركي السابق إلى سورية جيمس جيفري، بأن بلاده لا تمتلك السلطة لمنع التطبيع مع نظام الأسد".
وتابع: في ضوء كل ذلك تستخدم الأطراف الملفات المشتركة كأوراق لتحقيق مصالحها وضمان نفوذها، وفي حال تحقيق المصالح الاقتصادية للسعودية وضمان أمن الخليج في ضوء التغيرات الداخلية التي تشهدها المنطقة، قد يصبح الباب مفتوحاً للتطبيع مع النظام السوري.
من جهته، رأى المحلل السياسي درويش خليفة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "حتى اللحظة لا توجد مؤشرات ملموسة على التطبيع السياسي بين الرياض والنظام، إلا في حال وافق الأخير على المضي في العملية السياسية وفق القرار الدولي 2254".
وتابع: "لكن بعد دخول الصين على خط الأزمات في الشرق الأوسط، والتي تعتبر الحالة السورية في مقدمتها، ربما نشهد تقارباً سعودياً مع النظام السوري، ولكن بمستوى متدن وليس تطبيعاً كاملاً، كما قامت به بعض الدول العربية كالإمارات والبحرين وسلطنة عمان".