خمسون عاماً على زيارة نيكسون للصين: "الأسبوع الذي غيّر العالم"

21 فبراير 2022
نجحت زيارة نيكسون للصين بضبط التوازن بين القوى الدولية(Getty)
+ الخط -

يصادف اليوم الاثنين الذكرى الـ 50 لزيارة أول رئيس أميركي لجمهورية الصين الشعبية، التي وضعت حداً لقطيعة طويلة بين البلدين استمرت أكثر من عقدين.

وكان الرئيس السابع والثلاثون للولايات المتحدة، ريتشارد نيكسون، قد زار الصين في 21 فبراير/شباط 1972، في خطوة تاريخية أسست لاحقاً لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1979.

استمرت الزيارة لمدة أسبوع، عُرف فيما بعد بـ"الأسبوع الذي غيّر العالم"، نظراً لتأثير تداعيات الزيارة بميزان القوى بين الصين والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي آنذاك.

فشلت خطط نيكسون في استمالة الصين من أجل الضغط على حلفائها الفيتناميين الشماليين

وكان القادة السوفييت يخشون، في حينه، من أن يؤدي ذلك التقارب إلى تشكيل جبهة موحدة تستهدف الاتحاد، وخصوصاً بعد انهيار العلاقة بين قطبي الشيوعية في ستينيات القرن الماضي.

توتر العلاقات بين أميركا والصين وروسيا

غير أنّ هذه الذكرى تتزامن اليوم مع توتر العلاقات بين المحاور الثلاثة، تحت وطأة العديد من الملفات والقضايا الساخنة. فكيف أسست الزيارة لتطبيع العلاقات بين بكين وواشنطن؟ وما شكل العلاقة اليوم بعد مرور نصف قرن، وكيف ينظر الطرفان إلى حل الخلافات بينهما؟ وما أبرز المقاربات المطروحة؟

وهل ندمت الولايات المتحدة على التقارب مع الصين، الذي مهد الطريق أمام انفتاح الأخيرة على المجتمع الدولي، وصعودها كقوة اقتصادية وسياسية باتت تهدد مكانة الأولى؟ وهل يسير الرئيس الأميركي جو بايدن على خطى نيكسون، ويقوم بزيارة مماثلة لكسر الجمود، وقطع الطريق أمام تقارب غير مسبوق بين موسكو وبكين على وقع الأزمة الأوكرانية؟

في 15 يوليو/ تموز 1971، استفاق الأميركيون على خطاب متلفز لنيكسون، أعلن فيه أنه قبل دعوة رسمية من قادة الحزب الشيوعي لزيارة الصين، ليصبح أول رئيس أميركي يزور الجمهورية الشعبية منذ تأسيسها في عام 1949.

وورد في خطاب الرئيس، الذي بثته القنوات التلفزيونية الأميركية، أنه اتخذ هذا القرار بسبب اقتناعه العميق بأن جميع الدول ستستفيد من تخفيف التوترات، ومن علاقات أفضل بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية.

وجاءت هذه الخطوة المفاجئة تتويجاً لفصل من مباحثات سرية قادها آنذاك مستشار الرئيس للأمن القومي هنري كيسنجر، الذي كان قد وصل قبل أيام من إعلان نيكسون، في زيارة سرية، إلى العاصمة بكين عبر طائرة باكستانية، وهناك التقى رئيس الوزراء الصيني الأسبق تشو إن لاي، وطلب منه الموافقة على زيارة رسمية للرئيس الأميركي.

محاولة أميركية لكسب حليف لديه نفوذ كبير

نبعت الرغبة الأميركية في التقارب مع الصين، من اعتقاد بأن ذلك من شأنه أن يكسب الولايات المتحدة حليفاً لديه نفوذ كبير في جنوب شرق آسيا، وبالتالي يمكن اللجوء إليه للعب دور رئيسي في المحادثات الخاصة بالحرب الفيتنامية، وكذلك في ضبط وإدارة المفاوضات مع الاتحاد السوفييتي المتعلقة بالأسلحة النووية.

في المقابل، كانت بكين تدرك أهمية هذه الخطوة، في ظل مخاوف من اتساع نفوذ الاتحاد السوفييتي، الأكثر تسلحاً، في المنطقة، بالإضافة إلى أزمة الثقة بين الجانبين، بالرغم من اعتناق إيديولوجيا واحدة مناهضة للإمبريالية. وكانت العلاقات بينهما قد تدهورت في ستينيات القرن الماضي، ودخلت في صراع مفتوح، تخللته اشتباكات حدودية في العام الأول لنيكسون (1969 ــ 1974) بمنصبه.

غوانغ يوان: لدى الصين مصلحة بغزو أوكرانيا لاستخلاص الدروس في أي محاكاة محتملة لغزو تايوان

في 21 فبراير/شباط 1972، هبطت الطائرة الرئاسية الأميركية في بكين. نزل نيكسون سلّم الطائرة برفقة زوجته بات، التي ارتدت معطفاً أحمر، في ما بدا مجاملة للتقاليد والثقافة الصينية التي يرمز فيها اللون الأحمر إلى البهجة والسعادة. وكان في استقبالهما رئيس الوزراء الصيني تشو إن لاي.

الأسبوع الذي غيّر العالم

بدت الزيارة التي استمرت لمدة أسبوع، عُرف فيما بعد بـ"الأسبوع الذي غيّر العالم"، منظمة بإحكام من الطرفين، من حيث التغطية الإعلامية المكثفة، سواء في وسائل الإعلام الصينية أو الأميركية. فقد تصدرت صورة الزعيمين وهما يتصافحان عند سلَّم الطائرة جميع الصحف والمنافذ الإعلامية، وقد رافقت الكاميرات كل خطوة كان يقوم بها نيكسون في الصين، بما في ذلك تناول وجبة العشاء مع قادة الحزب الشيوعي.

لاحقاً، فشلت خطط نيكسون في استمالة الصين من أجل الضغط على حلفائها الفيتناميين الشماليين. لكن في اتجاه آخر نجحت في ضبط التوازن بين القوى الدولية، ما دفع الاتحاد السوفييتي إلى الموافقة على الحد من ترسانته النووية، والانضمام إلى معاهدة مشتركة مع الولايات المتحدة لتنظيم ذلك، وهو الأمر الذي كان يرفضه القادة السوفييت في وقت سابق. كذلك فإن الزيارة أسست لاحقاً لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين أميركا والصين في عام 1979.

التاريخ يعيد نفسه

حول زيارة نيكسون للصين قبل نصف قرن، ومدى تشابه الظروف التي أسست لها، مع الوضع الراهن، قال عميد كلية الدراسات التاريخية السابق في جامعة سوتشو، غوانغ يوان، في حديث مع "العربي الجديد": يبدو أن التاريخ يعيد نفسه.

وأوضح غوانغ يوان أن الولايات المتحدة طلبت من الصين الشهر الماضي، استخدام نفوذها لدى روسيا لحثها على حل دبلوماسي للأزمة الأوكرانية، وبالتالي هناك مخاوف قائمة، تشبه إلى حد كبير المخاوف التي انتابت واشنطن من اتساع نفوذ الاتحاد السوفييتي في سبعينيات القرن الماضي، والتهديد الذي كان يشكله بسبب ترسانته النووية، ما دفعها إلى التقارب مع بكين.

واعتبر أن لدى الصين أيضاً مصلحة في تأزم العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، ورؤية قوات عسكرية تغزو الأراضي الأوكرانية، لاستخلاص الدروس والعبر في أي محاكاة محتملة لغزو تايوان.

وهي المصلحة نفسها، حسب قوله، التي دفعت الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ، عام 1971، إلى دعوة فريق أميركي لتنس الطاولة إلى خوض مباريات استعراضية في الصين، التي أسست لما بات يُعرف بـ "دبلوماسية البينغ بونغ".

أزمة ثقة كبيرة بين الصين وروسيا

وأوضح الأستاذ الجامعي المتقاعد أنه بالرغم مما يشاع عن تحالف صيني - روسي، فإن هناك أزمة ثقة كبيرة بين الجانبين. ولفت إلى أنّ من غير المتوقع أن تقف بكين إلى جانب موسكو ضد أي عقوبات دولية تستهدف الأخيرة، لأنها لا ترغب في أن تظهر وكأنها شاذة عن الإجماع الدولي، وهي التي تدعو إلى نظام قائم على القواعد والتعددية.

وأضاف أن روسيا تدرك ذلك، وتعلم أن ما يضعها في خندق واحد مع الصين هو تحدي الهيمنة الأميركية ليس أكثر، في حين أن هناك الكثير من الملفات الشائكة والمصالح المتضاربة بينهما.

زيارة نيكسون أيقظت التنين الصيني

من جهته، قال الباحث في معهد لياونينغ للدراسات السياسية وانغ تشي يوان، في حديث مع "العربي الجديد"، إن زيارة نيكسون للصين، قبل خمسة عقود، كانت خطوة محسوبة لدق "إسفين" بين قوتين شيوعيتين بارزتين.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة أرادت، من خلال الزيارة، أن تستخدم بكين كأداة ضغط في التعامل مع الاتحاد السوفييتي آنذاك، لكنها لم تكن تدرك، حسب قوله، أنها توقظ التنين وتفتح له الآفاق، لتصبح الصين فيما بعد لاعباً أساسياً على المسرح العالمي، ورقماً صعباً في المعادلة الدولية.

وانغ تشي يوان: زيارة نيكسون أيقظت التنين الصيني وفتحت له الآفاق
 

وأوضح أن الزيارة أذابت الجليد في العلاقات بين البلدين، لكنها لم تذلل العقبات، وظلت القضايا الشائكة عالقة، مثل مسألة تايوان التي لم تحسم حتى هذه اللحظة، بل تحولت إلى برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة، وما تبع ذلك من مستجدات لها علاقة بملف هونغ كونغ، وإقليم شينجيانغ، بالإضافة إلى الحرب التجارية، التي أشعل فتيلها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

وحول كيف ينظر الطرفان إلى حل وإدارة الخلافات بينهما، وما أبرز المقاربات المطروحة؟ قال الخبير في الشؤون الدولية بمعهد شيامن للدراسات والأبحاث، لي وان تسي، لـ"العربي الجديد"، إن موقف بكين كان واضحاً منذ البداية، بأن الصين والولايات المتحدة تستفيدان من التعاون بينهما، وتخسران في المواجهة، وأن أي خلاف يجب أن يحل عبر طاولة الحوار.

الإدارات الأميركية تبتز الصين بملف تايوان

ولفت إلى أن بكين تعتقد أن سياسة واشنطن تجاه تايوان تتعارض مع ما تم الاتفاق عليه بين البلدين، والإقرار بسياسة "صين واحدة"، واعتبار تايوان جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الصينية. وأضاف أن الإدارات الأميركية المتعاقبة تتعامل مع ملف تايوان كورقة لابتزاز الصين من أجل الحد من نهوضها ونفوذها في المنطقة.

ورأى الخبير الصيني أن الولايات المتحدة تخضع في ما يتعلق بعلاقتها بالصين، لضغط الرأي العام، ومدى اضطراب جبهتها الداخلية. واستحضر في هذا المقام إجماع الجمهوريين والديمقراطيين على العداء للصين في أثناء حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث كان استعداء بكين آنذاك القاسم المشترك الوحيد بين أكبر حزبين أميركيين.

وتابع لي وان تسي: يبدو اليوم أن الإدارة الأميركية لا تستطيع أن تواجه الصين وروسيا معاً، وهو ما يدفع باتجاه إعادة نسج العلاقات وفق المصالح المشتركة، في تكرار لسيناريو نيكسون قبل نصف قرن.

فالصين أكثر براغماتية، حسب قوله، من روسيا بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وترتبط مع الأخيرة بعلاقات اقتصادية وثيقة، فضلاً عن نفوذها الكبير في مناطق حيوية لا يمكن تجاوزها أو غضّ النظر عنها. وبالتالي إنّ الأضرار الناجمة عن استعداء بكين تتجاوز أضعاف ما يمكن أن ينجم عن أي صدام محتمل بين موسكو وواشنطن في المستقبل.

واعتبر أنه في ضوء ذلك، يمكن فهم توجه الولايات المتحدة إلى الصين لمساعدتها في الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل حل الأزمة الأوكرانية.

لكن لي وان تسي استبعد أن يسير بايدن على خطى نيكسون، على الأقل قبل موعد استحقاق الانتخابات النصفية الأميركية المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وذلك لضمان تجديد الثقة قبل أي مغامرة غير محسوبة.

المساهمون