استمع إلى الملخص
- اتهمت الصين الولايات المتحدة بعسكرة المنطقة عبر نشر صواريخ في الفلبين، مما يهدد بسباقات تسلح وتوترات إقليمية، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى.
- تسعى الصين لتعزيز علاقاتها الإقليمية عبر استراتيجية "2+2"، بينما تكثف الولايات المتحدة تحالفاتها ومناوراتها العسكرية في المنطقة، مما يزيد من التوتر وعدم الاستقرار.
شهدت العلاقات بين الصين وأميركا توتراً جديداً مع إبداء الصين مخاوفها بشأن تهديد الأمن والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وذلك في أعقاب إعلان الحكومة الأسترالية عن اتفاقية بقيمة 7 مليارات دولار أسترالي (4.7 مليارات دولار) مع الولايات المتحدة لشراء صواريخ بعيدة المدى لتعزيز دفاعها الجوي والصاروخي. وذكرت وسائل إعلام صينية، أمس الأربعاء، أن إعلان كانبيرا عن صفقة صواريخ مع واشنطن، يثير مخاوف بشأن الاستقرار الإقليمي. وأضافت أنه في إطار استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ الأميركية، تسعى واشنطن جاهدة إلى إنشاء نظام هيمنة تحت قيادتها، ولأنها لم تعد قادرة على معالجة التحديات الدولية بشكل مستقل، عملت على تعزيز قوتها من خلال التحالفات والشراكات الدولية، مع وضع أستراليا في المقدمة. وتوقعت أن تتحمل أستراليا بموجب ذلك مسؤوليات عسكرية أكبر. لكنها لفتت إلى أن مثل هذه الاستثمارات لن تنتج فوائد أمنية كبيرة وقد تزيد من خلافات الصين وأميركا التي تهدد السلم والاستقرار الإقليميين.
جيانغ قوه: الاستراتيجية الأميركية في المنطقة تهدف لاحتواء الصين
خلافات الصين وأميركا
تزامن الفصل الجديد من خلافات الصين وأميركا مع اتهام بكين لواشنطن بعسكرة المنطقة عبر نشر منظومة صواريخ متوسطة المدى في الفيليبين. وجاءت هذه الاتهامات بعد تصريحات اللواء الأميركي ماركوس إيفانز، القائد العام للفرقة الخامسة والعشرين للمشاة ومقرها هاواي، مطلع الأسبوع الحالي، أن نشر الجيش الأميركي أخيراً لنظام صواريخ متوسطة المدى في شمال الفيليبين كان مهماً، وسمح للقوات الأميركية والفيليبينية بالتدريب المشترك على الاستخدام المحتمل لمثل هذه الأسلحة الثقيلة. وكان الجيش الأميركي قد نشر نظام صواريخ تايفون في شمال الفيليبين بوصفه جزءا من التدريبات القتالية المشتركة في إبريل/نيسان الماضي. وكان من المفترض أن يتم نقل نظام الصواريخ جواً من الفيليبين الشهر الماضي، لكن البلدين اتفقا على إبقائه في شمال البلاد إلى أجل غير مسمى.
وذكرت صحيفة غلوبال تايمز الصينية الحكومية، أن نظام صواريخ تايفون كان يفترض أن يُعتبر سلاحاً محظوراً لو لم تنسحب الولايات المتحدة من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، مشيرة إلى أن نشر مثل هذه الصواريخ على عتبات دول أخرى من شأنه أن يضغط حتماً على وقت رد فعل الدفاع الجوي ويشكل تهديداً كبيراً. ولفتت إلى أن ذلك قد يؤدي إلى سباقات تسلح وتوترات وعسكرة المنطقة، وهو ما لا يخدم مصالح أي من دول الجوار، بما في ذلك الفيليبين نفسها.
كيف أدى خلاف الصين وأميركا وخلافات بكين مع دول المنطقة إلى زيادة العسكرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؟ في رده على سؤال "العربي الجديد"، قال الباحث في العلاقات الدولية في مركز النجمة الحمراء في العاصمة الصينية بكين، جيانغ قوه، إن ذلك يندرج ضمن الاستراتيجية الأميركية في المنطقة لاحتواء الصين، انطلاقاً من المبالغة في تقدير التهديدات الصينية وتسويق الأمر على أنه يمثل تهديداً مشتركاً لدول الجوار، وبالتالي ضمان انضمام هذه الدول للتحالفات الأميركية بما يضمن أمنها واستقرارها، خصوصاً تلك التي لديها خلافات تجارية أو نزاعات حدودية مع الصين، مثل أستراليا والفيليبين والهند.
وأشار إلى أن بكين تدرك أبعاد التحركات الأميركية في المنطقة، وإزاء ذلك لم تقف مكتوفة الأيدي، إذ سعت بدورها خلال الفترة الأخيرة إلى تعزيز علاقاتها بدول الجوار لقطع الطريق أمام واشنطن، وقد استندت في ذلك إلى ما بات يُعرف باستراتيجية "2+2"، وهي عبارة عن محادثات ثنائية على المستويين السياسي والأمني يشارك فيها وزراء الخارجية والدفاع من كلا البلدين، كما حدث في أغسطس/آب الماضي بين الصين وإندونيسيا، ومن قبل ذلك بين الصين وكوريا الجنوبية. وكان جيانغ قد لفت في وقت سابق، إلى أن دمج الصين الدبلوماسية مع الأمن في تشبيك علاقاتها الخارجية، يأتي في إطار رد بكين على حراك الرباعية (الولايات المتحدة، الهند، اليابان، أستراليا) في المنطقة خلال شهر يوليو/تموز الماضي، والذي عمل على تضخيم التهديد الصيني واستخدامه ذريعة لجر دول المنطقة إلى استراتيجية واشنطن، من خلال اتفاقيات خبيثة، على حد قوله، تعمل على استغلال حاجات الدول الدفاعية، لنشر المزيد من أسلحة الردع الأميركية في المنطقة، كما جرى سابقاً عندما تم نشر منظومة "ثاد" الدفاعية في كوريا الجنوبية.
جينغ وي: المنطقة شهدت تحالفات أميركية وحراكاً دفاعياً مكثفاً خلال العام الحالي
حراك عسكري غير مسبوق
من جهته، قال المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث، جينغ وي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن المنطقة شهدت تحالفات أميركية وحراكاً دفاعياً مكثفاً خلال العام الحالي، لعل أبرزها، اجتماع وزراء خارجية الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند في طوكيو قبل أشهر قليلة، والذي أسفر عن توقيع اتفاقية دفاع مشتركة في مجال الأمن البحري والأمن السيبراني ومكافحة الإرهاب. وأشار أيضاً إلى تكثيف المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة والفيليبين في منطقة بحر الصين الجنوبي الأمر الذي أثار تساؤلات بشأن إمكانية تفعيل معاهدة الدفاع المشترك بين مانيلا وواشنطن لمجابهة التهديدات الصينية. وكذلك عبور المدمرة الأميركية يو إس إس هيغينز، والفرقاطة الكندية إتش إم سي إس فانكوفر، مضيق تايوان، الأحد الماضي، والذي دفع الصين إلى إطلاق مناورة عسكرية بالتزامن في نفس المنطقة.
وأضاف جينغ وي، أن مثل هذه الترتيبات الأمنية غير مسبوقة في المنطقة، وتأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين الصين وجيرانها توترات عالية خصوصاً الهند والفيليبين، مما يشير إلى محاولة الإدارة الأميركية الاصطياد في الماء العكر، حسب قوله، لتعزيز استراتيجيتها ومحاولة إضعاف نفوذ بكين في المنطقة. وأشار إلى أن مثل هذه التحركات لن تؤدي إلا إلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار ودفع دول الجوار إلى سباق تسلح حتمي، في ظل المفاضلة والتنافس المحموم بين قوتين عسكريتين واقتصاديتين لديهما من التأثير ما يكفي لاستقطاب الشركاء وتعزيز التحالفات الإقليمية والدولية.